تأليف: مريم رزوقي وليد عباس
مقدمة المؤلفة:
الحمد لله الذي علمنا ما لا نعلم وجعل كتابه هدى لطريق الرشاد ونبيه رحمة للعباد وآله مناراً للسداد، وصلى الله على الرسول محمد وآله الأخيار أناء الليل وأطراف النهار.
وبعد: فقد شكل العلويون ظاهرةً بارزة في التاريخ الإسلامي وهذه الظاهرة لم تكن آنية لفترة وجيزة بل كان لها صدى واسعاً على امتداد التاريخ.
إذ مثلَّ خطُ المعارضة للسلطات الحاكمة في العهدين الأموي والعباسي وفق المبدأ الذي يعتقدون به وهو أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام هو الولي الشرعي لعموم المسلمين وأنّ ولايته تعتبر امتداداً طبيعياً لولاية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وبنصٍ منه على ذلك.
وقد اختلفت سياستهم في هذين العهدين فنرى أن بعضهم فضل أن تكون معارضته بطريقة سلمية في حين أن البعض الآخر تبنى خط المواجهة العسكرية والكفاح المسلح فكانت ثورة الإمام الحسين عليه السلام هي نبراس الثورات العلوية ومعينها الذي لا ينضب.
وقد اختلف المؤرخون الذين سجلوا أحداثها في تقييمهم لها على ما نفهمه من سردهم لتلك الأحداث فقد أعطيت صفة الشرعية من قبل بعضهم مطلقاً، وقد سلبت عنها هذه الصفة من قبل البعض الآخر مطلقاً أيضاً، في حين فصل آخرون فأضفى صفة الشرعية على تلك الثورات دون بعضها الآخر.
ومن نعم الله تعالى عليَّ توفيقي لهذه الدراسة، فكان هذا البحث الموسوم بـ (الثورات العلوية في مرويات المؤرخين المسلمين حتى نهاية العصر العباسي الأول قراءة جديدة وإعادة التقويم).
فكان السبب في اختيارنا لهذا الموضوع هو استجلاء الموقف الحقيقي من ثورات العلويين ومعرفة مصداقية ما نقله المؤرخون القدامى والمحدثون في تصوراتهم الإيجابية أو السلبية منها، من خلال دراسة موضوعية تحليلية في المقارنة بين المرويات التاريخية للوصول إلى التقويم الأنسب.
وتكمن أهمية الموضوع في معرفة مدى ضرورة هذه الثورات واكتسابها لصفة الشرعية؛ إذ إنَّ بعض الباحثين صور الثورات العلوية امتداداً رسالياً لثورة الإمام الحسين عليه السلام التي لا يعتريها شكٌّ في ضرورتها وشرعيتها، لمجرد إنَّ الثوار عزموا على إعادة الحق إلى البيت العلوي وقارعوا سلاطين الجور والعبث والفجور.
ولكن وجهة نظرنا اختلفت عن ذلك، إذ اعتمدنا في تقويمنا لهذه الثورات، ومدى شرعيتها على حقيقة نؤمن بها وهي: أن الإمامة وقيادة الأمة الإسلامية منحصرة في الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وولديه الحسن والحسين عليهما السلام وتسعة من ذرية الحسين عليه السلام من دون غيرهم من المسلمين سواءً كان علوياً أم غيرَ علوي، فمن كان من الثائرين يؤمن بهذه الحقيقة وسار على وفق هذا المنهج تكون ثورته إيجابية وشرعية، ومن خالف هذا المنهج لا يمكننا أن نعطي صفة الشرعية لثورته، وما ذكرناهُ ليس بدعة في الحكم والتقويم من قبلنا، وإنما هذا هو ما استنتجناهُ من موقف أئمة أهل البيت عليهم السلام من تلك الثورات فمن دعا لإمامتهم وسار على وفق منهجهم حظى بالرضا والقبول منهم، ومن خالف ذلك لم يحظَ بالدعم والتأييد.
والصعوبات التي واجهتنا في أثناء البحث هي: أن المرويات التاريخية التي سجلت أحداث الثورات العلوية كانت مجرد سرد للأخبار من دون رؤية تحليلية، لذا وجدت الباحثة صعوبة في استخلاص الموقف الأصوب في إزائها، للتباين الواضح في المرويات الخبرية ومسيرة الأحداث، وهذه صعوبة تواجه كل باحث في التاريخ الإسلامي.
وهناك صعوبة أخرى هي أن بعض الثورات ذكرت تفاصيلها في أغلب المصادر التاريخية مما أعطى الباحثة مادة علمية كافية للوصول إلى المطلوب، بينما بعضها الآخر أوجز الحديث عنه ولم تذكر تفاصيلهُ إلا في مصدر أو مصدرين فتكون المادة العلمية حولهُ شحيحةً إلى حد ما لا تمكن الباحثة من التقويم الدقيق.
فضلاً عن أنّ الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام والمتعلقة بذوات الثائرين مختلفة في مضامينها فبينما يفهم من بعضها المدح، ويفهم من بعضها الآخر القدح حتى أن الباحث لا يمكنه الجزم بمدى صحة هذه الأحاديث من عدم صحتها.
لذلك اعتمدنا في تقويمنا للمرويات التاريخية والأحاديث المنقولة على مدى شهرتها في المصادر التاريخية والحديثية المعتبرة فما كان مذكوراً في أكثر من مصدر اعتمدنا عليه وما انفرد بذكرهِ بعض المصادر اسقطعناه من اعتبار.
فجاء بحثنا فضلاً عن أن هذه المقدمة من ثلاثة فصول وخاتمة تطرقنا في الفصل الأول إلى مفهوم العلويين، الامتداد، التكوين، الحراك السياسي، وقد قسمته على ثلاثة مباحث؛ الأول: العلويون المصطلح والمفهوم والثاني: الحراك السياسي والثالث: جذور الصراع بين العلويين والأمويين.
أما الفصل الثاني فهو: الثورات العلوية في العصر الأموي وقد قسم أيضاً إلى ثلاثة مباحث؛ الأول: مبررات خروج ثورة الإمام الحسين عليه السلام المسار التاريخي والنتائج والثاني: الثورات العلوية بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام والثالث: الثورات الزيدية وموقف أئمة أهل البيت عليهم السلام.
وقد ختمنا بحثنا بفصل ثالث وهو الثورات العلوية في العصر العباسي الأول؛ الأول: البعد العلوي في الدعوة العباسية والثاني: الثورات الحسينية وموقف أئمة أهل البيت عليهم السلام منها والثالث: الثورات الحسينية وموقف أئمة أهل البيت عليهم السلام منها.
ثم جاءت خاتمة البحث ذكرنا فيها أهم النتائج التي توصلنا لها من خلال البحث.
هذا وحاولت في البحث أن أكون جادة مجتهدة، فبذلت فيه وسعي وجهدي، فإن بانت الفائدة منه فلله الفضل، وإن ظهر النقص فيه فمجد الكمال مختص به سبحانه، والله تعالى من وراء القصد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.