البحث في فهارس المكتبة:

عظمة الإمام الحسين عليه السلام

*محمد رضا الحسيني

إنّ العظماء الذين جاءوا إلى هذه الحياة على نوعين:

النوع الأول: محدودو العظمة، والنوع الثاني: العظماء طول الزمن.

    النوع الأول: محدودو العظمة

هذا النوع يشكله الغالبية من العظماء الذين جاؤوا إلى هذه الحياة، فملؤوا وأثّروا، ولكن عظمتهم كانت محدودة بفترة زمنية، فقد كانت في عشر سنوات أو أربعين أو ثمانين عاماً، أو ربما تكون ليوم واحد فقط! وهو ما نلاحظه من مطالعة سيرة بعض العظماء الذين كان عظيماً ليوم واحد فقط.

مجلة الوارث 87
عظمة الامام الحسين عليه السلام

إنّ عدد الذين حكموا على الكرة الأرضية خلال فترات التاريخ الماضية، ربّما يفوق عشرات الألوف، لكن عظمتهم كانت مؤقتة وآنية، أي إنّها لسنوات ثم ينتهي كل شيء، وقد خطب الإمام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه أولئك بالقول: «أين العمالقة وأبناء العمالقة…»؟(نهج البلاغة: الخطبة182)

لا نجد لهم اليوم أي أثر، ولا يسمع بهم أحد، ذهبوا في طيات التاريخ، رغم أنّ منهم السياسيين وقادة الجيوش العظيمة الذين فتحوا البلاد وحكموا الملايين.

من هذا النوع كان الاسكندر المقدوني الذي يقال إنّه حكم الكرة الأرضية بأسرها، وهو من القلة الذين حكموا العالم كله، وهو طُموح طالما راود الحكام واعتلج في صدورهم، ويقال: إن أربعة من الحكام حكموا الأرض بأسرها أحدهم كان الإسكندر المقدوني، والآخر هو الإسكندر ذو القرنين.

وعندما توفي الإسكندر المقدوني، جاؤوا بالكفن وألقوه عليه فغطى كل بدنه، ولكن بقيت يده خارج الكفن مفتوحة، فجاء أحد الحكام العالمين وقال: إن هذه اليد المفتوحة خارج الكفن رسالة من صاحبها: أن أيها الناس اعتبروا بحالي، فأنا الذي ملكت الدنيا كلها، وملكت الأموال والأقاليم والبلاد والعباد، أخرج اليوم من الدنيا دون أن آخذ شيئاً بيدي.

قل للذي ملك الدنيا بأجمعها

هل راح منها بغير القطن والكفن

    النوع الثاني: العظماء طول الزمن

هذا النوع من العظماء ممن لا يحدد الزمان عظمتهم، وإنما هم باقون عبر القرون، وليس خلال ثمانين أو مائة عام، وهذا النوع هم الأقلية من العظماء.

لكن ما السبب في وجود عظماء محدودي العظمة؟ في المقابل هناك عظماء غير محدودي العظمة؟ وهل هناك من صدفة في المسألة؟ أم هنالك علل في هذا الكون؟! وهل أن الصدفة وراء حوادث الكون الصغيرة منها والكبيرة؟ الإجابة هي النفي قطعاً.

هو ليس في الوجود الاتفاقي

إذ كل ما يحدث فهو راقي

لعلل بها وجوده وجب

يقول الاتفاق جاهل السبب

فالجاهل هو الذي يقول بوجود الصدفة والمفاجأة، والذي لا ينظر إلى الأمور إلاّ من بُعدٍ واحد، بينما الملمّ بجميع الأبعاد والمعادلات، لا يمكن أن يقول بهذا القول، فالقضايا العادية إذا لاحظنا دوافعها نجدها حتمية وليست مصادفة، فكيف بالقضايا الكبرى.

لذا فإنّ العظمة المحدودة والعظمة غير المحدودة تقف وراءها جملة عوامل منها وفي مقدمتها: عامل المادة، فالذين ارتبطت عظمتهم بعظمة المادة ينتهون بانتهاء المادة، كما أن التاجر الذي بنى عظمته وكيانه وشخصيته على المال، سينتهي بانتهاء ذلك المال، وقارون الذي كان يملك من الأموال {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ}.(القصص:76)

فقد بنى عظمته على المال وعلى تلك الخزائن، لكن عندما انتهى وبات في طيات التاريخ، يذكر اليوم ليعتبر به ليس إلاّ، وهكذا كثير من الحكام انتهوا، لأنهم بنوا حكمهم وكيانهم وبيدهم السيف والسوط، وهما أيضاً لم يدوما لهم، فانتهيا وانتهوا هم أيضاً معهما، (لو دامت لغيرك ما وصلت لك).

