البحث في فهارس المكتبة:

يوم الظهور

مجلة الوارث 88
يوم الظهور

*الشيخ نعيم قاسم

إنّ ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف خفي في توقيته كخفاء يوم القيامة، وسرعة ظهوره ومفاجأته للناس كسرعة حدوث يوم القيامة.

فقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك؟ فأجاب صلى الله عليه وآله: «مثله مثل الساعة التي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة».(عيون أخبار الرضا عليه السلام:2/266)

على المؤمن أن يستعد للظهور كما يستعد ليوم القيامة، بأن لا يتهاون، ولا يقيس زمن الظهور بما يراه من أحداث، ولا يستبعد تسارع الأحداث بشكل كبير بحيث لا تترك له مجالاً للتفكير والاختيار.

فإنّ التسويف وإضاعة الوقت، وطول الأمل بوجود وقت متاح للتصميم والعزم، وعدم الاهتمام بتهيئة النفس للالتحاق بجنده عليه السلام، يُعتبر مهلكة وخسارة عظيمة للإنسان لا يمكن تعويضها.

وقد حذّرنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من ذلك بقوله: « إِنَّمَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَيْنِ: اتِّبَاعَ الْهَوَى وَ طُولَ الْأَمَلِ أَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَإِنَّهُ يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَ أَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَةَ».(الكافي:2/336)

ولا تنظر – رحمك الله – إلى طول زمان الغيبة الكبرى، وما مرّ على من كان قبلنا، فقد أخبرتنا الروايات بأنّ الظهور مرتبط بمجموعة مؤشّرات وعلامات لابدّ من تحققها قبله، وهي عامة لا نستطيع ملاحقتها بالتفصيل، وما كان منها خاصاً فإنّه يحصل بسرعة فائقة، كما جاء في الرواية آنفة الذكر «لا تأتيكم إلا بغتة».

فإذا كان الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف قد أوصى سفيره الرابع والأخير علي بن محمد السمري رضوان الله تعالى عليه بالاستعداد وهو المتوفى عام 329هـ، أي مع بداية الغيبة الكبرى، فكيف بنا نحن الذين وصلنا إلى سنة 1437هـ وفي زمان تتسارع فيه الأحداث حتى نكاد نشعر بقرب الظهور!

وممّا كتبه إمامنا المهدي عليه السلام لسفيره الرابع قوله: «بسم الله الرحمن الرحيم: يَا عَلِيَّ ابْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيَّ أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَاجْمَعْ أَمْرَكَ، وَلاَ تُوصِ إِلَى أَحَدٍ يَقُومُ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَيْبَةُ الثَّانِيَةُ فَلاَ ظُهُورَ إِلاَّ بَعْدَ إِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الأَمَدِ، وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ، وَامْتِلاَءِ الأَرْضِ جَوْرا».(كمال الدين وتمام النعمة:2/516)

واعلم أنّ الغيبة الكبرى متلازمة مع اطّلاع الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف على مجريات الأحداث، فهو حاضر لا نراه؛ ومنتظر للظهور في اللحظة المناسبة، ويعيش قضايانا المختلفة، ويعلم تماماً بأحوالنا، ويعرف أفراد جنده تماماً، وكذلك الكافرين والمعاندين له.

فيجب أن نميّز في عملنا بين حضوره المباشر وغيابه عنّا، فنحن نؤمن بالإسلام، ما يستلزم الطاعة لله عزّ وجل، وهذا مسارُ يتوجّه الإمام الثاني عشر في آخر الزمان عدالة عالمية للإنسانية، لكننا مسؤولون قبلها وأثناءها وبعدها.

في كتاب وصل إلى الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في سنة 410هـ من الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ورد التأكيد على محبة الإمام والتقرب منه بالعمل الصالح، وانتظار الظهور بغتة حيث لا ينفع معه توبة بعد ذلك، بسبب تفويت كل الفرص المؤاتية في الوقت المناسب للطاعة والاستقامة.

مما جاء في الكتاب: «نَحْنُ وَإِنْ كُنَّا نَائِينَ بِمَكَانِنَا النَّائِي عَنْ مَسَاكِنِ الظَّالِمِينَ حَسَبَ الَّذِي أَرَانَاهُ اللهُ تَعَالَى لَنَا مِنَ الصَّلاَحِ، وَلِشِيعَتِنَا الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ مَا دَامَتْ دَوْلَةُ الدُّنْيَا لِلْفَاسِقِينَ، فَإِنَّا نُحِيطُ عِلْماً بِأَنْبَائِكُمْ وَلاَ يَعْزُبُ عَنَّا شَيْءٌ مِنْ أَخْبَارِكُمْ، وَمَعْرِفَتُنَا بِالذُّلِّ الَّذِي أَصَابَكُمْ مُذْ جَنَحَ كَثِيرٌ مِنْكُمْ إِلَى مَا كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ عَنْهُ شَاسِعاً، وَنَبَذُوا الْعَهْدَ الْمَأْخُوذَ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ، إِنَّا غَيْرُ مُهْمِلِينَ لِمُرَاعَاتِكُمْ، وَلاَ نَاسِينَ لِذِكْرِكُمْ، وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَنَزَلَ بِكُمُ اللَّأْوَاءُ، – الشدّة وضيق المعيشة – وَاصْطَلَمَكُمُ الأَعْدَاءُ، فَاتَّقُوا اللهَ جَلَّ جَلاَلُهُ، وَظَاهِرُونَا عَلَى انْتِيَاشِكُمْ – انقاذكم من الهلكة – مِنْ فِتْنَةٍ قَدْ أَنَافَتْ عَلَيْكُمْ – طالت عليكم – يَهْلِكُ فِيهَا مَنْ حُمَّ أَجَلُهُ – قرب أجله – وَيُحْمَى عَنْهَا مَنْ أَدْرَكَ أَمَلَهُ، وَهِيَ أَمَارَةٌ لأُزُوفِ حَرَكَتِنَا – إقتراب حركتنا – وَمُبَاثَّتِكُمْ بِأَمْرِنَا وَنَهْيِنَا وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ… وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ اعْتَصِمُوا بِالتَّقِيَّةِ مِنْ شَبِّ نَارِ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَشِّشُهَا – أوقدها وأشعلها – عَصَبٌ أُمَوِيَّةٌ يَهُولُ بِهَا فِرْقَةً مَهْدِيَّةً، أَنَا زَعِيمٌ بِنَجَاةِ مَنْ لَمْ يَرُمْ فِيهَا الْمَوَاطِنَ، وَسَلَكَ فِي الطَّعْنِ مِنْهَا السُّبُلَ الْمَرْضِيَّةَ، إِذَا حَلَّ جُمَادَى الأُولَى مِنْ سَنَتِكُمْ هَذِهِ، فَاعْتَبِرُوا بِمَا يَحْدُثُ فِيهِ وَاسْتَيْقِظُوا مِنْ رَقْدَتِكُمْ لِمَا يَكُونُ فِي الَّذِي يَلِيهِ، سَتَظْهَرُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةٌ جَلِيَّةٌ – وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلُهَا بِالسَّوِيَّةِ، وَيَحْدُثُ فِي أَرْضِ الْمَشْرِقِ مَا يَحْزُنُ وَيُقْلِقُ، وَيَغْلِبُ مِنْ بَعْدُ عَلَى الْعِرَاقِ طَوَائِفُ عَنِ الإِسْلَامِ، مُرَّاقٌ تَضِيقُ بِسُوءِ فِعَالِهِمْ عَلَى أَهْلِهِ الأَرْزَاقُ، ثُمَّ تَنْفَرِجُ الْغُمَّةُ مِنْ بَعْدُ بِبَوَارِ طَاغُوتٍ مِنَ الأَشْرَارِ، ثُمَّ يستر [يُسَرُّ] بِهَلاَكِهِ الْمُتَّقُونَ الأَخْيَارُ، وَيَتَّفِقُ لِمُرِيدِي الْحَجِّ مِنَ الآفَاقِ مَا يُؤَمِّلُونَهُ مِنْهُ عَلَى تَوْفِيرٍ عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَاتِّفَاقٍ وَلَنَا فِي تَيْسِيرِ حَجِّهِمْ عَلَى الاخْتِيَارِ مِنْهُمْ، وَالْوِفَاقِ شَأْنٌ يَظْهَرُ عَلَى نِظَامٍ وَاتِّسَاقٍ، فَلْيَعْمَلْ كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ بِمَا يَقْرُبُ بِهِ مِنْ مَحَبَّتِنَا، وَيَتَجَنَّبُ مَا يُدْنِيهِ مِنْ كَرَاهَتِنَا وَسَخَطِنَا، فَإِنَّ أَمْرَنَا بَغْتَةٌ فُجَاءَةٌ حِينَ لاَ تَنْفَعُهُ تَوْبَةٌ، وَلاَ يُنْجِيهِ مِنْ عِقَابِنَا نَدَمٌ عَلَى حَوْبَةٍ، وَاللهُ يُلْهِمُكُمُ الرُّشْدَ، وَيَلْطُفُ لَكُمْ فِي التَّوْفِيقِ بِرَحْمَتِه».(الاحتجاج:2/498)

كلّ شيء في فترة الظهور سريعٌ ومنسجم مع الفجأة التي ذكرتها الروايات، كلّ العلامات المباشرة تحصل في فترة زمنية قياسية، كلّ الجبروت والطغيان الذي نراه على امتداد المعمورة سينهار بسرعة كبيرة؛ وعلى الرغم من تواتر الروايات عن راية الضلال للسفياني وما يفعله من مآسٍ في الأمة، فإنّها تؤكد على سرعة زوال ملكه الذي لا يتجاوز الخمسة عشر شهراً بين خروجه ومقتله وانهياره، فعن ابي عبد الله عليه السلام قال: «السُّفْيَانِيُّ مِنَ الْمَحْتُومِ، وَخُرُوجُهُ فِي رَجَبٍ، وَمِنْ أَوَّلِ خُرُوجِهِ إِلَى آخِرِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ شَهْراً، سِتَّةُ أَشْهُرٍ يُقَاتِلُ فِيهَا، فَإِذَا مَلَكَ الْكُوَرَ الْخَمْسَ، مَلَكَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا يَوْماً».(غيبة النعمان:300)

ألا تلاحظون تسارع الأحداث؟ فقد قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: «اعْمَلْ لِدُنْيَاكَ كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبَداً، وَاعْمَلْ لآِخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَمُوتُ غَدا».(من لا يحضره الفقيه:3/156)

 

شاهد أيضاً

صدر العدد الجديد من نشرة اضاءات فكرية

#نشرة_اضاءات_فكرية العدد الرابع لتحميل العدد اضغط على الرابط التالي: https://online.fliphtml5.com/fsffe/zzry/#p=1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *