البحث في فهارس المكتبة:

الصديقة الطاهرة عليها السلام وبدأ خلقها

الصديقة الطاهرة عليها السلام وبدأ خلقها*بقلم: الشيخ محمد الأنباري

عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خُلِقَ نُورُ فَاطِمَةَ عليها السلام قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يَا نَبِيَّ اللهِ فَلَيْسَتْ هِيَ إِنْسِيَّةً؟ فَقَالَ صلى الله عليه وآله: فَاطِمَةُ حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ.

قَالَوا: يَا نَبِيَّ اللهِ وَكَيْفَ هِيَ حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ؟ قَالَ صلى الله عليه وآله: خَلَقَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ نُورِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ إِذْ كَانَتِ الأَرْوَاحُ فَلَمَّا خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عُرِضَتْ عَلَى آدَمَ.

قِيلَ يَا نَبِيَّ اللهِ وَأَيْنَ كَانَتْ فَاطِمَةُ؟ قَالَ: كَانَتْ فِي حُقَّةٍ تَحْتَ سَاقِ الْعَرْشِ.

قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ فَمَا كَانَ طَعَامُهَا؟ قَالَ: التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّحْمِيدُ، فَلَمَّا خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ وَأَخْرَجَنِي مِنْ صُلْبِهِ أَحَبَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ صُلْبِي جَعَلَهَا تُفَّاحَةً فِي الْجَنَّةِ وَأَتَانِي بِهَا جَبْرَئِيلُ عليه السلام فَقَالَ لِي: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ يَا مُحَمَّدُ قُلْتُ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهُ حَبِيبِي جَبْرَئِيلُ.

فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، قُلْتُ: مِنْهُ السَّلاَمُ وَإِلَيْهِ يَعُودُ السَّلاَمُ.

قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذِهِ تُفَّاحَةٌ أَهْدَاهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْكَ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَخَذْتُهَا وَضَمَمْتُهَا إِلَى صَدْرِي.

قَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَقُولُ اللهُ جَلَّ جَلاَلُهُ كُلْهَا، فَفَلَقْتُهَا فَرَأَيْتُ نُوراً سَاطِعاً فَفَزِعْتُ مِنْهُ.

فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَا لَكَ لا تَأْكُلُ؟ كُلْهَا وَلاَ تَخَفْ فَإِنَّ ذَلِكَ النُّورَ الْمَنْصُورَةُ فِي السَّمَاءِ وَهِيَ فِي الأَرْضِ فَاطِمَةُ، قُلْتُ: حَبِيبِي جَبْرَئِيلُ وَلِمَ سُمِّيَتْ فِي السَّمَاءِ الْمَنْصُورَةَ وَ فِي الأَرْضِ فَاطِمَةَ؟

قَالَ: سُمِّيَتْ فِي الأَرْضِ فَاطِمَةَ لأَنَّهَا فَطَمَتْ شِيعَتَهَا مِنَ النَّارِ وَفُطِمَ أَعْدَاؤُهَا عَنْ حُبِّهَا وَهِيَ فِي السَّمَاءِ الْمَنْصُورَةُ وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ} يَعْنِي نَصْرَ فَاطِمَةَ لِمُحِبِّيهَا».(معاني الأخبار:٣٩٦-٣٩٧)

كما نعلم أنّ لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين طبقات في كل عالم من العوالم.

فالبشر العادي مرّ بعوالم عديدة كعالم (الميثاق) وهو عالم الذر، ثم عالم (الأصلاب والأرحام).

فكان تارة ذرّة وتارة نطفة وتارة علقة، ثم مضغة، ثم خلق الله المضغة عظاماً ثم كسى تلك العظام لحماً.

فقد تحولنا من العدم إلى الذرة من التراب ثم إلى نطفة ثم أخرجنا الله من بطون أمهاتنا فتبارك الله أحسن الخالقين.

وها نحن بقدرة الله في كل سنة تتغير أشكالنا وملامحنا ولون شعرنا وتركيبة أجسامنا وكل الخلايا في أبداننا، هذا كله لنا وبحسبنا.

