البحث في فهارس المكتبة:

الولاء والتعبير عنه

الولاء والتعبير عنه
الولاء والتعبير عنه

*محمد مهدي الآصفي

الشعائر والشعارات من أصل واحد غير أنّ مفرد كلمة الشعائر (الشعيرة) ومفرد كلمة الشعارات (الشعار).

و(الشعيرة) هي ما يُشعر بالعبادة لله تعالى أو الانتماء إلى الله أو الحج، وجميعها شعائر.

يقول تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}.(الحج:32)

ويقول تعالى: {لاَ تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ}.(المائدة:2)

أي ما يهدى إلى بيت الله ويسمى بذلك كما يقول الراغب لأنّها تشعر أي تعلم، والشعار ما يشعر به الإنسان ويعرّف به نفسه في الحرب، وجمعه (شعارات).(مفردات الراغب:262)

فالشعائر إذن هي مجموعة الطقوس والأعمال التي تُشعر بالانتماء والولاء والعبادة وما يشبه ذلك، والشعارات ما يُعرّف به المقاتل نفسه في ساحة الحرب من انتماء أو أصل أو قدرة قتالية أو استقامة على الحق وما يشبه ذلك فهما إذن يشتقان من أصل واحد وهو الإشعار والإعلام.

وسوف نتحدث في هذا البحث إن شاء الله عن (الشعائر الحسينية) أولاً ثم نتحدث عن (الشعارات الحسينية)، ونقصد بـ(الشعائر الحسينية) ما تعارف عليه المؤمنون من أتباع أهل البيت عليهم السلام من إحياء ذكرى استشهاد أبي عبد الله الحسين عليه السلام في كل عام، بإقامة مجالس العزاء والنياحة على الحسين عليه السلام وأهل بيته وأنصاره، والتفجع بمقتله عليه السلام، وإنشاد الشعر في ذلك بالفصحى واللهجات الشعبية الدارجة عند الناس.

وخروج مسيرات العزاء على الحسين عليه السلام على هيئة مواكب إلى الشوارع، وزيارة الحسين عليه السلام من قرب وبعد، وأمثال ذلك مما يتعارف عليه المؤمنون من أتباع أهل البيت عليهم السلام ويتوارثونه جيلاً بعد جيل إلى اليوم.

وقد كان لأهل البيت عليهم السلام عناية خاصة بإقامة هذه الشعائر، لإبقاء ذكرى شهادة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام في وجدان المسلمين حيّة، غضّة.

ونقصد بالشعارات الحسينية ما كان يرتجزه الحسين عليه السلام وأنصاره عليهم السلام في ساحة المواجهة، في مقابلة العدو من الشعر، وأكثره من بحر (الرجز) و(فعل يرتجز اشتق منه)… .

وقد كان من عادة المقاتلين أيام القتال بالسلاح الأبيض أن يتبارز المقاتلان في الساحة فيعرّف كل منهما بنفسه، ويذكر أصله، وحسبه ونسبه، وشجاعته، ومقدرته، وصولاته القتالية.

وهذا الشعر يكشف كثيراً عن هوية المتقاتلين ونفسياتهم، والغايات التي يطلبونها في المعركة من ثأر، وسلطة، أو الدفاع عن القوم والعشيرة، أو تعصّب للأقوام والعشائر وحلفائهم، أو الدفاع عن الحق، والعدل والتوحيد.

وديوان الرجز في تاريخ الجاهلية والإسلام لو جمع لكان ديواناً حافلاً بهذه المضامين الحضارية.

ويسمى هذا الرجز في ساحة القتال بـ(الشعار) وجمعه (شعارات)، ووجه التسمية أن المقاتل يُشْعر أو (يُعرّف) بهذا الرجز نفسه، وأهدافه، وانتماءه القبلي أو القومي، أو الديني، وقدراته القتالية.

وفي معركة الطف يوم عاشوراء نجد ألواناً ونماذج مختلفة من (الشعارات) القتالية للحسين عليه السلام وأنصاره من جانب، ولجند ابن زياد من جانب آخر.

ودراسة هذه الشعارات تنفع الجمهور، لأنها تكشف عن نموذجين من الناس، تقاتلا في كربلاء، يمثل أحدهما قمة من قمم التاريخ في الوعي والإخلاص وابتغاء وجه الله والإيثار والتضحية والعطاء والإيمان والصبر، والمقاومة والشجاعة والاستماتة في سبيل الله؛ ويمثل الآخر حضيض الدناءة، والفسوق والظلم والقسوة والتكالب على حطام الدنيا وابتغاء الذهب والفضة وابتغاء وجوه الطغاة والجبابرة.

كما قال اللعين حينما أتى برأس سيد الشهداء عليه السلام إلى عبيد الله بن زياد عليه اللعنة:

املأ ركابي فضة أو ذهباً

إني قتل السيد المهذبا

قتلت خير الناس أماً وأباً

وهذا مع اعترافه بأن سيد الشهداء عليه السلام سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو خير الناس على وجه الأرض من كل النواحي، وهو أشهر من العلم.

والشعر الذي يرتجز به هؤلاء وأولئك يكشف عن هذه الخصال وتلك، ويكشف عن عروج الإنسان إلى الله، وسقوطه في أوحال الفساد.

والتعريف بهذا العروج وذلك السقوط ينفع الناس في نهج حياتهم.

شاهد أيضاً

The Warith Magazine Issue 8

– by: The Department of Islamic Studies and Research of The Holy Shrine of Imam …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *