*حيدر الوائلي
يقف الليل دائماً وهو ينتظر رؤية النهار، ويقف النهار ينتظر وصول الليل، ولكن لسوء حظهما فإنهما عادة يذهبان بمجرد وصول أحدهما.
فترى أن الليل يتعب من الانتظار فيذهب في اللحظة نفسها التي يأتي فيها النهار، وهكذا النهار ينفد صبره ويرحل في نفس لحظة هبوط الليل، واقعاً أنها حياة غريبة يعيشها الأخ مع أخوه.
والغريب وعلى الرغم من كونهما إخوة إلاّ أنهما لم يرَ أحدهما الآخر أبداً وكانت وسيلة الاتصال الوحيدة بينهما هي دقائق بسيطة حين الفجر والغروب وتكون بواسطة حاجز دخاني كبير.
ذات يوم استغل الليل هذه الدقائق في طرح بعض الأسئلة على النهار!
فقال له وكانت أيام محرم الحرام هي الحاكمة على الكون!
فقال له: أخي العزيز ما هي فائدة محرم؟ وما هي الحكمة منه؟
بعبارة أخرى ما موقعية محرم في الواقع الديني؟
فقال النهار: لا فائدة فيه!
فقال الليل: ماذا؟
فقال النهار: مبتسماً كنت أمزح معك فقط!
الحقيقة أنّ محرم هو المشروع الإلهي الأكبر من أجل المحافظة على جوهر الدين.
وباختصار شديد إنّ محرم يمثل الجامعة التي يتخرج منها المهدويون!
فقال الليل: وكيف هذا؟
قال النهار: محرم الحرام وقضية سيد الشهداء منذ كانت وهي تعمل في خطين متوازيين!
الخط الأول هو خط المشاعر والبعد العاطفي فهو خط يعمل على تجييش المشاعر التي بدورها تقود الإنسان إلى الخط الثاني وهو العمل بما يناسب هذه المشاعر!
وحقيقة هذا هو السر الإلهي الذي به عاشت وترعرعت قضية الحسين عليه السلام في المجتمع!
قال الليل: هل يمكن أن تشرح لي أكثر؟
أجاب النهار: نعم بكل سرور!
إنّ الله خلق الإنسان وجعل المحرك الرئيسي الذي يقوم بتحريك الإنسان هو البعد العاطفي!
فالعاطفة المحرك الرئيسي للإنسان، فترى أن الإنسان يقرر ويعمل ويفكر وكل ذلك له مادة أساس وهي العاطفة ولهذا السبب نرى أن الدول الآن حين تريد التأسيس لمشروع معين وتريد إقناع المجتمع البشري به فإنّها تركز على الجانب العاطفي بالأساس!
والسماء أيضاً استخدمت هذا المبدأ نفسه في تجييش المجتمع!
فإنّ مشروع السماء الأكبر هو الدولة المهدوية كما هو واضح وهذه الدولة المهدوية بحاجة إلى تأسيس وإلى مقبولية مجتمعية وإلى دعم إنساني كبير وهنا تكمن مهمة عاشوراء في هذا البعد منها!
فإذا كان الحسين مظلوماً والذي يطلب بثأره هو ولده الحجة فإن كل المشاعر الجياشة والحرقة القلبية التي زرعت في الوجدان الشيعي تقود المجتمع نحو الإمام المهدي باعتباره الجهة التي تمثل الحسين عليه السلام وفي الوقت نفسه الجهة التي تطلب ثأره.
وهذا بالضبط ما خلاصته أن مشروع السماء يطير بجناحي الظلامة والأمل!
فالظلامة جوهرها الحسين عليه السلام، والأمل جوهره المهدي صلوات الله وسلامه عليهما!
فقال الليل: نعم نعم نعم لقد فهمت الآن قصدك ولكنّ سؤالي الأخير هو كيف تستثمر هذه المشاعر في قضية مشروع السماء والدولة المهدوية؟
قال النهار: الطرق كثيرة وهي بالفعل بعدد أنفاس الخلق فكل إنسان يتفاعل مع تلك الظلامة بما يناسبه ولكنّ هنالك عنواناً يجمع كل تلك الطرق وهو عنوان (الشعائر الحسينية).
فما هي الشعائر الحسينية؟ وما مدخليتها في إنجاز مشروع السماء؟
وهذا السؤال بعد تلك المقدمة أصبح جوابه واضحاً جداً!
الشعائر الحسينية هي ممارسات خارجية يقوم بها المتأثر بالقضية الحسينية بشكل فردي أو بشكل مجموعات بطريقة تتناسب وتتلاءم مع عقلية الفرد والمجتمع!
ولمّا كانت العقول متباينة في إدراكها وفي حدودها وفي معرفتها فإنّ تفاعلها مع القضية الحسينية سيكون أيضاً متبايناً بحسب عقل الفرد وتوجه المجتمع.
أما كيف تسهم الشعائر الحسينية بمختلف أشكالها في التمهيد لمشروع السماء؟
فإنّ الجواب أيضاً بعد تلك المقدمة واضح جداً وهو أن الشعائر في بعدها الخارجي والتطبيقي تشبه المسمار الذي يثبت ألواح السفينة.
فالشعائر مسمار يثبت العقيدة في الوجدان الشيعي.
بل وأكثر من ذلك فهي تشبه ذلك المنفاخ الذي يزيد من توهج الجمرة فالشعائر تعمل عمل المنفاخ الذي يزيد من توهج شعلة الاقتداء بالحسين وطلب ثأره مع ولي دمه وهو الحجة صلوات الله وسلامه عليهما.
ومن هذا الباب ستكون الشعائر الحسينية جامعة يتخرج منها الممهدون لمشروع السماء الأزلي الذي سعى كل الأنبياء لتهيئة الأرضية المناسبة له.
فقال الليل: أشكرك جدا أخي العزيز فإن الوقت قد حان لكي اذهب وغدا سوف نتكلم عن مسألة الأنبياء هذه!
فقال النهار: سوف أكتب الجواب لك الآن وأضعه في صندوق المعلومات فأنا غداً سأكون مشغولاً في إعادة هيكلة الفصول الفكرية الأربعة.
أما موقع الأنبياء من قضية الحسين فليس أمراً خفياً عن الناس وعن المجتمع فإن الأنبياء كلهم شاركوا بشكل أو بآخر في قضية إحياء أمر سيد الشهداء وليس كلامي الآن بهذه النقطة بل إن كلامي هو حول الهدف منها.
كلنا نعرف أن هدف الأنبياء هو هداية الخلق وإقامة المشروع السماوي.
وكلنا نعرف أيضاً أن الأنبياء لم يحققوا هذه الغاية.
إذاً ما الذي قام به الأنبياء؟
الجواب: إنّهم مهدوا للنبي الخاتم صلى الله عليه واله وسلم الذي بدوره مهد لمشروع دولة ولده الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف عن طريق مشروع الغدير الذي بسبب خيانة الأمة له تأسس مشروع الطف وبدأ مشروع الحسين عليه السلام.
فالأنبياء عليهم السلام في جوهر دعوتهم تجد الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف والحجة المنتظر في جوهر مشروعه تجد الحسين عليه السلام والحسين في بعده التطبيقي تجد الشعائر الحسينية التي بدورها تخرج الممهدين للمشروع السماوي الأكبر ألا وهو نصرة الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.