البحث في فهارس المكتبة:

التلقي للصحيفة السجادية دراسة تطبيقية في النقد العربي الحديث

تأليف: الدكتور حيدر محمود شاكر الجديع

من مقدمة المؤلف:
وبَعْدُ:
فقد أخذتِ الدراسة على عاتقها موضوعاً نقديَّاً مهماً من الموضوعات النظرية ذوات البُعْد المركزيّ في قلب النظريات النقدية المعاصرة، أَلا وهو (نظرية التلقّي)، التي أعطتِ المُتلقّي مساحةً واسعةً في فرضياتها الإجرائية، وحساباتها التنظيرية، فجعلت له مركزاً رئيساً مرموقاً، كان له طابع الغلبة في عمومياتها الاصطلاحية، وخصوصياتها المفهوماتية.
كما منحته حرية وصل بها الأمر أن تجعل منه قارئاً عبثياً، ومفسراً مسيئاً, وشارحاً متعصباً..!,- في كثير من الأحيان -, وفي بعضها أحسن وأجاد.
فكان لنظرية التلقّي الحضور الواضح, والأهم المشهود له من بين النظريات في النقدين الحديث والمعاصر, الغربيّ بعامّة؛ والنقد العربيّ بخاصّة.
إذْ خاضتِ الدراسة باحثة عن نظرية التلقّي في الكتب النقدية العربية الحديثة والمعاصرة، وفي البحوث, والمقالات الموجودة في المجلات, والدوريات العربية، فضلاً على بعض المراجع الأجنبية المترجمة، وكان هدفها من وراء هذا كلِّه، هو تعزيز رؤيتها النقدية حول التلقّي وتعميقها، لتطمئن من متابعة فرضيات منهجها الإجرائي فيها، وتعضد من انسجامه, وتلاؤمه وتماسكه، للوصول إلى نتائج أفضل ترجوها الدراسة، تتناسب وحال مُتلقي الصّحيفة السّجّاديّة وطبيعتهم، بوصفها – دراسة نقدية تطبيقية – تعالج (التلقّي للصّحيفة السّجّاديّة)؛ فانبثق منهجها الخاص بها, ونبع في خلال قراءتها النقدية الكلية، في التعامل مع نِتَاج مُتلقي الصّحيفة السّجّاديّة، إذْ كان مبدؤها الأساس اعتمادها في تصنيف المتلقّين القرّاء على أهم مستويات اللغة العربية، من حيث: (المستوى النحويّ)؛ و(المستوى الصرفيّ)؛ و(المستوى البلاغيّ)؛ و(المستوى المعجميّ أو القاموسيّ). وصار المُتلقّي الذي يحمل شرحه للصّحيفة السّجّاديّة هذه المستويات الأربعة متلقياً أُنموذجياً؛ والمُتلقّي الذي يحمل شرحه لها مستوى واحداً معيناً منها, أو ظاهرة معينة يكون قارئاً مُستهدِفاً؛ والمُتلقّي الذي يقحم نفسه بين النّص ومتلقّيه – العاديين (الجمهور) مُصنِّفاً مُعجماً لألفاظِها، أو دليلاً لموضوعاتها، أو مُبيّناً غريب ألفاظِها، وخفي معانيها، أو مُبسِّطاً بشرحه المعنى العام لفِقْرات أدعيتها يكون قارئاً وسيطاً.
ومن الدراسات الأكاديمية الأدبية، التي قرأت نص الصّحيفة السّجّاديّة، دراستان هما:
الأولى: الصّحيفة السّجّاديّة – دراسة أسلوبية-: للباحث حسن غانم فضّالة.
الثانية: الجملة في الصّحيفة السّجّاديّة – دراسة دلالية -: للباحث عماد جبّار كاظم.
وأما عن سبب اختيار الدراسة عنوان موضوعِها الموسوم بـ(التلقّي للصّحيفة السّجّاديّة – دراسة تطبيقيّة في النقد العربيّ الحديث)، فهو بيان العلاقة الجدلية التفاعلية بين نصّ الصّحيفة السّجّاديّة، بما يحمله من مستويات شاملة, أهمها مستويات اللغة العربية التي أشارتِ الدراسة إليها آنفاً، وبين متلقّيه, وهذه العلاقة تجسّد قيمة النّص, وتأريخ تداولية تلقّيه. ومِنْ ثَمَّ إلى مكانته, وأهميته في نفوسهم, وحياتهم اليومية الحالية, والآنية, والتزامنية، وهي تنبئ بدلالتها القاطعة بعصمة النّص نفسه, المنعكسة من عصمة مُنْتجِه (مُنْشِئهِ), أو قائله حَسْبُه إنّهُ زينُ العابدين علي بن الحُسين (عليهما السّلام)؛ لسببين مهمين كشفهما لنا التأريخ؛ وهما الآتيان:
الأول: لم يسجل التأريخ لنا أنّ الإمام زين العابدين كان تلميذاً لأُستاذ، أو تَتَلْمَذ بين أيدي أساتذة وتعلم منهم، وهذا السَّبب يثبت لنا أنَّهُ رَضيعُ علمِ الوحي الإلهيّ.
الثاني: لم يدون التأريخ لنا أيّ فعل شاذ, أو سلوك خاطئ, أو ما يدلّ عليه, أو ينبئ بوجود ذنب, أو إثم, أو لمم؛ أُخذ على الإمام زين العابدين (عليه السلام) يخالف العصمة, والطهارة, أو التطهير الذي طَهَّرهُ اللهُ بهِ, وحاشا لهُ ذلكَ!.
فالجمع إذاً بين السَّببينِ، إثبات عصمته, وتأكيد كماله في كلّ شيء يصدر منه قولاً، وفعلاً وتقريراً، ونحوها. فلم ينقل التأريخ لنا حديثاً واحداً غيرَ فصيح له, عقب التداولية التقدمية, أو التزامنية, ولا حتى كلمة واحدة غير فصيحة أيضاً، ولا حتى لآبائه المعصومين الطاهرين. من هنا انطلقت فرضياتُ الدراسة في منهجها النقديّ الإجرائي، ومنها الآتي:
1 – إنّ نصَّ الصّحيفة السّجّاديّة نصٌّ كامل، لا توجد فيه فراغات, ولا فجوات, ولا ثغرات في بِنْيتِه النّصية على المستويات كلِّها!, وإنّما النّقص كلّه, والفراغات, والثغرات في النصوص الإبداعية المتخيلة التي خلقت من عوالم متوهمة، وفي القارئ بصورة عامة؛ من حيث ثقافته, أو إنتفاء إحاطته المتكاملة حول نصّ الصّحيفة السّجّاديّة، أو بسبب اتجاه أفق توقعاته ذي المجالات المختلفة، والاحتمالات المتعددة, ومن حيثُ علمُه, ومعرفتُه, وفكرُه, وفهمُه, وبيئتُه, ومكانُه, وزمنُه, وغيرها.
2 – إنّ دوافع المتلقّين جميعهم، نابعة ومنبثقة من إيمانهم العَقَديّ (العقائدي) لقداسة عصمة نصّ الصّحيفة السّجّاديّة، لكونهِ نصَّاً آخذاً كمالَه, وتكاملَه, وعصمتَه من شخص الإمام السّجاد الإمام المعصوم (عليه السلام). ومِنْ ثَمَّ تتبلور دوافعهم جميعاً في نشر التراث الإسلامي القرآنيّ المُحَمَّديّ السّجاديّ.
3 – إنّ مقاصد المتلقّين, أو قصدياتهم نحو الصّحيفة السجادية، هي الاِنتفاع, والإفادة من نصّها في كلّ شيء يحمله، ومن علومه كلِّها، من حيثُ العلمُ الجامِع، والفكرُ الواسِع، والأخلاق الرفيعة، والقيم الحميدة، والألطاف الرشيدة، والدروس التربوية المحافظة على ملامح الشخصية الإسلاميّة، وفي تبشيرها للحجة المنتظر إنجيليّة، وفي فضلها على البشر زبوريّة، وفي تحميدها لله والصلاة على نبيّه محمّد وآلهِ وهداية الإنسانية قرآنيّة.
فاتّجه متلقوها نحو بلاغتها, وفصاحتها المحمديّة العلويّة، واستقوا من رحيق ضرب عرفانها الفاطمية الحَسنية الحُسينية، فعرفوا بها (الصّحيفة السّجّاديّة) أنوار ربِّهم الملكوتيّة، فكانوا لها شارحين مفسرين، ودارسين مبشرين، فحاولوا لِجنانِها وصولاً، ولنيل فردوسِها حُصولاً.
ومن المقدمات الرئيسة في منهج الدراسة الإجرائي النقدي، أنها وضعت لها آليات إجرائية رأتها من الأهمية بمكان, في بيان طبقة المتلقّي (القارئ لنص الصّحيفة السّجّاديّة) أولاً، وفي معرفة مستوى تلقي كلّ مُتلقٍ وتصنيفه ثانياً، في خلال أربعة اجرائيات آلية، استقرت في الفصل الثاني, وهو الفصل التّطبيقي الأول المختص بالمتلقي الأُنموذجي للصّحيفة السّجّاديّة، حتى يكون وجودها قريباً من تطبيق الدراسة على متلقّيها، إذ اعتمدتها اعتماداً مركزيّاً حتى في خطتها المنهجية أيضاً، في متابعة سير حركات المتلقي لأفق توقعاته, مع سائر متلقي الصّحيفة السّجّاديّة.
وطبقت هذه الآليات على تسعة عشر متلقياً قاموا بتلقي الصّحيفة السجّادية حصلت عليهم, بعد معاناة كابدتها بحثاً وتنقيباً عنهم, فكانت المشكلة الرئيسة في سعي الدراسة في ذلك.

تحميل الكتاب

التلقي للصحيفة السجادية

شاهد أيضاً

روح الاحباب وروح الالباب في شرح الشهاب

صدرعن شعبة التحقيق في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة كتاب (روح الاحباب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *