*الشيخ حسين الخشن
من الواضح أنّ السياسة الأموية أسست أساس الظلم والاستبداد على المجتمع الإسلامي من بعد رحيل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وحتى يومنا هذا.
فمما لا شك فيه أنّ من سياسة الظلم والقهر الأموي هو الهدر والقهر الذي حكم به المسلمين بعد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بمساعدة ومساندة بعض الصحابة من أصحاب السلطة والحكم.
فهناك ما هو أسوأ من ذلك، وهو الانقلاب الكبير في المفاهيم والأفكار والعقائد، بعد الانقلاب الجماعي الذي حدث بعد رحيل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بثلاثة أيام.
فالانقلاب في المفاهيم والأفكار شكّل انحرافاً فكرياً وعقدياً خطيراً، أساء إلى صفاء الإسلام في عقيدته وشريعته ومفاهيمه، مع الإشارة إلى دور الإمام الحسين عليه السلام في مواجهة هذا الانحراف المفاهيمي.
وعلينا أن نلاحظ أنّ المفاهيم التي تمّ تزويرها لم تكن مبتدعة بالكليّة، إنّما لها أصل إسلامي في الكتاب أو السنّة، لكن الأهواء ويد السياسة عملت على تحريفها وتفسيرها تفسيراً خاطئاً، من أجل مصالحها وأهدافها الخاصة.
أولاً: الاعتزال
يأتي على رأس المفاهيم المزوّرة مفهوم العزلة الذي كان الكثيرون يتستّرون به، هرباً من نصرة الحق وبذل المال والنفس في مواجهة الباطل، وإنّنا نلاحظ أنّ فكرة الاعتزال قد ظهرت في عهد أمير المؤمنين عليه السلام، حيث اعتزله جماعة ولم يشتركوا معه في حروبه ولا اشتركوا مع أعدائه، بل اختاروا الجلوس على التل، ومن هؤلاء عبد الله بن عمر وسعيد بن مالك، وقد جاء في نهج البلاغة أنّ الحارث بن حوط أتى أمير المؤمنين فقال: أتراني أظن أنّ أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟ فقال عليه السلام: «يا حارث إنّك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك فحِرت، إنّك لم تعرف الحق فتعرف من أتاه ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه».
فقال الحارث: فإنّي اعتزل مع سعيد بن مالك وعبد الله ابن عمر، فقال عليه السلام: «إنّ سعداً وعبد الله بن عمر لم ينصرا الحق ولم يخذلا الباطل».(نهج البلاغة:٤/٦٣)
فهو عليه السلام يريد التأكيد على أنّ معركته هي معركة الحق ضد الباطل «علي مع الحق والحق مع علي».(أمالي الصدوق:١٥٠)
وعندما يكون الصراع صراع حق وباطل، فالمطلوب من كل مسلم أن يخذل الباطل وينصر الحق، لا أن يكون حيادياً؛ لأنّه لا حيادية بين الحق والباطل.
نعم إنّما يكون الحياد أو الاعتزال مبرراً شرعاً في جو الفتن التي لا يعرف فيها الحق من الباطل، فحينئذٍ يكون الموقف كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: «كن في الفتنة كابن اللبون، لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب»، ولكن هذا لا ينطبق على معركة علي عليه السلام مع خصومه، ولا معركة الحسين عليه السلام مع يزيد وأتباعه.
وهكذا قد تكون العزلة محمودة إذا كانت تمثل الفرصة المثلى لحفظ الدين وحماية النفس عن الانحراف والسقوط تحت ضغط الواقع الفاسد، وهذا ما امتدح به الله سبحانه الفتية من أهل الكهف، قال سبحانه: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقا}.[الكهف:١١٦]
وربّما مثلت العزلة احتجاجاً على الواقع الفاسد في محاولة لإيقاظ الضمائر ودعوتها إلى التفكير، والعودة إلى الذات، ولعلّ هذا هو السّر وراء اعتزال خليل الله إبراهيم عليه السلام عن قومه، قال تعالى: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا..}.[مريم:٤٨-٤٩]
وفي هذا السياق نفهم الروايات التي تعتبر العزلة نوعاً من العبادة، أو أنّ فيها سلامة الدين، ففي الحديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنّه قال: «العزلة عبادة».(أعلام الدين:٣٤١)
وعنه صلى الله عليه وآله أيضاً قال: «العزلة سلامة».(كنز العمال:٣/٣٧٢)
وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه قال: «سلامة الدين في اعتزال الناس».(مستدرك الوسائل:١١/٣٩٣)
أمّا فيما عدا ذلك، فإنّه لا محلّ شرعاً للعزلة، بل ربّما شكّلت خيانةً للأمّة وتخاذلاً عن نصرة الحق، وإنّنا نعتقد أنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام لما تمثّله من شرعيّة إسلاميّة قد فضحت هذا المفهوم، فَضَحَته بمواقف رجالاتها وأبطالها الذين أبوا الجلوس على التل، أو أن يسمعوا داعية الحسين عليه السلام دون أن يجيبوه، وقد سجّلت بعض النصوص والزيارات إدانة ليس فقط للذين شاركوا في قتل الإمام وأهل بيته عليهم السلام، بل لكلّ الذين سكتوا عن نُصرته، أو رضوا بقتله، لأنّ (الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم).(نهج البلاغة:٤/٤٠)
وقد ظهرت ثمرة ذلك سريعاً، فأحسّ المجتمع الكوفي بالندم وسيطر هذا الشعور على النفوس التي سرعان ما تفجّرت غضباً في وجه قتلة الإمام الحسين عليه السلام من خلال حركة التوابين، في محاولة لتلافي التقصير، والتكفير عن الذنب الكبير في خذلانه وتركه وحيداً في أرض الطفوف.
ثانياً: عقيدة الجبر
من جملة المفاهيم العقائدية الخاطئة التي أسهمت في تخدير الأمّة الإسلامية وشلّ إرادتها وتقاعسها عن نصرة قضايا الحق والعدل مفهوم (القضاء والقدر) الذي قدّم وفُسّر بطريقة خاطئة، ليُصبح مرادفاً لفكرة الجبر وسلب إرادة الإنسان، هذا على الرغم من أن أصل المبدأ صحيح وسليم، وقد أكّد القرآن عليه في عدة آيات، قال تعالى: {فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْن}.[فصلت:١٢]
وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى}.[الأعلى:٢-٣]
والقضاء بمعنى (فصل الأمر قولاً كان أو فعلاً).(مفردات الراغب، مادة: قضى).
والقدر والتقدير: تبيين كمية الشيء.(مفردات الراغب، مادة: قدر).
وفي الخبر عن الإمام الرضا عليه السلام وقد سأله يونس عن معنى القدر فقال: «هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء»، ثم قال: «والقضاء: هو الإبرام وإقامة العين».(الكافي الشريف: ١/١٥٨)
ما هي الخلفية السياسية لعقيدة الجبر؟
ربّما كان تبنّي بعض الناس لعقيدة الجبر منطلقاً من جمودهم على بعض الظواهر، أو سوء فهمهم لبعض الآيات القرآنية التي تتحدّث عن عموم قدرة الله تعالى كقوله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْر}.[الأعراف:٥٤]
وقوله تعالى: {وَما تَشاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ}.[التكوير:٢٩]
وقوله عزّ وجل: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُون}.[الصّافات:٩٦]
وغيرها من الآيات التي يتراءى منها لأول وهلة أنّ الله سبحانه هو الخالق لأفعال الإنسان بما قد يسلبه الاختيار، وطبيعي أنّ هذا الفهم خاطئ ومرفوض؛ لأنّ خالقيته تعالى لأفعال العباد لا تعني سلب الاختيار عن الإنسان ليُصبح مجرد آلة، بل الفعل صادر عن العبد باختياره، ومع ذلك يصحّ نسبته إلى الله سبحانه، بلحاظ مالكيته للإنسان ولكل أفعاله، وهو الذي أعطاه القدرة والقوّة على الفعل حتى في حال صدور المعصية منه، وهذه النظرية هي التي تسمى بنظرية (الأمر بين الأمرين) التي أكّد عليها أئمة أهل البيت عليهم السلام وعُرفوا بها في مقابل نظريتّي الجبر والتفويض.
