*شذى عبدالكاظم الحلي
الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره ودليلاً على نِعَمه وآلائه، والصلاة والسلام على أشرف الخلائق محمد وآله الطيبين الطاهرين…
وبعد.. فإنّ الدراسة المكانية تعد من الدراسات الحديثة التي انصبت في أول أمرها على الرواية، والقصة، والمسرحية؛ لأنّ المكان يشغل حيزاً رئيساً في بنيتها، وأرضية تتحرك عليها شخصياتها، بل يتعدى هذا الى ما يظهره العنصر المكاني من أنماط لتلك الشخصيات، وما يحيط بها، ويكشف عن أبعادها المختلفة، وهذا ما جعل هذه الدراسات تمتد الى الشعر الذي ظل زمناً بعيداً عنها، حتى أدرك عدد من الباحثين أهمية المكان في البينة الشعرية، فأخذوا يبحثون عن المكان في شعر الشعراء في مختلف العصور.
تتميز الحياة الأدبية لكل مدينة عن غيرها بميزة معينة ترجع إلى عدة عوامل وأسباب تؤثر فيها تأثيراً مباشراً، والاهتمام بدراسة أدب المدن يؤدي إلى وضوح المعالم فيها وفي أي حقبة زمنية كانت، فكيف بنا لو وقفنا أمام مدينة لا تخفى ولا تغيب عن قلوب المحبين ألا وهي (كربلاء)، تلك المدينة التي تهفو إليها أفئدة العرب خاصة والمسلمين عامة بسبب احتضانها مرقد سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي عليهما السلام وأهل بيته وأصحابه الصديقين.
أما أدبها فقد امتزج بواقعة كربلاء حيث انبعث من خلالها مختلف الألوان الأدبية التي تثير النفوس من خلال ثورة جامحة لا نستطيع ردها وصورة محمومة بالعاطفة والآلام والتوجع والزفرات، وحسب الأدب أن يكون له مثل واقعة الطف باحثاً وعاملاً يمدانه بالخلق والإبداع.
فجاءت هذه الدراسة مكونة من مقدمة، وتمهيد، وأربعة فصول، وخاتمة.
جاءت المقدمة كاشفة مادة هذه الأُطروحة، وترتيب خطتها، وبينّتُ في التمهيد أهمية المكان في النص الأدبي، والمكان لغةً واصطلاحاً، وكذلك إلمامة تاريخية موجزة عن كربلاء.
والفصل الأول: تناول كربلاء مكاناً طارداً ويقع في ثلاثة مباحث الأول: معاني كربلاء المقدسة، والمبحث الثاني: أرض كربلاء وقداسة تُربتها عند الشعراء، والمبحث الثالث: تحولات المكان الحسيني (الكربلائي) في الشعر العراقي.
ودرس الفصل الثاني، كربلاء مكاناً حسينياً جاذباً، عبر مدخل وستة مباحث، وقف الأول: على أنّ كربلاء روضة من رياض الجنة، والثاني: على أنّ كربلاء قبلة أنظار العالم، والثالث: على أن كربلاء مكان حسيني مزدهر، اما الرابع: المكان الحسيني رمزٌ ثوريٌّ، وكان الخامس: لغة الشعر، والسادس: الصورة الشعرية.
واهتم الفصل الثالث بدراسة: تحولات المكان الحسيني بعد واقعة الطف ويقع في ثلاثة مباحث هي: المبحث الأول: الدخول الى الكوفة، والمبحث الثاني: سبايا آل محمد صلى الله عليه وآله في الكوفة، والمبحث الثالث: الشام مكانٌ حسينيٌّ طاردٌ، والمبحث الرابع: تحولات المكان الحسيني (كربلاء) عند الشعراء غير المسلمين.
أما الفصل الرابع: فهو التشكيل البصري في شعر تحولات المكان الحسيني، وفيه ثلاثة مباحث، المبحث الأول: الشكل الشعري المقفى، والمبحث الثاني: الشكل الشعري الحر (قصيدة التفعيلة)، والمبحث الثالث: الشكل الشعري (قصيدة النثر).
في حقيقة الأمر لا يستطيع أحد أن يلم بتاريخ مدينة ما لاسيما مدينة كربلاء لأنها تعتبر منطقة حضارية عريقة لها أبعادها التاريخية وسماتها الدينية والثقافية وكل من يعثر على جديد يرى أن هناك حلقات مفقودة لم ينفض الغبار عنها من قبل والمجال واسع أمام الباحثين لاستخراج الكنوز الدفينة.
وقد أخذت مادة بحثي من دواوين الشعراء العراقيين المعاصرين، وكتب الشعر والأدب، حتى تكونت لدي مادة غزيرة أملت عليّ أن أرسم لها خطة تغاير الكثير من خطط الدراسات المكانية؛ للإحاطة بهذا التنوع المكاني الكبير، وجمع شعثه.
أما مصادر البحث فقد سعيتُ إلى أن تكون موضوعية، ومعروفة في الأوساط الأكاديميَّة، وذات طبعات جيدة بقدر الإمكان، وقد توزعت فيما بين الدواوين والمجاميع الشعريَّة، والمعاجم اللغوية، وكتب النقد القديمة والحديثة، وكتب الأدب وتاريخه، وكتب التحليل النفسي والاجتماعي للأدب، فضلاً عن كتب الحديث والتاريخ والفلسفة، مما هو مذكور في قائمة المصادر، ولم أحرم بحثي من الرسائل الجامعية والأطاريح. وقد كان منهجي في الدراسة المنهج التحليلي الوصفي للنصوص المدروسة.
وقد بذلت ما في وسعي من جهد، وآثرت العناء على الراحة، فإنّ أحسنت فذلك بفضل الله، وعسى أن يكون عملي هذا قربة إلى الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.