البحث في فهارس المكتبة:

من أسرار مناجاة التائبين

مجلة الوارث - العدد 98*سيد محمد علي الحلو

مدرسة أهل البيت عليهم السلام فيها علوم جمّة لا تعد ولا تحصى، فمن غير الممكن الإحاطة بعلومهم الغفيرة، فكل معصوم صلوات الله وسلام عليه جاء بما يناسب الظروف المحيطة به في زمانه، وتكفّل أهل البيت عليهم السلام في الحقب الزمنية التي عاصروها بجانب خاص من جوانب الحياة البشرية قد تختلف نوعاً ما عن المعصوم الآخر، مع توحيد الهدف لديهم جميعاً.

إحدى العلوم الخاصة علّمنا الإمام السجاد علي بن الحسين عليهما السلام زين العابدين، وهو الدعاء والمناجاة، وهذه الوسيلة هي لتقريب الإنسان إلى الله تبارك وتعالى أكثر.

ومن هذه المناجاة هي مناجاة التائبين، فالله تبارك وتعالى برحمته جعل للمذنب طريقاً للعودة والتوبة، ولا يقبل توبة المذنب إلا بشروط خاصة، لمّا كانت المناجاة هي إحدى الطرق للتقرب إلى الله تعالى وأنّ التائب يحتاج ما يقربه إلى الخالق عزّ وجل، فجاء عن الإمام زين العابدين عليه السلام الطريق الواضح لذلك.

الكلمات التي جاءت في مناجاة التائبين لكلٍ منها معانٍ ودلالات تشير إلى عظمة الخالق عزّ وجل ورحمته ورضوانه وغفرانه، وأنّه يتوب على العبد بعد الذنب، بعدما قام العبد بمخالفة خالقه واتباع هواه، يقبل الله تبارك وتعالى توبته ويدخله تحت رحمته ورضوانه.

لباس الخطايا وثوب المذلّة

ورد عن الإمام السجاد عليه السلام في مطلع مناجاة التائبين قوله: «إِلَهِي أَلْبَسَتْنِي الْخَطَايَا ثَوْبَ مَذَلَّتِي».

أشار الإمام عليه السلام في بداية المناجاة بالاعتراف لله تعالى، وإقرار العبد بذنوبه وهي حالة تشير إلى فقر الإنسان وفاقته، غناه تعالى وعدم حاجته، والتذلل والانكسار بالاعتراف هو أقرب الوسائل إلى الله تعالى في الإقرار بالعبودية وعظيم الطاعة.

والإمام زين العابدين عليه السلام لا يعني أنّه صاحب الذنوب التي يجب الاعتراف بها، وإنّما أراد عليه السلام أن يتذلل لله تعالى بأشد ما يمكن التذلل والانكسار له، ومعنى ذلك أنّه مهما كانت طاعته لله تعالى فهو في الحقيقة يشير إلى التقصير مع الله تعالى، فإنّ نعمه التي لا تحصى تستحق كلّ طاعة ولم تفِ حيال ما أغدق سبحانه عليه، فضلاً عن كون الإمام عيه السلام ينطلق من درسٍ تربويٍ يوجهه إلى أصحابه وشيعته وأتباعه، وكل من قرأ كتابه هذا وسمعه فإنّه ينتبه إلى أن يكون الإنسان دائماً معترفاً بتقصير ما يقدمه في حرم طاعته تعالى من القلة التي لا تتناسب ونعمه التي لا تُحصى.

المعنى اللغوي

قال في القاموس: الإله: على وزن فعال بمعنى مفعول لأنّه مأولوه أي معبود ككتاب بمعنى مكتوب (الله) قيل أصله إله فحذفت همزته وأدخل عليه الألف واللام فخُص بالباري تعالى ولتخصيصه به قال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}.[مريم:٦٥]

قال الشيخ الكفعمي: واعلم أنّ هذا الاسم وهو (الله) قد امتاز عن غيره من الأسماء بأمور عشرة:

١. إنّه أشهر أسماء الله تعالى.

٢. أعلاها محلاً في القرآن.

٣. أعلاها محلاً في الدعاء.

٤. إنّه جُعل أمام سائر الأسماء.

٥. إنّه خصّ بكلمة الإخلاص.

٦. إنّه وقعت به الشهادة.

٧. إنّه علم على الذات المقدّسة فلا يطلق على غيره حقيقةً ولا مجازاً قال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}، أي هل أحد يسمى الله.

٨. إنّ هذا الاسم الشريف دلّ على الذات المقدّسة الموصوفة بجميع الكمالات وباقي الأسماء لا تدل آحادها ولا على آحاد المعاني كالقادر على القدرة، والعالم على العلم، أو فعل منسوب إلى الذات مثل قوله {الرَّحْمَن} فإنّه اسمٌ للذات مع اعتبار الرّحمة.

٩. إنّه اسم غير صفة بخلاف سائر الأسماء فإنّها تقع صفات.

١٠. إنّ جميع أسمائه الحسنى تتسمى بهذا الاسم ولا يتسنى هو بشيء منها فلا يقال: الله اسم من أسماء الغفور أو الرحيم ولكن يقال: الغفور اسم من أسماء الله تعالى وهنا تضرع إليه تعالى بأنّ ذنوبي غمرتني بكثرتها حتى أشعر أنّ المذلة صارت لي ثوباً يجللني ويغمرني.

التباعد عن الله تعالى

قال عليه السلام: «وَجَلَّلَنِي التَّبَاعُدُ مِنْكَ لِبَاسَ مَسْكَنَتِي».

قيل جللني: جلل الشيء بمعنى غطاه، أي ألبسني كما ورد في دعاء له عليه السلام: «وَجَلَّلَني رِضَاكَ».

والتباعد: خلاف التقارب، وهو عدم الرضا لأنّ التباعد المكاني لا يحصل فيه سبحانه لتنزيهه عن الجسمية.

ولباس المسكنة: أي لباس الذلّة والافتقار، كما ذكرنا سابقاً.

والمستكين: اسم فاعل من استكان إذا أذلّ وخضع.

فالتباعد عن الله تبارك وتعالى بسبب ارتكاب الذنوب كان غطاءً للعبد ولباس الذلة والافتقار تلبّس به.

الجناية تميت القلب

قال عليه السلام: «وَأَمَاتَ قَلْبِي عَظِيمَ جِنَايَتِي».

أثر الذنوب ينعكس على القلب حتى يتركه غير مستقيم منكوساً لا يفقه ولا يعي شيئاً، كما في قوله تعالى: {وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور}.[الحج:٤٦]

حتى لا يكاد يعقل صاحبها، قال تعالى: {…بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِم…‏}.[المطففين:١٤]

والرين الصدأ الذي يعلو الشيء، وصدأ القلوب ما تعلوه من الذنوب حتى تصده عن الذكر والمعرفة بالله تعالى.

فكلما زادت ذنوب العبد كلما انكفأ قلبه على المعصية حتى صار لا يشعر بشيء من المعرفة التي تحول بينه وبين معصية الله تعالى.

وكلما مات قلبه تغطى بلباس الذلة وابتعد عن خالقه ومعبوده.

أمل العبد في قبول توبته

مجلة الوارث - العدد 98قال عليه السلام: «فَأَحْيِهِ بِتَوْبَةٍ مِنْكَ يَا أَمَلِي وَبُغْيَتِي».

إحياء القلب التوبة وهي الاعتراف بالذنب والإقرار بالخطيئة وعدم العود بعد ذلك إلى الذنب.

فإذا أشعر الإنسان قلبه بهذا أحياه الله تعالى بلطفه ورحمته.

والأمل: الرجاء.

والبغية: من ابتغاء الشيء إذا طلبه، وبغيتي: طلبتي وحاجتي لا أطلب سواها.

أشار الإمام علي بن الحسين عليهما السلام إلى أنّ إحياء القلب لا يكون إلاّ بالتوبة، وقد وردت روايات مستفيضة وكثيرة في باب التوبة وكيفيتها وأنّ الله تعالى متى وكيف يغفر الذنب ويقبل توبة العبد منها ما يلي:

طريقة التوبة

عن الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: الْعَبْدُ يُصِيبُ الذَّنْبَ فَيَسْتَغْفِرُ اللهَ فَقَالَ عليه السلام: «يَابْنَ زِيَادٍ التَّوْبَةَ»، قُلْتُ: لَيْسَ، قَالَ: «لاَ» قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَصَابَ ذَنْباً قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللهَ بِالتَّحْرِيكِ»، قُلْتُ: «وَمَا التَّحْرِيكُ» قَالَ: «الشَّفَتَانِ وَاللِّسَانُ يُرِيدُ أَنْ يَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْحَقِيقَةِ»، قُلْتُ: وَمَا الْحَقِيقَةُ؟ قَالَ: «تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَإِضْمَارُ أَنْ لاَ يَعُودَ إِلَى الذَّنْبِ الَّذِي اسْتَغْفَرَ مِنْهُ»، قُلْتُ فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَنَا مِنَ الْمُسْتَغْفِرِينَ؟ قَالَ: «لا لأَنَّكَ لَمْ تَبْلُغْ إِلَى الأَصْلِ بَعْدُ»، قُلْتُ: فَأَصْلُ الاسْتِغْفَارِ مَا هُوَ؟ قَالَ: «الرُّجُوعُ إِلَى التَّوْبَةِ عَنِ الذَّنْبِ الَّذِي اسْتَغْفَرْتَ مِنْهُ وَهِيَ أَوَّلُ دَرَجَةِ الْعَابِدِينَ وَتَرْكُ الذَّنْبِ…».(وسائل الشيعة:١٦/٧٨)

من آثار التوبة

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ بَيَّاعِ الأَرُزِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ وَالْمُقِيمُ عَلَى الذَّنْبِ وَهُوَ مُسْتَغْفِرٌ مِنْهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ».(الكافي الشريف:٢/٤٣٥)

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه السلام يَقُولُ: «إِذَا تَابَ الْعَبْدُ تَوْبَةً نَصُوحاً أَحَبَّهُ اللهُ فَسَتَرَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»، فَقُلْتُ: وَكَيْفَ يَسْتُرُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «يُنْسِي مَلَكَيْهِ مَا كَتَبَا عَلَيْهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَيُوحِي إِلَى جَوَارِحِهِ اكْتُمِي عَلَيْهِ ذُنُوبَهُ وَيُوحِي إِلَى بِقَاعِ الأَرْضِ اكْتُمِي مَا كَانَ يَعْمَلُ عَلَيْكِ مِنَ الذُّنُوبِ فَيَلْقَى اللهَ حِينَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ شَيْءٌ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنَ الذُّنُوبِ».(الكافي الشريف:٢/٤٣١)

وقت التوبة

عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ حَفْصٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه السلام يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يُذْنِبُ ذَنْباً إِلاَّ أَجَّلَهُ اللهُ سَبْعَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ فَإِنْ هُوَ تَابَ لَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ شَيْئاً وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ».

فَأَتَاهُ عَبَّادٌ الْبَصْرِيُّ فَقَالَ لَهُ: بَلَغَنَا أَنَّكَ قُلْتَ مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْباً إِلاَّ أَجَّلَهُ اللهُ سَبْعَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ! فَقَالَ: «لَيْسَ هَكَذَا قُلْتُ، وَلَكِنِّي قُلْتُ: مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يُذْنِبُ ذَنْباً إِلاَّ أَجَّلَهُ اللهُ سَبْعَ سَاعَاتٍ مِنْ نَهَارِهِ، هَكَذَا قُلْتُ».(الزهد:٧٠)

وعَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ قَبِلَ اللهُ تَوْبَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ السَّنَةَ لَكَثِيرَةٌ مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ قَبِلَ اللهُ تَوْبَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الشَّهْرَ لَكَثِيرٌ مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِجُمْعَةٍ قَبِلَ اللهُ تَوْبَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْجُمْعَةَ لَكَثِيرٌ مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِيَوْمٍ قَبِلَ اللهُ تَوْبَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ يَوْماً لَكَثِيرٌ مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يُعَايِنَ قَبِلَ اللهُ تَوْبَتَهُ».(الكافي الشريف:٢/٤٤١)

طلب المغفرة من الله تعالى

قال عليه السلام: «وَيَا سُؤْلِي وَمُنْيَتِي‏».

قيل سؤلي: من السؤال وهو الطلب الحثيث الذي يبتغيه السائل، وسؤلي أي لا أجد حاجةً وسؤالاً سواك حتى صرت أنت غايتي وسؤلي.

والمنية: من المنى بضم الأول وهي الغاية والرغبة التي يسعى إليها الطالب وأصله التمني القلبي الذي يدفع الإنسان لطلب ما تمناه ورغبه.

هنا بدأ العبد طلب المغفرة بالغاية والرغبة حيث إنّ بداية طلب حاجة من الله تبارك وتعالى بكلمات السؤال والطلب والرغبة والتمني أي العبد يتمنى ويرغب بقبول توبته ورجوعه إلى الله تعالى.

الاعتراف بالرحمة الإلهية

قال عليه السلام: «فَوَ عِزَّتِكَ مَا أَجِدُ لِذُنُوبِي سِوَاكَ غَافِراً وَلاَ أَرَى لِكَسْرِي غَيْرَكَ جَابِراً».

قيل العزّة: الغلبة و القهر، حتى صارت صفةً له تعالى، وعزّته قدرته وقوته.

لقوله تعالى: {…أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعاً}.[النساء:١٣٩]

وقوله تعالى: {وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ…}.[المنافقون:٨]

وعزّتك: قسمٌ بعزّته تعالى إنّه لم يجد لذنبه غافراً سواه، فكل من سواه لا تصدر منه التوبة لأنّ الأمر بيده تعالى يرحم من يشاء ويعذّب من يشاء، وبيده الملك وهو القادر على العفو والرحمة.

من الأقسام المهمة هو قسم العبد بالعزّة الإلهية وبجلالة الله، فأن يقسم المذنب بجلالة الله تعالى لقبول توبته والغفران عن ذنبه من أفضل الطرق للوصول إلى الهدف، وهو قبول التوبة.

كذلك الاعتراف بأنّ ليس هناك سوى الله تبارك وتعالى غافراً للذنوب وقابلاً للتوبة.

فعندما يستعرض العبد ذنوبه ويستشعر بانكساره، ويتوقّع بلاء ما يصيبه من العقاب يناجي ربه بقوله: (ولا أرى لكسري غيرك جابراً).

بعد أن يقسم بعزته تعالى أنّه لا يغفر الذنوب سواه، وأنّه يطلب منه تعالى أن يعفو عنه، إلا أنّ هذا الذنب يولد انكساراً في النفس للذلة التي تدخله هذه الذنوب على مرتكبها، فهو حينما يقدم على الذنب يشعر بالتأنيب والندم والأسف على هذا التفريط، لذلك يقول الإمام الباقر عليه السلام في التوبة التي يصاحبها الندم: «كَفَى بِالنَّدَمِ تَوْبَة».(الكافي الشريف:٢/٤٢٦)

فالندم أصدق تجليات التوبة وأوضح مصاديقها، إذ الندم ينبعث من شعور الخيبة والإحباط الذي يولده الذنب، فيحط هذا الندم بهواجسه ومشاعره وكل إحساساته حتى لا يجد إلاّ شعوراً بالتأنيب وهذا التأنيب يولد التحقير والاستصغار للنفس فيؤدي ذلك إلى الانكسار وقلة الاعتداد بنفس ارتكبت ما يخالف الجبار وهي تعلم أنّه المالك والقادر والقاهر فكيف تجترئ على مالكها ومهلكها ثم محييها، فإذا تمعن المذنب في حقارة نفسه واستكان لصغره عندها يشعر بالمذلة ومن ثم الانكسار، فضلاً عن آثار الذنوب التكوينية على توفيق الإنسان وقلة رزقه وشقائه في تحصيل حظه من هذه الدنيا، فما يواجه من نكد وبؤس وشقاء سببه آثار الذنوب، مما تجعله حقيراً في نفسه، وضيعاً في همته، لذا يشير الإمام إلى هذه الحالة ويؤكد على هذه الحقيقة ويطلب التائب أن يرجعه الله إلى حال الاستقامة والعافية فيكون ممن أجبر الله كسره، وهذا الكسر هو كسر النفس وانتقاصها حتى لكأنّه لا يشعر بكرامته واعتباره وأي كسرٍ هذا يجعل من المذنب مخلوقاً حقيراً هائماً لا يهتدي إلى سبيل لولا أن يجيره باستشعاره بحالة التوبة التي تعيد له هذه المشاعر اعتباره لنفسه وكرامته المستباحة بذنوبه.

شاهد أيضاً

صدر العدد الجديد من نشرة اضاءات فكرية

#نشرة_اضاءات_فكرية العدد الرابع لتحميل العدد اضغط على الرابط التالي: https://online.fliphtml5.com/fsffe/zzry/#p=1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *