تأليف السيد نبيل الحسني
لم تلق آية من آيات القرآن الكريم من الترويج والدعاية والمناظرة والتسويق مثلما لقت آية الغار؛ وذلك أنها العمود الفقري الذي احتمل عليه أبو بكر وعمر مشروع الخلافة بعد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
بل: إنها سنام فضائل أبي بكر عند مدرسة الصحابة إن لم تكن له غيرها وهذا هو الصواب كما صرح به عمر بن الخطاب وهو يخاطب الأنصار في سقيفة بني ساعدة، فقال:
(من له هذه الثلاث{اذ يقول لصاحبه} من صاحبه؟ {اذ هما في الغار}، من هما؟ {ان الله معنا} مع من؟ ثم بايع أبا بكر).
فلو كانت له غيرها لنطق بها محتجاً على الأنصار، والعلة في اكتفائه بهذه الثلاث هي أنها لم تكن في مرأى ومسمع من الناس، أي أمر الهجرة النبوية ودخولالغار، وهو ما تم توظيفه بشكل جيد يكشف عن دهاء عمر بن الخطاب واستعداده لهذه الجولة وبماذا سيحتج على القوم لكسب البيعة لأبي بكر الذي لم ينس هو الآخر فضل عمر بن الخطاب في جهاده من أجل بلوغه الخلافة.
وهي حقيقة كشفها عمر فقال: (فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر؛ فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر).
فهذه المقالة التي زورها عمر بن الخطاب في نفسه وأعدها مسبقاً للاحتجاج على الأنصار يوم السقيفة كانت هذه الثلاث التي ذكرهن لأبي بكر المنطوية تحت آية الغار؛ ولو كان عمر بن الخطاب يعلم غيرهن من الفضائل لأبي بكر ويمكن لها أن تحقق الغلبة على الأنصار لقالها، لكن الذي منعه هو علمهم برصيد أبي بكر من الفضائل وأن ما قيل فيه من كونه أول من أسلم، وأول من صدق فسمي بالصديق وغيرها لم يكن لها أي أساس من الصحة إذ سرعان ما سيحتج عليه الأنصار قائلين لعمر: إنك أدعيت منكراً من القول وزورا، فهذه الفضائل التي نسبتها لأبي بكر نعرف صاحبها ومستحقها.
وهي حقيقة كشفها أسلوب الإمام علي عليه السلام في الاحتجاج على القوم في استحقاقه الشرعي لخلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان بأبي وأمي يناشد القوم بما نزل فيه من الذكر الحكيم وما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صراحة في بيان ما يريده الله لهذه الأمة والممثل في اتباعها وتوليتها لعلي عليه السلام.