ولكنّ البعض الآخر من القائلين بالجبر ينطلقون من خلفيات غير سليمة؛ لأنّهم تمسّكوا بها تهرباً من مسؤولياتهم وتبريراً لتفلّتهم وانحرافهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله عن هذه الفئة بقوله: «سيأتي زمان على أمّتي يؤوّلون المعاصي بالقضاء، أولئك بريئون منّي وأنا بريء منهم».(الصراط المستقيم:٣٢)
كما أنّ فئة ثالثة يقف وراء تمسّكهم بهذه العقيدة هدف سياسي، وهو محاولة تبرير تسلّطهم على رقاب الناس، والسعي إلى تحييد الجماهير عن ساحة الصراع؛ لأنّ هذه العقيدة إذا ما بُثت في الأمّة فإنّها تمهّد لتخدير الناس ودفعهم إلى اليأس من إمكانية التغيير السياسي والاجتماعي، بحجّة أنّ الله هو مالك المُلك يؤتي المُللك من يشاء وينزع الملك ممّن يشاء ويعزّ من يشاء.
ولهذا رأينا أنّ السلاطين الأمويين ومن سار في نهجهم وركابهم كانوا على رأي المروجين لهذه العقيدة، ليقولوا للناس: إنّ الله هو الذي قدّر أن يكون معاوية أو يزيد لعنهما الله خليفة للمسلمين، ولا مردّ لقضاء الله وقدره! وأنّ ما جرى على الحسين عليه السلام في كربلاء كان بتقدير الله وفي علمه وإرادته، فلا تلقوا باللائمة على يزيد أو ابن زياد أو عمر بن سعد لعنهم الله! إلى غير ذلك من الأغراض السياسية التي أريد تمريرها تحت غطاء عقيدة يُدّعى انتسابها إلى القرآن والإسلام، وقد عرف عن معاوية أنّه: (أول من زعم أنّ الله يريد أفعال العباد كلها) ولما عيّن، يزيد خليفة واعترض عليه عبد الله بن عمر أجابه: (إنّ أمْرَ يزيد قد كان قضاءً من القضاء وليس للعباد خيرة من أمرهم).(الإمامة والسياسة:١/١٦١)
وعلى المنوال نفسه سال يزيد، فإنّه لما ورد عليه موكب السبايا إلى الشام، قال مخاطباً الإمام زين العابدين عليه السلام: (يابن حسين، أبوك قطع رحمي وجهل حقي ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت).(إعلام الورى:١/٤٧٤)
فيزيد يعتبر أنّ ما جرى على الإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام في كربلاء هو مما صنعه الله بهم لا مما جنته يداه الآثمتان، وبنفس هذه اللغة تكلم عبيد الله بن زياد مع العقيلة زينب عليها السلام فإنّه لما أدخلت عليه إلى قصر الإمارة في الكوفة قال لها: (كيف رأيتِ صنع الله بأخيك وأهل بيتك) فقالت: «ما رأيت إلاّ جميلاً».(الملهوف على قتلى الطفوف:٢٠١)
عقيدة الجبر عند المشركين والأحبار
نلاحظ أنّ بعض الآيات القرآنية نصّت على أنّ المشركين كانوا يبررون شركهم وعبادتهم للأصنام بإرادة الله لهم ذلك، قال سبحانه: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ}.[الأنعام:١٤٨]
ونقل عنهم أيضاً: {…لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُون…}.[الزّخرف:٢٠]
ما يعني أنّ هذه العقيدة الباطلة كان لها انتشار في الوسط الجاهلي، وربّما ظلت رواسبها في أذهان البعض حتى بعد إسلامهم.
وتشير بعض الشواهد التاريخية إلى أنّ وهب بن منبه، وهو من مسلمة أهل الكتاب الذين أكثروا النقل والرواية عن الإسرائيليات، كان من المروّجين لفكرة الجبر ونفي الاختيار عن الإنسان، حيث يقول: (كنت أقول بالقدر حتى قرأت بعضة وسبعين كتاباً من كتب الأنبياء في كلها: من جعل لنفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر فتركت قولي).(تاريخ دمشق:٦٣/٣٨٦)
محاربة عقيدة الجبر
عند مراجعتنا للمصادر الروائية والتاريخية نجد أنّ لهذه العقيدة أنصاراً في عهد أمير المؤمنين عليه السلام الذي قام كسائر أئمة أهل البيت عليهم السلام بمحاربتها وتفنيدها وبيان بطلانها ومنافاتها للقرآن الكريم وسنّة الرسول صلى الله عليه وآله، فقد روي أنّه جاء رجل إليه بعد انصرافه من حرب صفين، فقال له: (يا أمير المؤمنين أخبرني عمّا كان بيننا وبين هؤلاء القوم من الحرب، أكان بقضاءٍ من الله وقدر؟، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «مَا عَلَوْتُمْ تَلْعَةً وَلاَ هَبَطْتُمْ بَطْنَ وَادٍ إِلاَّ بِقَضَاءٍ مِنَ اللهِ وَقَدَر».(الكافي الشريف:١/١٥٥)
فقال الرجل: فعند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين! فقال له: «ولِمَ؟»، قال: إذا كان القضاء والقدر ساقانا إلى العمل، فما وجه الثواب لنا على الطاعة، وما وجه العقاب لنا على المعصية؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: «أَوَ ظَنَنْتَ يَا رَجُلُ أَنَّهُ قَضَاءٌ حَتْمٌ وَقَدَرٌ لازِمٌ! لاَ تَظُنَّ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقَوْلَ بِهِ مَقَالُ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَحِزْبِ الشَّيْطَانِ وَخُصَمَاءِ الرَّحْمَنِ وَقَدَرِيَّةِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَمَجُوسِهَا إِنَّ اللهَ جَلَّ جَلاَلُهُ أَمَرَ تَخْيِيراً وَنَهَى تَحْذِيراً وَكَلَّفَ يَسِيراً وَلَمْ يُطَعْ مُكْرِهاً وَلَمْ يُعْصَ مَغْلُوباً وَلَمْ يَخْلُقِ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً {ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّار}[ص:٢٧].(الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد:١/٢٢٦)
فقال الرجل: فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين؟ قال عليه السلام: «الأَمْرُ بِالطَّاعَةِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَالتَّمْكِينُ مِنْ فِعْلِ الْحَسَنَةِ وَتَرْكِ السَّيِّئَةِ وَالْمَعُونَةُ عَلَى الْقُرْبَةِ إِلَيْهِ وَالْخِذْلاَنُ لِمَنْ عَصَاهُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالتَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ كُلُّ ذَلِكَ قَضَاءُ اللهِ فِي أَفْعَالِنَا وَقَدَرُهُ لأَعْمَالِنَا فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلاَ تَظُنَّهُ فَإِنَّ الظَّنَّ لَهُ مُحْبِطٌ للأَعْمَالِ»، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَرَّجْتَ عَنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَرَّجَ اللهُ عَنْكَ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
أَنْتَ الإِمَامُ الَّذِي نَرْجُو بِطَاعَتِهِ
يَوْمَ الْمَآبِ مِنَ الرَّحْمَنِ غُفْرَاناً
أَوْضَحْتَ مِنْ دِينِنَا مَا كَانَ مُلْتَبِساً
جَزَاكَ رَبُّكَ بِالإِحْسَانِ إِحْسَانا
ويبقى لثورة الحسين عليه السلام دور كبير في تفنيد هذه العقيدة ومحاربتها، بل وكل العقائد المنحرفة الخاطئة، فقد جسّدت هذه الثورة بالفعل لا بالقول اختيار الإنسان وحريته في اختيار مصيره، كما أنّها أكّدت على هذه الحقيقة من خلال امتداداتها، فقد ذكر في كتب السيرة أنّه لما أدخل السبايا على ابن زياد التفت إلى علي بن الحسين عليه السلام وقال: من هذا؟ قيل: علي بن الحسين، فقال: أليس قد قتل الله علي ابن الحسين؟!
فقال له عليه السلام: «قد كان لي أخ يسمى علي ابن الحسين قتله الناس»، فقال ابن زياد: بل الله قتله! فقال علي عليه السلام: {اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها}.[الزمر:٤٢]
فقال ابن زياد: وبك جرأة على جوابي، اذهبوا به فاضربوا عنقه).(الملهوف:٢٠٢)
وهكذا نستطيع أن نقول: إنّ جملة من الثورات والحركات التي قامت بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام كانت خير تعبير على نجاح هذه الثورة في إعادة الحريّة والإرادة إلى الأمّة وإسقاط نظرية الجبر من نفوس الثائرين والأحرار.