من هنا فإنّ كل عظمة تبنى على قاعدة مادية تكون إلى زوال، لذا يقول الله تعالى في الآية الكريمة: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}.(النحل:96)

أي إنّ الذي عند البشر من ثروة وعلاقات اجتماعية وكل شيء ينفد، ولكن ما عند الله باق.

ومن الأعاجيب في التاريخ أن يكون هناك شاب عمره أربع وثلاثون سنة، ولا يملك شيئاً في الحياة، لا بيتاً ولا زوجة، ولا ذرية يحملون اسمه ولقبه، ولا حتى وطن!

فهو يسير من أرضٍ إلى أخرى، ويلبس الثياب المرقعة، وعندما يجنّ عليه الليل يأوي إلى برية أو على إحدى الكهوف لينام في داخلها، وكان يقول: «فراشي التراب ووسادتي المَدر – وهي الأحجار الصغيرة – وسقفي السماء وشرابي الماء وطعامي ما أكلت الوحوش…».(بحار الأنوار:14/321)

فهو لا يجد حتى طعاماً ليأكله، فيأكل من نباتات الأرض والأعشاب، أما الذين آمنوا به فكانوا اثني عشر شخصاً – كما يقال -.

وينقل أنّ أحدهم قد خانه فبقي أحد عشر فقط، وذلك الشاب هو النبي عيسى ابن مريم على نبينا وآله وعليه وعلى أمه صلوات الله وسلامه الذي يزعمون أنهم صلبوه، ونعتقد أن الله تعالى رفعه إليه.

هذا الرجل يحرّك التاريخ منذ أكثر من ألفي عام، فأية عظمة تجعل إنساناً يحرك التاريخ على مدى ألفي عام؟ واليوم تستمعون في كل أرجاء العالم، من خلال وسائل الإعلام من إذاعات عائدة للمسلمين والمسيحيين، وأيضاً صحف وكتب كلها تذكر اسم عيسى المسيح؛ فما السبب وراء ذلك؟

إنه عدم الارتباط بالعظمة المادية، بل الارتباط بالعظمة الربانية.

عظمة الإمام الحسين عليه السلام في الأديان الأخرى

إن العظمة التي نجدها في الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه لا نجدها في أي شخصٍ آخر على مر التاريخ – علماً أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإمام أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أعظم من الإمام الحسين عليه السلام – وهذا التعظيم ليس خاصاً بنا نحن الشيعة، بل إنّ كافة المسلمين ومن غير المؤمنين يعظمون الإمام الحسين عليه السلام أيضاً.

ينقل أنه في إحدى البلاد البعيدة هنالك قرية هندوسية، وفي كل شهر محرم الحرام يقيم أهلها الهندوسيون مجلس العزاء على الإمام الحسين عليه السلام، ويدعون الخطيب ليرتقي المنبر ويقرأ لهم المصيبة ويبكون كما نبكي نحن، بل إنهم يطبخون الطعام للمعزين كما نفعل في بلادنا، لكن لا يقدمون طعامهم لهذا الخطيب تفادياً للإحراج، ويقولون: (إنكم لا تأكلون من طعامنا)!

هذه العظمة إنما جاءت لأن الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه تفانى في الله وربط نفسه بالله، ومما كان يقوله أو هو عن لسان حاله:

تركت الخلق طراً في هواكا

وأيتمتُ العيال لكي أراكا

فلو قطعتني في الحب إرباً

لما حنّ الفؤاد إلى سواكا

ونقرأ في زيارة الأربعين: «فبذل مهجته فيك…»، أي إنّ هذه العظمة هي عظمة إلهية، لذا تكون باقية.

