قد قضى العقل و الدين باحترام عظماء الرجال أحياء و أمواتا و تجديد الذكرى لوفاتهم و شهادتهم و إظهار الحزن عليهم لا سيما من بذل نفسه و جاهد حتى قتل لمقصد سام و غاية نبيلة و قد جرت على ذلك الأمم في كل عصر و زمان و جعلته من أفضل أعمالها و أسنى مفاخرها فحقيق المسلمين ]بالمسلمين[ بل جميع الأمم أن يقيموا الذكرى في كل عام للحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام فإنه من عظماء الرجال و أعاظمهم في نفسه و من الطراز الأول جمع أكرم الصفات و أحسن الأخلاق و أعظم الأفعال و أجل الفضائل و المناقب علما و فضلا و زهادة و عبادة و شجاعة و سخاء و سماحة و فصاحة و مكارم أخلاق و إباء للضيم و مقاومة للظلم.
و قد جمع إلى كرم الحسب شرف العنصر و النسب فهو أشرف الناس أبا و أما و جدا و جدة و عما و عمة و خالا و خالة جده رسول الله صلىاللهعليهوآله سيد النبيين و أبوه علي أمير المؤمنين و سيد الوصيين و أمه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين و أخوه الحسن المجتبى و عمه جعفر الطيار و عم أبيه حمزة سيد الشهداء و جدته خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة إسلاما و عمته أم هانئ و خاله إبراهيم ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله و خالته زينب بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله .و قد جاهد لنيل أسمى المقاصد و أنبل الغايات و قام بما لم يقم بمثله أحد قبله و لا بعده فبذل نفسه و ماله و آله في سبيل إحياء الدين و إظهار فضائح المنافقين و اختار المنية على الدنية و ميتة العز على حياة الذل و مصارع الكرام على طاعة اللئام و أظهر من إباء الضيم و عزة النفس و الشجاعة و البسالة و الصبر و الثبات ما بهر العقول و حير الألباب و اقتدى به في ذلك كل من جاء بعده حتى قال القائل:
و إن الأولى بالطف من آل هاشم تأسوا فسنوا للكرام التأسيا
و حتى قال آخر كأن أبيات أبي تمام ما قيلت إلا في الحسين عليهالسلام و هي قوله:
و قد كان فوت الموت سهلا فرده إليه الحفاظ المر و الخلق الوعر
«الأبيات المتقدمة»و حقيق بمن كان كذلك أن تقام له الذكرى في كل عام و تبكي له العيون دما بدل الدموع.
الحسين عليهالسلام معظم حتى عند الخوارج أعداء أبيه و أخيه و ليس أعجب ممن يتخذ يوم عاشوراء يوم فرح و سرور و اكتحال و توسعة على العيال لأخبار وضعت في زمن الملك العضوض اعترف بوضعها النقاد و سنها الحجاج بن يوسف عدو الله و عدو رسوله و أي مسلم تطاوعه نفسه أو يساعده قلبه على الفرح في يوم قتل ابن بنت نبيه و ريحانته و ابن وصيه و بما ذا يواجه رسول الله صلىاللهعليهوآله و بما ذا يتعذر إليه و هو مع ذلك يدعي محبة رسول الله صلىاللهعليهوآله و آله و من شروط المحبة و الفرح لفرح المحبوب و الحزن لحزنه.و لو أنصف باقي المسلمين ما عدوا طريقة الشيعة في إقامة الذكرى للحسين عليهالسلام كل عام و إقامة مراسم الحزن يوم عاشوراء، فهل كان الحسين عليهالسلام دون جاندارك التي يقيم لها الإفرنسيون الذكرى في كل عام و هل عملت لأمتها ما عمله الحسين لأمته أو دونه.
الحسين عليهالسلام سن للناس درسا نافعا، و نهج لهم سبيلا مهيعا في تعلم الآباء و الشمم و طلب الحرية و الاستقلال، و مقاومة الظلم، و معاندة الجور، و طلب العز و نبذ الذل، و عدم المبالاة بالموت في سبيل نيل الغايات السامية، و المقاصد العالية، و أبان فضائح المنافقين، و نبه الأفكار إلى التحلي بمحاسن الصفات، و سلوك طريق الإباة و الاقتداء بهم و عدم الخنوع للظلم و الجور و الاستعباد.
و بكى زين العابدين على مصيبة أبيه عليهالسلام أربعين سنة و كان الصادق عليهالسلام يبكي لتذكر مصيبة الحسين عليهالسلام و يستنشد الشعر في رثائه و يبكي و كان الكاظم عليهالسلام إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا و كانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي عشرة أيام منه، فإذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته و حزنه، و قال الرضا عليهالسلام إن يوم الحسين أقرح جفوننا و أسال دموعنا و أورثنا الكرب و البلاء إلى يوم الانقضاء، و قد حثوا شيعتهم و أتباعهم على إقامة الذكرى لهذه الفاجعة الأليمة في كل عام، و هم نعم القدوة و خير من أتبع و أفضل من اقتفى أثره و أخذت منه سنة رسول الله.
|