تأليف: الشيخ أحمد بن صالح الدرازي البحراني
تحقيق: مشتاق المظفر
مقدّمة التحقيق
الحمد لله عدد النجوم في السماء، والحمد لله الباقي بعد فناء الأشياء، والصلاة والسلام على الخمسة أصحاب الكساء والتسعة المعصومين من ولد الحسين سيّد الشهداء، وصلِّ يا ربّ على الغائب عن الأنظار المرتقب لأمر السماء. الخيرة والمشاورة مصطلحان قد وردا في كلام الله العزيز وفي السنّة النبويّة المطهّرة، وهذا دليل على مشروعيّتهما وجواز العمل بهما، فقال تعالى في سورة آل عمران: (مَا كَانَ لهَُمُ الخِْيَرَة) وفي سورة القصص (وَشَاوِرْهُم فِي الأمْرِ) فهاتان الآيتان يمكن أن نستفيد منهما في مقدّمتنا هذه في موضوع الاستخارة.
فالمشاورة أمر قد سنّه الله لنبيّه في مشاورة أصحابه، فإنّ الله جلّ ثناؤه كان يعرّفه مطالب وجوه حزبه من الأمور، بوحيه وإلهامه إيّاه صواب ذلك، فأمّا أمّته فإنّهم إذا تشاوروا مستنّين بفعله في ذلك على تصادق وتأخٍّ للحقّ. هذا ما قاله الطبري ووافقه الزمخشري على رأيه مضيفاً رأياً عن الحسن -المجتبى- عليه السلام: قد علم الله أنّه ما به إليهم حاجة، ولكنّه أراد أن يستنّ به من بعده. وعن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (ما تشاور قوم قط إلاّ هدوا لأرشد أمرهم)، فإنّ ما هو أصلح لك لا يعلمه إلاّ الله لا أنت ولا من تشاور.
ونقل القرطبي قولاً عن الحسن البصري والضحّاك قالا: ما أمر الله تعالى نبيّه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم، وإنّما أراد أن يعلّمهم ما في المشاورة من الفضل ولتقتدي به أمّته من بعده.
وروى سهل بن سعد الساعدي، عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (ما شقي قط عبد بمشورة، وما سعد باستغناء رأي) وقال بعضهم: شاور من جرّب الأمور، فإنّه يعطيك من رأيه ما وقع عليه غالباً وأنت تأخذه مجّاناً.
هذا ما أردنا ذكره ليتعرّف القارىء العزيز على فضل التشاور إذا كان بين النبي والناس وبين الناس أنفسهم، فكيف إذا كانت المشاورة بين العبد وربّه، فإنّها أعلى مراتب الاستشارة، لأنّ العبد هو الفقير في كلّ شيء، والربّ الجليل هو الغنيّ في كلّ شيء، ولذا يستوجب على العبد إذا استشار ربّه الغني أن يُسلّم لما يُشير عليه ربّه، إن كان أمراً فيأتمر به، وإن كان نهياً فينتهي عنه.
وأمّا بالنسبة للخيرة، فقد قال الطبرسي في مجمع البيان: لأنّ حقيقة المعنى فيهما أنّه سبحانه يختار وإليه الاختيار ليس لمن دونه الاختيار، لأنّ الاختيار يجب أن يكون على العلم بأحوال المختار، ولا يعلم غيره سبحانه جميع أحوال المختار، ولأنّ الاختيار هو أخذ الخير، وكيف يأخذ الخير من الأشياء من لا يعلم الخير فيها.
وقال الزمخشري في الكشّاف: الخيرة من التخيرّ، كالطيرة من التطيّر، والمعنى أنّ الخيرة لله تعالى في أفعاله، وهو أعلم بوجوه الحكمة فيها، ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه، وقيل: معناه ويختار الذي لهم فيه الخيرة، أي: يختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح، وهو أعلم بمصالحهم من أنفسهم.
وقال القرطبي: قال بعض العلماء: لا ينبغي لأحد أن يُقدم على أمر من أمور الدنيا حتّى يسأل الله الخيرة في ذلك، وينبغي أن يفرّغ قلبه من جميع الخواطر حتّى لا يكون مائلاً إلى أمر من الأمور، فعند ذلك ما يسبق إلى قلبه يعمل به، فإنّ الخير فيه إن شاء الله.
فالذي نستفيده من هذه الأقوال أنّ خير العباد لا يعلمه إلاّ خالقهم وبارئهم، فالفرد الذي يقدم على أمر دون استشارة أو استخارة وندم على نتيجة عمله وإقدامه فلا يلومنّ إلاّ نفسه؛ لأنّه لم يطلب العون من خالقه، واعتمد على عقله وعقل الإنسان ناقص، ولذا قيل: من شاور الرجال شاركهم عقولهم، ووظيفة المستخير إذا استخار قبل الإقدام التسليم لما خار الله تعالى له، ويرضى بقضائه، لأنّه تعالى العالم بمصالح عباده، وما يريده لعباده إلاّ الخير والصلاح.
ولم ينفرد علماؤنا في هذا الموضوع فحسب، بل شاركهم بقية العلماء من الطوائف الأخرى، فانظر على سبيل المثال لا الحصر:
١. رسالة في الاستخارة: للشيخ محمّد بن محمود المغلوي المتوفى سنة ٩٤٠ هـ
٢. كتاب الاستخارة والاستشارة: لأبي عبدالله أحمد بن زبير بن أحمد بن سليمان الزبيري الشافعي، المتوفى سنة ٣١٧ هـ
٣. مشكاة الاستنارة في معنى حديث الاستخارة: لعبد البرّ بن عبد القادر بن محمود الفيومي الصوفي المصري الحنفي المتوفى سنة ١٠٧١ هـ
٤. رسالة الاستخارة: لإبن عربي محمّد بن علي الطائي الحاتمي المتوفى سنة ٦٣٨ هـ
والحمد لله على كلّ حال، اللهمّ غيّر سوء حالنا بحسن حالك بحقّ محمّد وآل محمّد صلوات اله عليهم اجمعين أفضل عبادك.
سلام علیکم
مع الأسف …. بحث جمیل و دقیق ولکن تصمیم الغلاف جداااااا ردئ و فاشل!!!
رجاءا تلاحظون کریزما و شأنیة قسم الثقافي في العتبة
و لكم الشكر في حالة تأييد
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، نشكر لكم مشاركتكم القيمة وسنأخذ رأيكم بعين الاعتبار انشاء الله وذلك من خلال نقله الى ذوي الشأن.
مع خالص التقدير والامتنان.