من هنا علينا السعي ما أمكننا للارتباط بالله سبحانه وتعالى حتى نضمن البقاء، فبالقدر الذي نربط أموالنا بالله نكون باقين، كما أنّ الذين ربطوا أنفسهم بالإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه من خلال بناء الحسينيات فإن ذكراهم تبقى عد موتهم، فالإنسان يموت وتذهب أمواله، لكن المسجد والحسينية تبقى له في هذه الدنيا، وتبقى أيضاً عند الله سبحانه وتعالى وهو الأهم.

    السرّ الإلهي

مجلة الوارث 87
عظمة الامام الحسين عليه السلام

ذهب المستنصر بالله وهو أحد الحكام العباسيين إلى سامراء فرأى مرقد الإمامين الهادي والعسكري صلوات الله وسلامه عليهما بذاك الجلال والبهاء – وذلك لم يكن بالشكل الموجود اليوم – فيما الناس يأتون إليه بالنذور ويهدون إليه الستائر والقناديل والشموع ويتوسلون إلى الله سبحانه وتعالى بمقام هذين الإمامين عليهما السلام، ثم بعدها انتقل إلى مقابر العباسيين، وإذا به مكان مقرف وخربة وأبنية مهدّمة لا سقف لها، وتشرق عليها الشموس فتصهرها صيفاً، وفي الشتاء ينزل عليها المطر، كما تسرح فيها الحيوانات السائبة وتفعل ما تفعل!

فقال أحد المرافقين للحاكم العباسي: أيها الأمير، مع وجود القوة والسلطة بأيديكم، ليس من المناسب أن تبقى قبور آبائكم وأجدادكم وكبار بني العباس على هذه الشاكلة، فيما ترى قبر الهادي والعسكري – عليهما السلام – بهذه الدرجة الرفيعة؛ فأجاب المنتصر: (إنّ هذا سرّ إلهي…).(الأنوار البهية:331)

نعم إنها قضية غيبية وليست قضية بشرية، فهي ليست بأيدينا، ومهما شجعنا الناس ورغبناهم لزيارة قبر المتوكل – مثلاً – فإنهم لا يجدون المبرر لهذه الزيارة، فكونه كان حاكماً أو ثرياً، فإنه تحت التراب لا قيمة له عند الناس ولا عند الله، لأنّ المال والثراء والسلطة لا تساوي شيئاً عند الله سبحانه وتعالى.

لذا لا يوجد أحد يرغب بزيارة قبر المتوكل العباسي أو قبر أبي العباس السفاح أو أمثالهم، والحاكم العباسي يقرّ بعجزه عن حمل الناس على زيارة قبور العباسيين وإعمارها والاهتمام بها، لأنها قضية دين وعقيدة، ومسألة مرتبطة بالسر الإلهي.

بالمقابل نلاحظ قبر سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليهما فبالرغم من أنه كان في ظل عدو التشيّع وعدوه يزيد بن معاوية (لعنه الله) وعدو الدين وعدو الله سبحانه وتعالى وحتى عدو الإنسانية، من دون أن يتمكن من فعل شيء، فإنّه بقي مكاناً يؤمّه الزائرون من مختلف البلاد، والسبب هو أن المسألة خارجة من يد العدو، فإرادة الله أقوى من أيّة إرادة أخرى.

إذن عظمة سيد الشهداء الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه هي من عظمة الله سبحانه وتعالى، وبمقدار ما نتمكن أن نخصص من أموالنا عشرة المائة – مثلاً – لله سبحانه وتعالى، وكان متعارفاً عند الأخيار قديماً أنّهم كانوا يخصصون ثلث أرباحهم لسيد الشهداء عليه السلام، ينفقونها للحسينيات ولنشر الكتب التي تؤلف عن الإمام الحسين عليه السلام وأيضاً للاحتفالات البهيجة التي تقام باسم الإمام الحسين، وربما لا يتمكن البعض من ذلك، فبإمكانه التشجيع على ذلك أو المساهمة فيه، بل يتمكن من توزيع الشاي في مجالس الإمام الحسين عليه السلام وهذا يُعد فخراً للإنسان أن يكون خادماً في مجالس الإمام الحسين عليه السلام، بل فخرٌ لمن ينظم أحذية القادمين إلى مجالس الإمام الحسين عليه السلام، وإلا فسيقول الإنسان بعدئذ: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}.(الفجر:24)

وقال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.(النحل:96)

شاهد أيضاً

The Warith Magazine Issue 6

– by: The Department of Islamic Studies and Research of The Holy Shrine of Imam …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *