البحث في فهارس المكتبة:

كارثة الياسمين

كارثة الياسمين
مجلة الوارث 72

كانت هنالك صحراء واسعة مملوءة بالرمال والاشواك ليس فيها اشجار ولا ورود ذات يوم تدفق نبع صغير في وسط الصحراء، ونبتت ورود جميلة من الياسمين ملأت بعطرها فضاء الى الصحرا.

كان هناك فلاح يعيش بسعادة في كوخه.

عند ما تشرق الشمس وترسل اشعتها الذهبية الصحراء بالنور والدفء ينطلق الفلاح نحو ورود الياسمين، يُسقيها ويستمتع بجمالها، فتغمر قلبه سعادة عميقة مرّت الأيام وتعاقبت الفصول ذات صباح ربيعي دافئ ارتجف الفلاح لقد جاء صياد، خاف الفلاح على زهور الياسمين أراد أن يقول لها: احذري أيتها الورود الجميلة لقد جاء الصياد.

اندهش الصياد حين شاهد هذه الزهور الجميلة وصمم على قطفها مد يديه ليقطف اكبر الزهور ولكن زهرة ياسمين اخرى توسلت اليه أن يُطلق الزهرة الكبرى، لكن الصياد القاسي لم يسمع كلامها، واصرّ على قطفها فلم تجد الزهرة الجميلة بدّاً من مقاومته ودونما رحمة وجه الصياد صفعة غادرة الى أذنها الغض، فاحمرّ وجهها من اثر الضرب، وحاول مرة اخرى أن يستأصلها من جذرها والزهرة الجميلة تتألم كثيراً، ولا تستطيع أن نتحرك من مكانها غير انها حين أحست بذلك وقفت شامخة متحدية امام الصياد، ولكن الصياد القاسي استأصلها من الأرض، فقدمت نفسها فداءاً للوردة الكبرى… في تلك اللحظة حدث شيء عجيب.

جفّت كلّ زهور الياسمين حينما شاهدت هذا المنظر، نعم! في ذلك اليوم حزنت كل الاشياء الجميلة الحلوة، في ذلك اليوم تركت الورود ألوانها الزاهية، واستبدلت ثيابها الملونة بالثياب السوداء.. في ذلك اليوم حزنت كل الانهار والحقول والسنابل، وراحت الرياح تنشر أنينها في الأفق المظلم … في ذلك اليوم فقدت النجوم بريقها، واختبأ القمر وراء سحابة رمادية معتمة لأنه كان يشعر بالخجل من أن يضيء … كان كل الوجود شاحباً مغموراً بألم الفجيعة وغبار الحزن، كانت كل الشفاه صامتة، وكل القلوب كئيبة، فلم يتكلم في ذلك اليوم غير الدموع، فهي وحدها كانت تنطق بحروف مبحوحة تنحدر على خدود الصغار وأجنحة الفراشات وأوراق الشجر.
نعم! استيقظت المدينة المنورة ذلك اليوم على غير عادتها، فصهيل الخيول وحركة النياق وضجيج الرجال يملأ الأزقة، كانت الاصوات تنبعث من زقاق بني هاشم.. ماذا حدث؟!

في ذلك اليوم لم يصل الى المسامع أنين الزهراء التي كانت لا تهدأ من البكاء ليلها ونهارها، فقد كانت تهدد الظالمين بزفيرها، معلنة بدموعها الساخنة رفضها للظالمين، ومخفّفة من آلام فراق أبيها التي ضربت عليها خيمة من الأسى والشجون.. في ذلك اليوم خفتت اصوات ابنائها فكانوا كقمر حجبته غيمة رمادية..

نعم! أسمع صوتاً ينادي: (استشهدت فاطمة).. وصوتاً ضعيفاً انتشر في ازقة المدينة ينادي: واأبتاه

نعم! هذا صوت بضعة الرسول التي عصرت بين الباب والحائط، فلم يُعنها أحد.

شاهد أيضاً

The Warith Magazine Issue 6

– by: The Department of Islamic Studies and Research of The Holy Shrine of Imam …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *