مكتبة العتبة الحسينية المقدسة قسم الشؤون الفكرية والثقافية
مقالات مشابهة
*عطا الكاتب
من المعروف كيف تزوج أمير المؤمنين علي عليه السلام بأم البنين عليها السلام، وكيف طلب من أخيه عقيل أن يخطب له هذه المرأة الجليلة، حيث ولدتها الفحول من العرب.
لكن الملفت للانتباه أنّها لم تكن الزوجة الأولى لأمير المؤمنين علي عليه السلام بعد وفاة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام فكيف أخذت هذه المكانة ولماذا تعلق بها أهل البيت عليهم السلام دون غيرها من زوجات أمير المؤمنين عليه السلام؟
للجواب عن هذا التساؤل نذكر بعض النقاط منها ما يلي:
١. إنّ كل شخص يحمل صفات في شخصيته سواء كانت جيدة أم لا، وهذه الصفات هي التي تحدّد مسيرته في الحياة وفي البعد والقرب من الله سبحانه وتعالى.
فأم البنين عليها السلام كانت تحمل صفات عالية في السماحة وطيبة النفس والرقي الأخلاقي والالتزام الديني، مما جعلها ترتقي في سلم التكامل الروحي.
وأول بروز لتلك الصفات الحميدة عند أوّل يوم قولها لأمير المؤمنين عليها السلام لا تناديني بفاطمة لمعرفتها بفاطمة عليها السلام، فضلاً عن عدم انكسار قلب الأطفال حين سماع اسم الأم، فلاحظ تلك الروح الطيبة والنقية.
٢. إنّ هذه الصفات والروحية التي تحملها أم البنين عليها السلام جعلتها مستعدة لتكون تلميذة في مدرسة سيد الوصيين وباب العلم أمير المؤمنين عليه السلام لتتلقى كل العلوم بصورة مباشرة فكانت أهلاً لذلك.
فخصّها الإمام عليه السلام بما تستحق لتتربى تربية نبوية إلهية باعتبار أنّ علياً عليه السلام رباه النبي صلى الله عليه وآله والنبي صلى الله عليه وآله رباه الله سبحانه وتعالى بقوله: «أدّبني ربي فأحسن تأديبي).(بحار الأنوار:١٦/٢١٠)
فلاحظ الفيض الكبير الذي تلقته أمّ البنين عليها السلام.
٣. إنّ هذا الفيض العلمي الذي تلقته من أمير المؤمنين عليه السلام انعكس على شخصيتها فكانت تعلم أنّها متزوجة من إمام زمانها وأمير المؤمنين عليه السلام فكانت علاقتها به في قمة الالتزام الديني والطاعة التامة فكانت أنموذجاً للزوجة الصالحة.
وعلمت أنّ الحسنيين عليهما السلام هما إمامان وابنا رسول الله صلى الله عليه وآله والزهراء عليها السلام وهي سيّدتها وسيّدة نساء العالمين فكان عملها ينطلق من هذا الأمر والمرتكز الصحيح فكانوا أئمة زمانها وهم الحسنان وزين العابدين عليهم السلام وهذا ما تجسد فعلياً في موقفها من الحسين عليه السلام عندما أخبروها باستشهاد كل أولادها الأربعة لكنها كانت منشغلة روحياً بإمام زمانها الشهيد المظلوم المقتول ظلماً الحسين بن علي عليهما السلام.
٤. إنّ العلم وتلك النفسية نقلتها إلى أولادها وعلّمتهم حب إمام زمانهم وطاعة أخويهم الحسن والحسين عليهما السلام وربّتهم على أنّهم سادتهم فلا يصح منهم إلاّ مخاطبتهم بسيدي وليس بأخي وهذا ما لاحظناه من أبي الفضل العباس عليه السلام حيث إنّه فدى بنفسه هو وإخوته الحسين عليه السلام وكيف أنّه لم يستطع شرب الماء وهو في أحلك الظروف، فلم يشرب قبل أخيه سيد الشهداء عليه السلام فقال سلام الله عليه:
يا نَفْسُ من بعدِ الحسينِ هُوني *** وبعدَهُ لاَ كُنْتِ أنْ تَكوني
هذا حسينٌ واردُ المَنونِ *** وتَشْربينَ بارِدَ المَعينِ
تاللهِ ما هذا فِعالُ دِيني *** ولا فِعَالُ صَادِقِ اليقينِ
وإنّه عندما أعطوه أماناً هو وإخوته طردهم وبقي مع الحسين عليه السلام.
فنلاحظ أنّ أبا الفضل عليه السلام طول حياته لم ينادي الحسين عليه السلام بأخي، إنّما كان يقول له يا سيدي.. وهذا مورد التأمّل.
٥. إنّ كل موقف صدر من العباس عليه السلام وإخوته في الطف نلاحظ فيه بصمة لأمّ البنين عليها السلام واضحة في تربيتهم، وهذا دليل على بصمتها الواضحة فيهم حيث جعلتهم يذوبون في حب أهل البيت عليهم السلام.
٦. تجسيد ذلك الحب والذوبان ظهر واضحاً في استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وبعد رجوع زينب والإمام زين العابدين عليهما السلام حيث الرواية المشهورة في نعي الحسين عليه السلام وذهابها إلى زينب عليها السلام والتي لم تأذن لأحد إلاّ لأمّ البنين بالدخول عليها ثم ذهابها للبقيع وعملها قبوراً رمزية لأولادها الأربعة وقبراً منفرداً للحسين عليه السلام، فتعطي ظهرها لقبور أولادها وتستقبل قبر الحسين عليه السلام بالبكاء وتقول وا ولداه وا حسيناه حيث كانت تناديه يا ولدي وكان الإمام الحسين عليه السلام من دون زوجات أبيه يكن لها كل الحب والاحترام ويناديها يا أماه.
فبعد تلك الصفات وغيرها التي تميزت بها أمّ البنين عليها السلام فإنّ الله سبحانه وتعالى وأهل البيت عليهم السلام أعطوها تلك المكانة الكبيرة لتصبح باباً من أبواب الله ولذلك سميت بباب الحوائج.
السلام عليك أيتها النقية التقية السلام عليك ما بقي الليل والنهار.
