البحث في فهارس المكتبة:

النور الثالث والسر المستودع فيه

العدد 72
النور الثالث والسر المستودع فيه

الأمور كما أفهمها، أن الوجود كله يتكون من عقلين. عقلٌ فاعل جامع هو مصدر كل شيء وعقل منفعل تابع وضع له المصمم حدودً يقف عندها فلا وجود للتفكير المطلق للعقل التابع بل هذا من صفات العقل الجامع ، وانا بحثت في مراتب التفكير وتابعت فاعلية حركة العقل فوجدت أنّ له مراتب يرتقي بها ولكن إلى حدود ومراقٍ يتسلقها حيث النهاية.

وقد بحثت عن المرقاة الأخيرة في سلم صعود العقل وتحليقه في عالم الفكر وانطلاقة اللامحدودية في أسئلته فلم أجد في كل الكتب أي جواب شاف إلا في القرآن حيث هناك قولان ارتبطا ببعض بشكل وثيق.

القول الأول هو قول الرب: ((ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك)).

فبيّن الرب أنّ حملة العقل التابع (الناس) يُحلقون بعيدا في تفكيرهم حيث تدور عقولهم في أنحاء السماوات والأرض بحثا عن إجابة على أسئلة ولدتها مشاهدات وتأملات ولكنهم دائما يصطدمون بـ(القول الثاني) الذي وضعه الرب كخط احمر لا يُمكن للعقل أن يتجاوزه وإلا أصيب .

وهو قوله: {ليس كمثله شيء}. فجعل الرب نفسه خارج الأشياء، وقد أطلق جميع الفلاسفة وأهل العرفان على هذه المرحلة من مراحل التفكير بـ(الليسية).

وهي أنّ الإنسان يستخدم دائما (الأشياء المخلوقة) للوصول إلى الخالق، ومحال له أن يصل لأن المحدود لا يدرك المطلق. ومن يقع خارج دائرة الأشياء كيف ندركهُ بالأشياء فكل دورها أنها الدليل إليه. ومن هنا قال الرب: {لا تُدركهُ الأبصار}. لأنه يقع خارج قدرتها لكونها (شيئاً) مخلوقاً له قابلية محدودة.

فإذا حاولت العين أن تُدرك كنه النور الأعظم فهذه الشمس وهي مخلوق صغير من مخلوقاته فليملأ ابن آدم عينيه من نورها.

فكيف بدأ النور (في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، هذا كان في البدء عند الله، كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان، فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس).

إذن هما اثنان (الحياة) و(النور) فقد خُلقت الحياة كلها من أجل هذا النور، الذي لولاه لما استقرت الأرواح في الأبدان، ولكن من هو هذا النور الذي يُنير كل إنسان ولم تقبله خاصته!!؟

(كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيا إلى العالم، كان في العالم، وكون العالم به، ولم يعرفه العالم، إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله).

هذا النور هو الوعاء الذي يحمل الأنوار التي تفرعت منه، كان الناس في عالم الذر الأكبر يتمنون أن يروا هذا النور ولو ساعة: (كان هو السراج الموقد المنير، وأنتم أردتم أن تبتهجوا بنوره ساعة).

من هو هذا السراج المنير بحثنا ووجدناه في القرآن المقدس: {وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا}.

إذن عرفنا من هو هذا النور الذي من أجله خُلقت الروح والتي لولاه لم تستقر في الأبدان طرفة عين ولكن هل خلق الرب هذا النور وحده؟

(فعمل الله النورين العظيمين: النور الأكبر لحكم النهار، والنور الأصغر لحكم الليل، والنجوم). (سفر التكوين:1/16)

فكان النور الأكبر لحكم المحجة الواضحة التي جاء بها، والنور الأصغر لإنارة الفتن التي جاءت كقطع الليل المظلم بعد رحيل النور الأكبر ثم تلته النجوم الزواهر كلما غاب نجمٌ ظهر آخر.

إذن إن النورين العظيمين هما الشمس والقمر (محمد وعلي)، ولكن ماذا عن النور الثالث الذي باتحاده مع النور الأصغر أنتج النجوم: (وظهرت آية عظيمة في السماء: امرأة متسربلة بالشمس، والقمر، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبا). (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي:1/12)

إذن هناك نور ثالث أنثوي كان حلقة وصل بين النورين (أنا النور الأكبر وعلي النور الأصغر) وهو الذي حمل السر الذي صبّهُ النور الأكبر في أذنها فكانت مستودع الأسرار الإلهية.

كانت (الكلمة) هي السر الأكبر الذي أرسله الله إلى مريم يحمله كبير ملائكته (وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه): (فإن الذين في السماء هم ثلاثة: الأب، والكلمة، والروح).

فنزل الوحي الكبير رئيس الملائكة يحمل (الروح والكلمة)، فألقاها إلى مريم.

ولكن النور الأعظم الثالث (فاطمة) أكرمها الرب غاية الإكرام فلم يرسل لها السر بيد ملك من ملائكته كما فعل مع (مريم) بل استدعى النور الأعظم (محمداً) إلى حضرته حتى كان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى فرجع وهو يحمل هذا السر الذي لم تحتمله سوى أذن (محمد) وبقي جانح محمد ينطوي على هذا السر إلى قرب موته فأسرّ به إلى ابنته.

قالت عائشة: (دخلت بنت النبي، فلما دخلت بكت، لأن النبي صلى الله عليه – وآله – وسلم لم يستطع القيام، لأنه كان يقبلها بين عينيها كلما جاءت إليه، فقال النبي صلى الله عليه – وآله – وسلم: «ادني مني يا فاطمة»، فأسر لها النبي صلى الله عليه – وآله – وسلم في أذنها، فبكت أكثر، فلما بكت قال لها النبي صلى الله عليه – وآله – وسلم: «ادني مني يا فاطمة»، فأسر لها مرة أخرى في أذنها فضحكت).

وهذا السر المودع فيها انتقل عبر أبناءها واحد واحد، إلى أن يستقر بيد من سوف يُظهر هذه الكلمة وعلى يمينه الروح العظيم فيبسط الأرض بالعدل والرفاه ويقضي على الظلم، (اذكروا إلى الأبد عهده، الكلمة التي أوصى بها إلى ألف جيل). (سفر أخبار الأيام:15-16)

نعم إلى ألف جيل، ونحن هذا الجيل الذي نقف فيه على رأس الألفية الأخيرة حيث لم يتبقَّ على نهاية هذه الألفية سوى دقيقتين بالزمن الذري، ليظهر بعدها النور الأعظم حاملا كلمة الرب ليُدين المسكونة بالعدل برجل قد عينه، (لأنه أقام يوما هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل، برجل قد عينه، مقدما). (سفر أعمال الرسل:17/31)

شاهد أيضاً

The Warith Magazine Issue 6

– by: The Department of Islamic Studies and Research of The Holy Shrine of Imam …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *