*تأليف: عبد الحسين راشد معارج
قال المؤلف في مقدمته:
القرآن الكريم هو المصدر الأول للإسلام، وأقدس كتاب لدى المسلمين وخاتم الكتب السماوية، وبه تثبت نبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبه تقوم الحجة على الناس جميعاً إلى يوم القيامة بالتزام الإسلام ديناً، لأنه معجزة، ولخلود مافيه من إعجاز وهو المصدر الوحيد قطعي الثبوت، بإجماع المسلمين لم تمتد إليه يد التحريف أو الزيادة أو النقصان، وهو النور الذي ينير طريق الإنسانية، فيحيل ليل جاهليتها نهاراً مشرقاً سماوياً متألقاً.
القرآن الكريم الكتاب الذي يحوي بين دفتيه ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم وهو الدستور الخالد للمسلمين في كل زمان ومكان، يحتوي على الغاية الأسمى التي تهدف إليها الإنسانية الذي {يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وإلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ}( ) والمهيمن على جميع الكتب السماوية، قال تعالى بعد ذكر التوراة والإنجيل {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ}( ) لذا عكف المسلمون الأوائل على دراسته والتبحر في معانيه، وكان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يكشف لهم ما استغلق من آياته المباركة، ويوضح ما أجمل من مفاهيمه، وهذا من دواعي النبوة بوصفه المرشد الأول والأمين الأكمل على وحيه، وضوء ذلك فإنّ ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من تفسير للقرآن الكريم عدّ أساساً للتفسير في نشأته الأولى، فلما التحق الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى شَمَّر أهل بيته وصحابته الكرام عن ساعد السعي الحثيث والجد الدؤوب في تعليم القرآن الكريم حفظاً وعملاً على نهج نبي الأمة صلى الله عليه وآله وسلم.
أما أهل البيت عليه السلام الذين فيهم وفي بيوتهم نزل كتاب الله فهم أعلم الأمة به، وهذا مما لا يحتاج إلى توثيق أو استدلال وليس من شك في ذلك، فلقد أحتل أهل البيت مكانةً مرموقةً ومقدسةً في الذهنية الإسلامية، وموقعاً مهماً في الوجدان الإنساني برمته، لما اتصفوا بخصالٍ محمودةٍ واشتملوا على صفات قل نظيرها في النوع الإنساني، علاوة على ما امتلكوه من صفة الإمتداد والربانية والعمق والأصالة، التي سمحت لهم بتجاوز جميع المواقع التي تدور في نطاق المسلمين العلمية والعملية معاً حتى أضحوا ترجماناً مقدساً لكل تطلعات الذين اعتنقوا هذا الدين الحنيف، وغيرهم من المحرومين الذين يقطنون سطح الكرة الأرضية.
إنَّ ذكر أهل البيت عليه السلام تماماً كالقرآن لاتبلى جدّته ولا يمل تكراره ومن لايؤمن بالقرآن والإسلام فإنّه يؤمن بالإنسانية وسيرة أهل البيت عليه السلام مصداق لكل خير وفضيلة، فالوفاء لهم واجب إنساني وعلمي بقدر ما هو واجب ديني وقرآني، كذلك إن محبتهم ومودتهم تكمن في إظهار علومهم ومعارفهم وهو من أعظم القربات عند الله تعالى، لذا تناول البحث علماً من أعلامهم سبط الأمة وسيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي عليه السلام قرين القرآن وَثَبَتَ عَن الرَّسول صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (علي مع القرآن والقرآن مع علي)( )، وهذا الحديث متفق عليه عند الفريقين، ومن البديهي أنَّ الأئمة عليه السلام جميعاً نور واحد متشابهون في الخصال والمميزات، فكما أنَّ علياً مع الحق والحق مع علي وعلي مع القرآن والقرآن مع علي كذلك الحسين مع القرآن والحق وهما معه والمهدي مع القرآن والحق وهما معه، وهكذا فحياة الأئمة (عليهم السلام) وسلوكهم تجسد للقرآن في حقيقته لذا تجد مولانا الحسين عليه السلام يتلو القرآن حتى وإن كان رأسه المقدس فوق رأس القنا فكان أعجب من أصحاب الكهف والرقيم، ولله در القائل:
وإذا بقرآن النبي على القنا
يهدي المضل طريقه وينور
وإذا حسين عن (محمد) ناطق
وإذا (محمد) في حسين يظهر
فهم القرآن الناطق وهم عدل القرآن بصريح قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عَليّ الحوض)( )، فالقرآن الكريم معصوم من الخطأ وكذلك الأئمة معصومون من الخطأ أيضاً، وكما أنَّ القرآن هدى ورحمة للمؤمنين كذلك الأئمة المعصومون عليهم السلام.
وما أثر عنه الكثير في مختلف العلوم الشرعية وغير الشرعية، لذا اختصت هذه الدراسة بما أثر عنه عليه السلام من تفسير للقرآن، وعلى حد علمي لم تكن هناك أي دراسة أكاديمية أو بحث منشور فيما يخص الروايات التفسيرية المروية عنه عليه السلام في أية جامعة حسب ما استقصيته، سوى ماكتبه بعض الأعلام وأهل التراجم، ومنهم الشيخ باقر شريف القرشي رضي الله عنه في كتابه (حياة الحسين عليه السلام) الذي استفدت منه كثيراً، أما ما كتبه الآخرون فيغلب عليه الحديث عن منهجه البطولي والثوري عليه السلام، وأما ماكتبه الدكتور عبد الرسول الغفاري (الحسين عليه السلام من خلال القرآن الكريم)( ) فهو تأويل للنصوص القرآنية بما يطابق المنهج الحسيني، أما ما قام به السيد محمد علي الحلو فكان جمعاً للروايات ولاسيما التفسيرية وليس جميعها، وكان هذا الجهد جهداً عظيماً يشكر الباحث عليه وقد سمى كتابه (تفسير الإمام الحسين)( ).
أما فيما يخص الدراسات الأكاديمية نذكر دراسة الماجستير للباحث إسماعيل محمود محمد عيسى الجبوري بعنوان (فقه الحسنين عليهما السلام)( ) فقد اختصت بالروايات الفقهية ذاكراً ست راويات فقهية فقط عن الحسين عليه السلام أربع مشتركات مع الإمام الحسن عليه السلام واثنتان فقط من مرويات الإمام الحسين عليه السلام وفيه من التجنّي على الإمام الحسين عليه السلام كونه عليه السلام عملاقاً في كل العلوم فضلاً عن العلوم الشرعية، وقد أحصيت عدداً كبيراً من الروايات الفقهية لتكون أوسع أطروحة فقهية تخص الإمام الحسين عليه السلام.
ومنهج هذه الدراسة على نحو عام كان الباحث موضوعياً بعيداً عن التعصب والهوى مبرزاً بشكل خاص ما للإمام الحسين عليه السلام من أثر واضح في علوم القرآن، دون التجني على جهود الآخرين، لأن هدف الجميع هو خدمة كتاب الله العزيز وبيان مراميه بإخلاص وتفانٍ قل نظيرهما في التراث الفكري، وكانت معاملتي للروايات على أساس السند والمتن، فقدمت ترجمة لرواة الإمام الحسين عليه السلام وأرجعت الروايات إلى القرآن والسنة المطهرة، وربما أقوم بتثبيت نسبة الروايات إلى الإمام الحسين عليه السلام التي قد ينكرها البعض وذلك بالرجوع إلى مصادر الحديث والرجال، وحسب القواعد المعلومة، وقد اقتضت هذه الأطروحة أن تقسم على خمسة فصول:
الفصل الأول: حياته ورواته، تناولت فيه الحياة الشخصية والاجتماعية والفكرية والسياسية وأسباب النهضة الحسينية ومعطيات ليلة عاشوراء ثم ترجمة لرواته عليه السلام وقد أثبت رأي علماء الرجال بكل أمانة علمية فضلاً عن رأي الباحث بعيداً عن التعصب والهوى وقد انتظم هذا الفصل على ثلاثة مباحث: المبحث الأول الحياة الشخصية والاجتماعية، المبحث الثاني: الحياة السياسية، المبحث الثالث: رواته عليه السلام.
الفصل الثاني: الروايات التفسيرية عند الإمام الحسين عليه السلام في القرآن الكريم وعلومه، وتكوّن هذا الفصل من أربعة مباحث.
الأول: القرآن الكريم وفضله، والثاني: أسباب النزول، والثالث: التأويل ومنهجه التفسيري، والمبحث الرابع: عناوين متفرقة.
الفصل الثالث: الروايات التفسيرية عند الإمام الحسين عليه السلام في تفسير آيات العقائد، وقد انتظم هذا الفصل على ثلاثة مباحث في التوحيد والنبوة والإمامة، وهذا الفصل من أوسع الفصول.
الفصل الرابع: الروايات التفسيرية عند الإمام الحسين عليه السلام في الفقه الإسلامي، وقد انتظم هذا الفصل على ثلاثة مباحث في العبادات والعقود والإيقاعات والأحكام، وكان هذا الفصل أقل الفصول حجماً لقلة الروايات التفسيرية الواردة فيه.
الفصل الخامس: الروايات التفسيرية عند الإمام الحسين عليه السلام الأخلاقية والتربوية، وقد انتظم هذا الفصل على ثلاثة مباحث:
صفات المؤمنين، التربية والتعليم، تهذيب النفس، وبعد ذلك خاتمة لأهم ما توصلت إليه فضلا عن قائمة بأسماء المصادر والمراجع.
وقد فصلت في جميع ما تقدم رأي الإمام الحسين عليه السلام ثم قمت بتحليل النص بالرجوع إلى كتب اللغة والمعاجم لتوضيح الألفاظ الغريبة، واضعاً معناها في الهامش أو المتن عند الحاجة إلى ذلك، ثم الاستدلال بالقرآن الكريم والسُنة المطهرة وأقوال العلماء والفقهاء والمفكرين فإن عسر عليّ شيء استشرت واستفهمت أهل الاختصاص كأساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وأساتذة الدراسات العليا في جامعة الكوفة وغيرها، لذا تنوعت مصادر البحث من مصادر ومراجع: مثل كتب علوم القرآن والتفسير والحديث والفقه والكلام والتاريخ والأخلاق والطب فضلاً عن كتب اللغة والمعاجم وغيرها.
أما الصعوبات التي واجهتها فلن أتحدث عنها لأن كل باحث يمر بها، وفي الختام أوجه شكري لأساتذتي المشرفين الأستاذ الدكتور صباح عباس عنوز والأستاذ المساعد الدكتور محمود محمد مجبل لما بذلاه من جهد جهيد معي.
لقد حاولت بهذا الجهد المتواضع أن أكشف عن أهم الروايات التفسيرية الواردة عن الإمام الحسين عليه السلام داعياً المولى القدير لبلوغ مابه النجاة قبل الممات وبعده، وأن ينال هذا البحث رضا الله سبحانه وتعالى وأهل بيته الكرام أولاً ورضا أساتذتي الكرام ويقر عيونهم بطلبتهم فما هو إلا من ثمار جهودهم ساعياً بالشكر الوافر والامتنان الخالص داعياً من الله الحسنى وجعل عاقبتهم للتي هي أزكى والله من وراء القصد.