أما الأمر بالنسبة لأهل البيت عليهم السلام مختلف تماماً فالقضية لهم أوسع وأكبر وأعظم، وكذلك شيء لا يتحمل عقول البشر.

فقد اختارهم الله على علم بامتيازاتهم العالية التي تفوق حتى التصورات والخيالات والأوهام.

وعلى سبيل المثال الصديقة الزهراء عليها السلام نحن نقرأ في زيارتها: «امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة».

فأهل البيت عليهم السلام امتحاناتهم كانت قبل أن يخلقهم الله فوجدهم الله تعالى لما امتحنهم صابرين، ومعنى عبارة (صابرين) تفوق معنى الصبر كما نعرفه.

فكانت حكمة الله تعالى أن يجعل أول خلقه محمداً وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

والروايات متواترة في هذا الخصوص حيث خلقهم الله قبل أن يخلق الخلق بأربعة عشر ألف عام ليس بحساب أعوامنا بل أعظم وأكبر.

فعَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عليه السلام: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نُوراً قَبْلَ خَلْقِ الْخَلْقِ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ عَامٍ فَهِيَ أَرْوَاحُنَا»، فَقِيلَ لَهُ: يَابْنَ رَسُولِ اللهِ وَمَنِ الأَرْبَعَةَ عَشَرَ فَقَالَ: «مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَالأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ آخِرُهُمُ الْقَائِمُ الَّذِي يَقُومُ بَعْدَ غَيْبَتِهِ فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ وَيُطَهِّرُ الأَرْضَ مِنْ كُلِّ جَوْرٍ وَظُلْمٍ».(كمال الدين وتمام النعمة:٢/٣٣٦ )

عن سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن جده، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه قال: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ نُورَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله قَبْلَ أَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَالْعَرْشَ وَالْكُرْسِيَّ وَاللَّوْحَ وَالْقَلَمَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَقَبْلَ أَنْ خَلَقَ آدَمَ وَنُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَكُلَّ مَنْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِ {وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى‏ وَعيسى‏ وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحينَ * وَإِسْماعيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمينَ * وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقيمٍ}، وَقَبْلَ أَنْ خَلَقَ الأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَخَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَهُ اثْنَيْ عَشَرَ حِجَاباً (حِجَابَ الْقُدْرَةِ) وَ(حِجَابَ الْعَظَمَةِ) وَ(حِجَابَ الْمِنَّةِ) وَ(حِجَابَ الرَّحْمَةِ) وَ(حِجَابَ السَّعَادَةِ) وَ(حِجَابَ الْكَرَامَةِ) وَ(حِجَابَ الْمَنْزِلَةِ) وَ(حِجَابَ الْهِدَايَةِ) وَ(حِجَابَ النُّبُوَّةِ) وَ(حِجَابَ الرِّفْعَةِ) وَ(حِجَابَ الْهَيْبَةِ) وَ(حِجَابَ الشَّفَاعَةِ)؛ ثُمَّ حَبَسَ نُورَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله فِي حِجَابِ الْقُدْرَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ وَهُوَ يَقُولُ (سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى) وَفِي حِجَابِ الْعَظَمَةِ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ وَهُوَ يَقُولُ (سُبْحَانَ عَالِمِ السِّرِّ) وَفِي حِجَابِ الْمِنَّةِ عَشْرَةَ آلافِ سَنَةٍ وَهُوَ يَقُولُ (سُبْحَانَ مَنْ هُوَ قَائِمٌ لاَ يَلْهُو) وَفِي حِجَابِ الرَّحْمَةِ تِسْعَةَ آلافِ سَنَةٍ وَهُوَ يَقُولُ (سُبْحَانَ الرَّفِيعِ الأَعْلَى) وَفِي حِجَابِ السَّعَادَةِ ثَمَانِيَةَ آلافِ سَنَةٍ وَهُوَ يَقُولُ (سُبْحَانَ مَنْ هُوَ قَائِمٌ لاَ يَسْهُو) وَفِي حِجَابِ الْكَرَامَةِ سَبْعَةَ آلافِ سَنَةٍ وَهُوَ يَقُولُ (سُبْحَانَ مَنْ هُوَ غَنِيٌّ لاَ يَفْتَقِرُ) وَفِي حِجَابِ الْمَنْزِلَةِ سِتَّةَ آلافِ سَنَةٍ وَهُوَ يَقُولُ (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَلِيِّ الْكَرِيمِ) وَفِي حِجَابِ الْهِدَايَةِ خَمْسَةَ آلافِ سَنَةٍ وَهُوَ يَقُولُ (سُبْحَانَ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وَفِي حِجَابِ النُّبُوَّةِ أَرْبَعَةَ آلافِ سَنَةٍ وَهُوَ يَقُولُ (سُبْحَانَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) وَفِي حِجَابِ الرِّفْعَةِ ثَلاَثَةَ آلافِ سَنَةٍ وَهُوَ يَقُولُ (سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ) وَفِي حِجَابِ الْهَيْبَةِ أَلْفَيْ سَنَةٍ وَهُوَ يَقُولُ (سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ) وَفِي حِجَابِ الشَّفَاعَةِ أَلْفَ سَنَةٍ وَهُوَ يَقُولُ (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ)؛ ثُمَّ أَظْهَرَ عَزَّ وَجَلَّ اسْمَهُ عَلَى اللَّوْحِ وَكَانَ عَلَى اللَّوْحِ مُنَوَّراً أَرْبَعَةَ آلافِ سَنَةٍ ثُمَّ أَظْهَرَهُ عَلَى الْعَرْشِ فَكَانَ عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ مُثْبَتاً سَبْعَةَ آلافِ سَنَةٍ إِلَى أَنْ وَضَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي صُلْبِ آدَمَ ثُمَّ نَقَلَهُ مِنْ صُلْبِ آدَمَ إِلَى صُلْبِ نُوحٍ ثُمَّ جَعَلَ يُخْرِجُهُ مِنْ صُلْبٍ إِلَى صُلْبٍ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ صُلْبِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَكْرَمَهُ بِسِتِّ كَرَامَاتٍ أَلْبَسَهُ (قَمِيصَ الرِّضَا) وَرَدَّاهُ (رِدَاءَ الْهَيْبَةِ) وَتَوَّجَهُ (تَاجَ الْهِدَايَةِ) وَأَلْبَسَهُ (سَرَاوِيلَ الْمَعْرِفَةِ) وَجَعَلَ تِكَّتَهُ (تِكَّةَ الْمَحَبَّةِ يَشُدُّ بِهَا سَرَاوِيلَهُ) وَجَعَلَ نَعْلَهُ (الْخَوْفَ) وَنَاوَلَهُ (عَصَا الْمَنْزِلَةِ)؛ ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ اذْهَبْ إِلَى النَّاسِ فَقُلْ لَهُمْ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ؛ وَكَانَ أَصْلُ ذَلِكَ الْقَمِيصِ فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ قَامَتُهُ مِنَ الْيَاقُوتِ وَكُمَّاهُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَدِخْرِيصُهُ مِنَ الْبِلَّوْرِ الأَصْفَرِ وَإِبْطَاهُ مِنَ الزَّبَرْجَدِ وَجُرُبَّانُهُ مِنَ الْمَرْجَانِ الأَحْمَرِ وَجَيْبُهُ مِنْ نُورِ الرَّبِّ جَلَّ جَلاَلُهُ فَقَبِلَ اللهُ تَوْبَةَ آدَمَ عليه السلام بِذَلِكَ الْقَمِيصِ وَرَدَّ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ بِهِ وَرَدَّ يُوسُفَ إِلَى يَعْقُوبَ بِهِ وَنَجَّى يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ بِهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام نَجَّاهُمْ مِنَ الْمِحَنِ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَمِيصُ إِلاَّ قَمِيصَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله.(الخصال:٢/٤٨٣)

وعن سلمان المحمدي رضوان الله تعالى عليه في حديث طويل قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: «يا سلمان فهل علمت من نقبائي ومن الاثنا عشر الذين اختارهم الله للإمامة بعدي؟»، فقلت: الله ورسوله أعلم، قال: «يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره ودعاني فأطعت، وخلق من نوري علياً فدعاه فأطاعه، وخلق من نوري ونور علي فاطمة فدعاها فأطاعته، وخلق مني ومن علي وفاطمة الحسن والحسين فدعاهما فأطاعاه، فسمانا بالخمسة الأسماء من أسمائه: الله المحمود وأنا محمد، والله العلي وهذا علي، والله الفاطر وهذه فاطمة، والله ذو الإحسان وهذا الحسن، والله المحسن وهذا الحسين، ثم خلق منا من صلب الحسين تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق الله سماءً مبنية، وأرضاً مدحية، أو هواءً أو ماءً أو ملكاً أو بشراً، وكنا بعلمه نوراً نسبحه ونسمع ونطيع».(بحار الأنوار:١٥/٩)

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «…إِنَّ اللهَ خَلَقَنِي وَخَلَقَ عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللهُ آدَمَ حِينَ لاَ سَمَاءٌ مَبْنِيَّةٌ وَلاَ أَرْضٌ مَدْحِيَّةٌ وَلاَ ظُلْمَةٌ وَلاَ نُورٌ وَلاَ شَمْسٌ وَلاَ قَمَرٌ وَلاَ جَنَّةٌ وَلاَ نَارٌ»، فَقَالَ الْعَبَّاسُ عم النبي صلى الله عليه وآله: فَكَيْفَ كَانَ بَدْأُ خَلْقِكُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «يَا عَمِّ لَمَّا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَخْلُقَنَا تَكَلَّمَ كَلِمَةً خَلَقَ مِنْهَا نُوراً ثُمَّ تَكَلَّمَ كَلِمَةً أُخْرَى فَخَلَقَ مِنْهَا رُوحاً ثُمَّ مَزَجَ النُّورَ بِالرُّوحِ فَخَلَقَنِي وَخَلَقَ عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَكُنَّا نُسَبِّحُهُ حِينَ لاَ تَسْبِيحَ وَنُقَدِّسُهُ حِينَ لاَ تَقْدِيسَ فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُنْشِئَ الصَّنْعَةَ فَتَقَ نُورِي فَخَلَقَ مِنْهُ الْعَرْشَ فَالْعَرْشُ مِنْ نُورِي وَنُورِي مِنْ نُورِ اللهِ وَنُورِي أَفْضَلُ مِنَ الْعَرْشِ، ثُمَّ فَتَقَ نُورَ أَخِي عَلِيٍّ فَخَلَقَ مِنْهُ الْمَلاَئِكَةَ فَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ نُورِ عَلِيٍّ وَنُورُ عَلِيٍّ مِنْ نُورِ اللهِ وَعَلِيٌّ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، ثُمَّ فَتَقَ نُورَ ابْنَتِي فَاطِمَةَ فَخَلَقَ مِنْهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فَالسَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ مِنْ نُورِ ابْنَتِي فَاطِمَةَ وَنُورُ ابْنَتِي فَاطِمَةَ مِنْ نُورِ اللهِ وَابْنَتِي فَاطِمَةُ أَفْضَلُ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، ثُمَّ فَتَقَ نُورَ وَلَدِي الْحَسَنِ وَخَلَقَ مِنْهُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ فَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مِنْ نُورِ وَلَدِيَ الْحَسَنِ وَنُورُ الْحَسَنِ مِنْ نُورِ اللهِ وَالْحَسَنُ أَفْضَلُ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، ثُمَّ فَتَقَ نُورَ وَلَدِيَ الْحُسَيْنِ فَخَلَقَ مِنْهُ الْجَنَّةَ وَالْحُورَ الْعِينَ فَالْجَنَّةُ وَالْحُورُ الْعِينُ مِنْ نُورِ وَلَدِيَ الْحُسَيْنِ وَنُورُ وَلَدِيَ الْحُسَيْنِ مِنْ نُورِ اللهِ وَوَلَدِيَ الْحُسَيْنُ أَفْضَلُ مِنَ الْجَنَّةِ وَالْحُورِ الْعِينِ ثُمَّ أَمَرَ اللهُ الظُّلُمَاتِ أَنْ تَمُرَّ عَلَى سَحَائِبِ الْقَطْرِ فَأَظْلَمَتِ السَّمَاوَاتُ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَضَجَّتِ الْمَلاَئِكَةُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ وَقَالَتْ إِلَهَنَا وَسَيِّدَنَا مُنْذُ خَلَقْتَنَا وَعَرَّفْتَنَا هَذِهِ الأَشْبَاحَ لَمْ نَرَ بُؤْساً فَبِحَقِّ هَذِهِ الأَشْبَاحِ إِلاَّ مَا كَشَفْتَ عَنَّا هَذِهِ الظُّلْمَةَ فَأَخْرَجَ اللهُ مِنْ نُورِ ابْنَتِي فَاطِمَةَ قَنَادِيلَ فَعَلَّقَهَا فِي بُطْنَانِ الْعَرْشِ فَأَزْهَرَتْ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ثُمَّ أَشْرَقَتْ بِنُورِهَا فَلأَجْلِ ذَلِكَ سُمِّيَتْ الزَّهْرَاءَ فَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ: إِلَهَنَا وَسَيِّدَنَا لِمَنْ هَذَا النُّورُ الزَّاهِرُ الَّذِي قَدْ أَشْرَقَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ؟ فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهَا هَذَا نُورٌ اخْتَرَعْتُهُ مِنْ نُورِ جَلاَلِي لأَمَتِي فَاطِمَةَ ابْنَةِ حَبِيبِي وَزَوْجَةِ وَلِيِّي وَأَخِي نَبِيِّي وَأَبِي حُجَجِي عَلَى عِبَادِي أُشْهِدُكُمْ مَلاَئِكَتِي أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ ثَوَابَ تَسْبِيحِكُمْ وَتَقْدِيسكُمْ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ وَشِيعَتِهَا وَمُحِبِّيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ الْعَبَّاسُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله ذَلِكَ وَثَبَ قَائِماً وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْ عَلِيٍّ عليه السلام وَقَالَ: وَاللهِ يَا عَلِيُّ أَنْتَ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ لِمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ.(تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة:١٤٥. بحار الأنوار:١٥/١١)

