البحث في فهارس المكتبة:

من وصايا الإمام الجواد عليه السلام

مجلة الوارث 88
من وصايا الإمام الجواد عليه السلام

*جعفر محمد حسين

حرص الإمام الجواد عليه السلام على توجيه المسلمين وإرشادهم إلى طريق الخير والصلاح لنيل الفوز في الدنيا والآخرة.

    أولاً: طلب العلم

حثّ الإمام الجواد عليه السلام على اكتساب العلم ومجالسة العلماء وبيان فضلهم، فقد روي أنّه عليه السلام قال: «عَلَيْكُمْ بِطَلَبِ الْعِلْمِ فَإِنَّ طَلَبَهُ فَرِيضَةٌ وَهُوَ صِلَةٌ بَيْنَ الإِخْوَانِ وَدَالٌّ عَلَى الْمُرُوءَةِ وَتُحْفَةٌ فِي الْمَجَالِسِ وَصَاحِبٌ فِي السَّفَرِ وَأُنْسٌ فِي الْغُرْبَة».(كنز الفوائد:1/319)

فقد أكّد الإمام عليه السلام على أنّ المؤمن يجب أن يكون محصّناً بالعلم ليكون قادراً على مواجهة الأفكار المنحرفة ومساهماً في بناء المجتمع والوطن.

كما إنّ طلب العلم يؤدي على التواصل مع الإخوان والمؤمنين وتلاقح أفكارهم لبناء بلدهم وتقوية الأواصر وتكوين قاعدة رصينة للدفاع عن المقدسات.

كما أكّد عليه السلام على أنّ طلب العلم هو عامل يبعث على عدم الشعور بالوحدة والاستئناس بالآخرين لأنّ الناس دائماً تقصد العلماء والمتعلمين فيكون الإنسان العالم ذا فائدة لهم.

    ثانياً: حسن المعاشرة

لقد حثّ الإمام الجواد عليه السلام الناس على بناء علاقاتهم الاجتماعية وفق ضوابط معيّنة تضمن لهم استمرار العلاقات الطيبّة فيما بينهم فقال عليه السلام: «ثَلاَثُ خِصَالٍ تُجْتَلَبُ بِهِنَّ الْمَحَبَّةُ: الإِنْصَافُ فِي الْمُعَاشَرَةِ، وَالْمُوَاسَاةُ فِي الشِّدَّةِ، وَالإنْطِوَاعِ وَالرُّجُوعُ عَلَى قَلْبٍ سَلِيم».(بحار الأنوار:75/82)

فقد أعطانا بهذه الكلمات الأسس والقواعد التي نعتمد عليها عند التعامل مع الآخرين لجلب المودة ونشر المحبة في المجتمع أولها الإنصاف وعدم ظلم الآخرين حتى لا يشعر أحدنا بالغبن فتثار حفيظته ويحمل حقداً على الآخر.

كما أنّ مواساة الإخوان ومساعدتهم عند تعرضهم لمكروه سيؤدي إلى تقوية التواد والتراحم بين الناس كما أنّ الانطواء على القلب السليم وحسن السريرة لا يؤدي إلى تمادي صاحب ذلك القلب على الآخرين بالكلام السيئ كالغيبة والنميمة فلا ينتشر الحقد ولا الضغينة بين الناس.

ولذلك قال عليه السلام: «الْجَمَالُ فِي اللِّسَانِ وَالْكَمَالُ فِي الْعَقْل».(كنز الفوائد:1/200)

وهذا دليل على ضرورة نشر الكلمة الطيبة بالإضافة إلى أهمية حضور العقل الراجح عند حدوث مشكلة مهما كانت صغيرة كي لا تتفاقم تلك المشكلة.

فإنّ حسن المعاشرة متكوّن من مجموعة أمور، وهي أن يكون الإنسان صاحب قلب سليم ويحفظ لسانه وأن يتدبّر فيما أراد أن يقوله، وأن ينصف مع الآخرين في علاقاته سواء الاجتماعية أو غيرها.

    ثالثاً: الحثّ على التوبة

لقد أكّد الإمام الجواد عليه السلام على تحصيل التوبة باعتبار أنّ الإنسان غالباً ما يقع في الأخطاء وأنّه غير بعيد عن الذنوب.. فلابد له أن يكون دائماً في طلب التوبة والغفران، وقد بيّن الإمام عليه السلام طرق التوبة فقال: «التَّوْبَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ دَعَائِمَ: نَدَمٍ بِالْقَلْبِ وَاسْتِغْفَارٍ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٍ بِالْجَوَارِحِ وَعَزْمٍ أَنْ لاَ يَعُود».(بحار الأنوار:75/81)

كما أنّه عليه السلام حذّر من التسويف وطول الأمل قائلاً: «تَأْخِيرُ التَّوْبَةِ اغْتِرَارٌ، وَطُولُ التَّسْوِيفِ حَيْرَةٌ، وَالإعْتِلاَلُ عَلَى اللهِ هَلَكَةٌ، وَالإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ أَمْنٌ لِمَكْرِ اللهِ {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُون}(الأعراف:97)».(تحف العقول:456)

إذا أذنب الإنسان فعليه أن يتوب وقد أسس الإمام الجواد عليه السلام دعائم وقواعد للتوبة.

أن يكون الإنسان قد ندم من فعله الخاطئ وذنبه الذي ارتكبه، فعليه أن يندم من قلبه ويكون منكسراً ومتضرعاً وذليلاً أمام الله تعالى، وأن يبدأ بالاستغفار بلسانه ويكون على دوام الاستغفار في أوقات النهار والليل.

فالاستغفار بحدّ ذاته لا يكفي بل عليه أن يعمل بجوارحه خيراً وأن يحسن فيما بينه وبين ربّه، وأن لا يعود إلى الذنب ثانيةً؛ فإنّه قد تاب توبة نصوحاً.

وقد حذّر الإمام الجواد عليه السلام من التسويف بالتوبة، وبيّن أنّ تأخير التوبة اغترار، وأنّ الإنسان إذا لم يتب بعد الذنب سريعاً فإنه مغتر، فتأخير التوبة فيها عواقب دنيوية وأخروية، فإنها تحدٍّ أمام الله تعالى.

فإذا لم يتب الإنسان من ذنبه فقد يكون أطال وسوّف في الرجوع إلى الله تعالى فيكون في حيرة دائمة، وهذا يؤدي إلى التجرؤ على الله تعالى والاعتلال مما يؤدي على الهلكة والخسران المبين.

فعدم التوبة يقابله الإصرار على الذنب، وهذا يعني أنّ الإنسان يأمن مكر الله، وأنّه قد يتجرأ أن يتحدى رب العباد وخالق الكون وما فيه.

    رابعاً: الصبر على المصائب وتجنّب الظلم

فقد روي عن الإمام الجواد عليه السلام أنّه قال: «يَوْمُ الْعَدْلِ عَلَى الظَّالِمِ أَشَدُّ مِنْ يَوْمِ الْجَوْرِ عَلَى الْمَظْلُوم».(كشف الغمة:2/348)

فالإمام عليه السلام يؤكّد على أنّ الظالم لابد أن يأتي عليه يوم لا مفر منه فيحاسب فيه حساباً عسيراً من قبل الله تعالى ويكون ذلك اليوم شديداً قاسياً لا تعادل شدته ذلك اليوم الذي تم فيه ظلم الناس وعليه فلابد أن ينتبه الإنسان إلى تعامله مع الآخرين لئلا يظلم أحداً فيكون خصيماً له عند الله عزّ وجل الذي هو أعدل العادلين وأحكم الحاكمين.

كما يوصينا الإمام الجواد عليه السلام بالصبر على المحن والبلاء فإنّ في ذلك صورة من صور محاربة الظالمين إذ إنّ المؤمن المبتلى يمكن أن يقاوم بصبره وعزيمته كل ما يبدر في حقه من الجور.

    خامساً: كف الأذى

قال الإمام الجواد عليه السلام: «حَسْبُ الْمَرْءِ مِنْ كَمَالِ الْمُرُوءَة أَنْ لا يُلْقِي أَحَداً بِمَا يَكْرَهُ، وَمِنْ عَقْلِهِ حُسْنُ رِفْقِه‏، وَمِنْ حُسْنِ خُلُقِهِ كَفُّهُ أَذَاهُ، وَمِنْ سَخَائِهِ بِرُّهُ بِمَنْ يَجِبُ حَقُّهُ عَلَيْه‏، وَمِنْ كَرَمِهِ إِيثَارُهُ عَلَى نَفْسِه‏».(كشف الغمة:2/347)

فقد أكّد الإمام الجواد عليه السلام على أنّ الإنسان إذا ما أراد أن يعيش بسلام بعيداً عن المنغصات فعليه أن يعامل الآخرين بنفس الأسلوب الذي يحب أن يعاملوه به، فلو كان يكره منهم أن يذكروه بسوء فلزاماً عليه عدم اغتياب أحد.

كما أنّ كف الأذى هو مصداق لحسن الخلق وأنّ الأذى قد يأتي من اللسان فعلى الإنسان أن يحافظ على ألفاظه وتصرفاته ويحاسب نفسه دائماً إذا أخطأ بحق أحد وأن يكون كريم الخلق رفيع الأدب سخياً مع من يحب سواء كان من أرحامه أو غريباً عنه.

وأمّا الإيثار فهو عنوان للكرام والجود فيقدمون ما لديهم عند احتياج الناس لهم فقد قال فيهم عزّ وجل: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.(الحشر:9)

فإنّ الإمام الجواد عليه السلام لم يدخر جهداً لنشر الدين المحمدي الأصيل وتصديه للشبهات والانحرافات ومحاربة كل ما يشوه رسالة جدّه المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتي ظهرت في عصره فكان له باعٌ طويلٌ في الفقه والعقائد والتفسير والأخلاق، وسعى جاهداً لتربية جيل يتحمل أعباء الحركة الفكرية والثقافية للأئمة عليهم السلام وهو جيل يُفتخر به كلما ذُكرت سيرة الإمام الجواد عليه السلام.

 

شاهد أيضاً

The Warith Magazine Issue 6

– by: The Department of Islamic Studies and Research of The Holy Shrine of Imam …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *