*شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية
وجود بعض الكرامات والمعاجز بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام دلالة واضحة على أنّها قضية كونية مقدّسة ولها مبدأ وسلوك قد ثبّتها الله تبارك وتعالى، لسير المجتمع الإسلامي وفق هذه المبادئ والسلوكيات.
لم يذكر التاريخ موقفاً مشابهاً لما حدث بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام آنذاك، وحتى يومنا هذا قد نرى بعض الكرامات، حيث هناك كرامات ومعاجز إن لم تكن يومية فهي تحدث في الشهر أو في السنة دائماً.
خاصية الثورة الحسينية
قضية الإمام الحسين عليه السلام قضية خاصة مرتبطة بالكون، فبكاء الحيوانات والبحار والجبال على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله قضية ربانية وكونية.
فالحوادث في مقتل الإمام الحسين عليه السلام وفق قوانين الطبيعة وقوانين الكون خاصة.
يذكر الشيخ الطبراني في كتابه (مقتل الحسين عليه السلام) أموراً غريبة حدثت عند مقتل الحسين عليه السلام من قبيل أن السماء مطرت دماً وأنّه لم يرفع حجر من بيت المقدس إلا ووجد تحته دم عبيط.
كذلك يذكر (فريد وجدي) في (دائرة معارف القرن العشرين) أموراً كونية حدثت منها تغير السماء وماء أحمر ظهر على الأرض وغيرها فلولا أنّها قضية ربانية لما تغير الكون بذلك.
فقضية الإمام الحسين عليه السلام هي استثنائية عالمية بل كونية ربانية فهكذا أراد الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام أن تبدأ قضية الإمام الحسين عليه السلام ولا تنتهي فهي مشروع ثوري إصلاحي لا يتوقف إلى يوم القيامة.
المجالس الحسينية والكرم الحسيني
إنّ حب النّاس والتدافع بالإطعام في المجالس الحسينية تمثل قيمة إنسانية مطلوبة في المجتمع فإنّها قيمة نبعت من ثورة الإمام الحسين عليه السلام وتأصلت وأصبحت من القيم الثابتة في المجتمع فهنالك الكثير من الروايات التي تحبب إطعام الطعام وإفشاء تلك القيمة في المجتمع حتى أصبحت عرفاً دارجاً لدى الشيعة خاصة والمسلمين عامة.
فعَنِ الْحَسَنِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ نَاصِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عُمَرَ ابْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام لَبِسْنَ نِسَاءَ بَنِي هَاشِمٍ السَّوَادَ وَالْمُسُوحَ وَكُنَّ لاَ يَشْتَكِينَ مِنْ حَرٍّ وَلاَ بَرْدٍ وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَعْمَلُ لَهُنَّ الطَّعَامَ لِلْمَأْتَمِ».(المحاسن:٢/٤٢٠)
ذكر المحدث القمي في كتابه (الكنى والألقاب) في المجلد الثالث (كان عبد الله بن جدعان يسكن مكة وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جالساً مع مجموعة من الأصحاب في المدنية فجاء خبر وفاة عبد الله بن جدعان، فقال النبي صلى الله عليه وآله: «إنّ النار لا تمس جسد عبد الله بن جدعان» قالوا: لماذا يا رسول الله؟ قال: «لأنّه كان يحب إطعام الطعام».
فإنّ الإطعام في المجالس الحسينية لها بركات دنيوية فضلاً عن الفائدة الأخروية، إنّ الإطعام في مجالس سيد الشهداء عليه السلام قد يأتي بالبركات الإلهية إلى الشخص، فضلاً عن الرحمة الإلهية التي تشمل الشخص في الآخرة بسبب الإطعام.
المسير إلى الحسين عليه السلام كالمسير إلى الله
إنّ الإنسان في المنظومة الفكرية الربانية وفي شرائع السماء قاطبة هو خليفة الله في الكون فالله سبحانه وتعالى هو الخالق وهو الكمال المطلق، كرَّم الإنسان وأعطى له صلاحية الكمال.
جاء في الحديث القدسي: (عبدي أطعني تكن مِثْلي أو مَثَلي تقول للشيء كن فيكون).
فالإنسان باعتباره خليفة الله يجب أن يكون في قمة الأخلاق وفي قمة السمو الروحاني والنفسي وكما قيل في الحديث الشريف: «تخلقوا بأخلاق الله» فالله سبحانه وتعالى له الكمال المطلق فهو في قمة السمو وهذا يفوق تفكيرنا.
والشريعة المقدسة وضعت مختلف الأساليب لتهذيب الإنسان والسير به نحو الكمال ومن تلك الطرق طريقة القدوة.
فالإمام الحسين عليه السلام الذي بلغ مراتب سامية من الكمال أصبح قدوة لمن أراد السلوك إلى الله سبحانه وتعالى، ونجد ذلك واضحاً في زيارات الإمام الحسين عليه السلام والتي تعتبر مدرسة سلوكية للإنسان فنجد عباراتها تؤثّر في الموالي.
حينما نقرأ في الزيارة المباركة (أشهد أنّك طهر طاهر مطّهر من طهر طاهر مطّهر طُهرت وطهرت بك البلاد) فهذه العبارات تجعلنا نشعر بأهمية الطهارة الروحية والمادية، كذلك نجد عبارة (أشهد أنّك أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر) نشعر بأهمية الصلاة ووجوب الزكاة وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
ثورة الحسين عليه السلام نشاط للأُمة
إنّ طرق تنشيط الأمة كثيرة إلا أنّ أفضل الطرق إلى الشريعة المقدسة وإلى روح التشريع الإسلامي هو الطريق الأسرع والأقرب.
فظاهرة المجالس الحسينية السير إلى الحسين عليه السلام هي من أقرب الطرق إلى تنشيط الأمة وعدم خمولها.
فهي طريق وسلوك روحاني تربط الأُمة بقيم الحسين عليه السلام الذي يمثل بدوره مجمل السلوكيات الربانية لذلك نجد كثيراً من الروايات تحثّ على زيارة الحسين عليه السلام والبكاء على مصابه.
فهناك من الروايات أعطت الجنة وما فيها لمن عرف الحسين عليه السلام حق معرفته.
فعلى الرغم أن زيارة الإمام الحسين عليه السلام مستحبة إلا أنها تحتاج إلى جهد نفسي عظيم لذلك أُعطيت ذلك الثواب.
لماذا يحاول الأعداء إطفاء الثورة الحسينية؟
إنّنا نجد وعلى مر العصور أنّ أعداء الثورة الحسينية من الطواغيت يحاولون إطفاء تلك الثورة فكانوا يرغبون في عدم التأثر بالحسين عليه السلام لذا حاولوا مراراً وتكراراً منع زيارة الحسين عليه السلام فضلاً عن التضييع على الشيعة.
حتى وصل الأمر إلى محاولة هدم وإلغاء قبر الحسين عليه السلام كما فعل المتوكل العباسي لعنه الله، فلولا أنّها تمثل الهداية الإلهية لما منعوا الزيارة، والتوسل بالحسين عليه السلام.
فزيارته عليه السلام تمثل مظهراً من مظاهر التمرد ضد الظالمين، فالأئمة عليهم السلام كانوا يحثون شيعتهم على زيارة الإمام الحسين عليه السلام والتأثر بثورته ومبادئه رغم كل الظروف.
فقد روي أنّ رجلاً جاء إلى الإمام الصادق عليه السلام وقال له: إنّنا في مدينة نأتي إلى زيارة الحسين عليه السلام عبر البحر وفي بعض الأحيان يكون البحر هائجاً فهل نذهب إلى زيارة الإمام الحسين عليه السلام وخاصة أنّنا نخاف انقلاب السفينة قال لهم الإمام الصادق عليه السلام: «اخرجوا لزيارة جدي الحسين فإن انقلبت فإنّما تنقلب في الجنة».