كذلك نقرأ في الزيارة الجامعة نخاطب أهل البيت محمد وآل محمد عليهم السلام والذين مركزهم ومحورهم الصديقة الكبرى فاطمة عليها السلام: «…خَلَقَكُمُ اللهُ أَنْوَاراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقِين…‏».(من لا يحضره الفقيه:٢/٦١٣)

فالزهراء عليها السلام في طبقاتها العليا هي من الأسماء الحسنى كما قال ولدها الإمام جعفر ابن محمد الصادق عليه السلام: «نَحْنُ وَاللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى الَّتِي لاَ يَقْبَلُ اللهُ مِنَ الْعِبَادِ عَمَلاً إِلاَّ بِمَعْرِفَتِنَا».(الكافي:١/ ١٤٤)

الصديقة الطاهرة عليها السلام وبدأ خلقهاوفي طبقة من طبقات وجودها النوري أنها محيطة بالعرش.

فهناك روايات تشير إلى طبقاتها النورية من جهات عدّة وروايات تشير إلى طبقاتها العلوية العالية، فخلقها الله عزّ وجل من نوره قبل أن يخلق آدم، وهي من طبقتها النورية.

وأشارت الرواية إلى أنها كانت في حقة.

فالرواية وهم أعلم صلوات الله عليهم تشير إلى طينتها في طبقتها الأرضية كانت وعاء تحت ساق العرش، والحقة: بمعنى وعاء في اللغة.

ولكن المعصوم عليه السلام ذكر حقّة أو وعاء ليقرب لنا المعنى والوصف لأنّ في العرش وفي بعض الأخبار أن التفاحة نزلت من الجنة ولا تعارض فإنّ طينتهم من الجنة ثم جعلت تحت العرش.

فالمعاني تقريبية فهناك الأشياء لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطرت على قلب بشر فالمعصوم عليه السلام يشبه ذلك الأمر بالحقّة لكي يقرب لنا صورة المعنى.

وأمّا ما تحدثت به الرواية أن الزهراء خرجت من صلب النبي صلى الله عليه وآله لا من صلب آدم فالنبي صلى الله عليه وآله يريد الإشارة إلى أنّ أهل البيت عليهم السلام عندما يقال أن طبقتهم الأرضية النازلة في صلب آدم لا أنّهم والعياذ بالله يخرجون من موضع البول من نبي إلى نبي حاشا.

بل القرآن يصفه بقوله: {…وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِين‏}.[الشعراء:٢١٨]

فهو ينقلب من نبي إلى آخر لا عن ذلك الموضع إنّما يد القدرة الإلهية ترفع ذلك النور من نبي وإلى آخر.

والفرق بينهم أنّهم انتقلوا من العرش إلى أصلاب الأنبياء يقلبهم الله تعالى من نبي إلى نبي إلاّ الزهراء عليها السلام فقد كانت في حقّة تحت العرش، حتى جعلها الله تعالى في ثمرة الجنة وأخذها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله فأكلها وصارت نطفة في النبي صلى الله عليه وآله.

وأمّا ما ذكرت في الرواية من أنّها نطفة، قد تسميها الروايات نطفة ولكنها ليست كالنطفة التي يعرفها الناس.

وإنّما هي نور من العرش ومن الجنة، أشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة. والروايات الشريفة صرحت أن ما لأولهم لآخرهم.

وفي الثمرة التي أكلها النبي صلى الله عليه وآله وهي التفاحة لا يعمّ جميع التفاح، فالتفاحة التي أهداها الله تعالى للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله هي مختلفة تماماً مع الفاكهة التي نراها بين أيدينا، نعم لا إشكال أنّ للتفاح فوائد ومزايا لا تمتلكها غيرها من الفواكه، لكن التفاحة التي تتحدث عنها الرواية فيها النيزك النوري لبدن فاطمة، فهي تفاحة من الجنة ومن العرش وهي استثنائية إذ لا عين رأت مثلها وخطر على قلب بشر.

فإنها التفاحة الخاصة الملكوتية التي لا علاقة لها بتاتاً بالتفاح الذي بين أيدينا، نعم قد نسمع من بعض الروايات أن فاطمة عطرها التفاح، ونقرأ أيضاً أن ببركات فاطمة وآل فاطمة تخرج الأرض ثمارها ومنها التفاح؛ لكن لا علاقة لتلك التفاحة الملكوتية النورانية الإلهية بالتفاح الذي بين أيدينا ويزرع في الأرض ويأكله البشر، فتفاحة الجنة نور تشير إلى النور وأنتجت نور الأنوار، وأما تفاحنا تتحول إلى فضلات وما إلى ذلك.

ومن الممكن أن الرواية تشير إلى الثمرة، فأشار الإمام عليه السلام بالتفاحة، لتقريب معنى الثمار.

كذلك فزع النبي صلى الله عليه وآله، إنما هو فزع يشير إلى الأمة بعظمة نور فاطمة عليها السلام الذي تجلى في تلك التفاحة؛ إذن فما بالكم بنور فاطمة المتجلي في كل العوالم… وعلى معرفتها دارت القرون الأولى.

وبعبارة أخرى يطبق قول (إياك أعني واسمعي يا جاره)، فالرواية تشير إلى عظمة نور فاطمة عليها السلام، وليس الفزع المذكور هو من الخوف أو ما يعرفه الإنسان من الفزع، إذ هذا بعيد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.

شاهد أيضاً

قسم الشؤون الفكرية يستعد لتنظيم المؤتمر العلمي السابع لحملة الشهادات العليا في كربلاء

استقبل سماحة الشيخ رائد الحيدري (دام توفيقه) مسؤول قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *