*الوحيد الخراساني
إنّ تِبيان كلّ شيءٍ في القرآن الكريم، والقرآن يُبيّن أن اختيار (الأحسن) تكليفٌ ووظيفةٌ للجميع لأنّ غير الأحسن إمّا حسنٌ وإمّا قبيح، وفي كليهما الحسرة.
– أما القبيح: فالحسرة على أدائه والإقدام عليه.
– وأما الحسن: فالحسرة فيه على ترك الأحسن.
والنتيجة: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى الله.[فصلت:٣٣]
إنّ أيام التبليغ قادمةٌ فاغتنموا العمر واصرفوه في الدعوة لله تعالى، وباب الله تعالى هو ولي العصر وإمام الزمان عجل الله فرجه.
وأما كيف ينبغي أن تُصرف أيام التبليغ؟ ففيما تبينه هاتان الكلمتان اللتان قالهما الله تعالى لموسى بن عمران: «فلئن ترد آبقاً عن بابي أو ضالاً عن فنائي أفضل لك من عبادة مائة سنة بصيام نهارها وقيام ليلها». فهذا أفضل من صيام كليم الله موسى وقيامه!
كل واحدة منهما أفضل من صيام كليم الله مائة عام كل النهار وقيامه كل الليالي!
الأول هو أنْ ترد عبداً آبقاً للمولى.
فسأل موسى عليه السلام عن تفسير الجملة فجاء الخطاب: العاصي المتمرد، أي أن يتوب العاصي.
الثاني أن يرشد ضالاً.. من هو الضال؟ قال تعالى لموسى: الجاهل بإمام زمانه فيعرفه.
أي الذي لم يصل لباب ولي العصر.. فالإرشاد إلى هذا الباب هو إرشاد الضال.
وهذه وظيفة الجميع في أيام محرم وصفر.
أما يوم سيد الشهداء فماذا كان؟ ذلك غير قابل للقول.
والحجة في بيان ثامن الأئمة عليهم السلام: إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا!
نحن لم ندرك عاشوراء! هذا كلام ثامن الأئمة أن يوم الحسين أقرح عيوننا.. أي جرحها.. لكن من كان الحسين عليه السلام؟ لم يعرفه أحد!
في اليوم الأول الذي جاء فيه للدنيا أعاد لفطرس ريشه وجناحه حتى عرج إلى السماء وصعد للملأ الأعلى!
أمّا اليوم الأخير فغير قابل للإدراك والقول.. لا يوم كيومك يا أبا عبد الله.. إلى أين ذهب في يومه الأخير؟ ترك ما سوى الله وذهب للملأ الأعلى.
هناك رواية محيرة وهي أنّ أهل المدينة سمعوا فجأة صوت عويل يأتي من بيت أمّ سلمة، فاجتمعوا ليعرفوا ما الذي يجري في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، سألوا عن ذلك فقالت: رأيت الآن خاتم النبيين في الرؤيا حاسر الرأس والقدمين يعلوه الغبار.
قلت: يا رسول الله ما هذه الحالة؟ قال الآن عدت من محل قتله.. كنت أحفر قبراً للحسين.. هذا التراب تراب قبر الحسين.. لم نعرفه عليه السلام!
رسول الله في ليلة المعراج.. وتلك الليلة المهمة إلى حد أن الله تعالى ذكر التسبيح لنفسه فيها (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً).
قال صلى الله عليه وآله وسلم: ذهبت للملأ الأعلى حتى وصلت للسماء السابعة وتجاوزتها، ووصلت للوح وتجاوزته، ووصلت للقلم وتجاوزته، ووصلت للكرسي وهو الكرسي الذي (وسع كرسيه السماوات والأرض) وتجاوزت الكرسي، ووصلت للعرش وتجاوزته، ووصلت للحجب: حجاب العظمة وحجاب العزة وحجاب العلم وحجاب الكبرياء وحجاب الجبروت وتجاوزتها كلها.. ووصلت لقاب قوسين أو أدنى.. هناك رأيت قد كتب: إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة!
المهم في هذه العبارة فقرتان:
– إنّ الحسين عليه السلام مصباح الهدى: وهي الجنبة العِلمية.
– ثانياً إنّه سفينة النجاة: وهي الجنبة العَمَلية.
أمّا إنّه مصباح الهداية: فيعني أنّ منتهى آمال جميع الأنبياء والمرسلين رأسه المقطوع!
وأمّا هو سفينة النجاة: أي وجوده المقدس سلام الله عليه.. وهذه الجنبة العملية.
ولكن متى تظهر سفينة النجاة؟ عندما تقوم القيامة الكبرى.. {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَديد}.[الحج:١-٢]
في ذلك اليوم: {فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلين}.[الأعراف:٦]
أي يوم هو هذا اليوم الذي يُسأل فيه موسى بن عمران وعيسى ابن مريم؟
فصل الخطاب أمر واحد: كل واحد من الأنبياء يقول: وا نفسي.. الأنبياء والأمم كلهم عاجزون..
فجاة يظهر هودج.. ظاهره عفو الله.. باطنه رحمة الله.. ومن هذا الهودج تخرج مخدرة تقف على يمين العرش. كل الأنبياء والأمم قلقون: ما الخبر؟
فجأة ترفع قميصاً قديماً ملطخاً بالدم وتضعه على رأسها.. يقول جبرئيل: يا أمة الله.. أي فاطمة.. الله تعالى يهديك السلام ويقول اطلبي ما تريدين.. لكن أنزلي هذا القميص عن رأسك.. تقول هناك: يا رب شيعتي.
– إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة..
ففي هذه الأيام أيام الحزن والمصاب.. ما كان بيان ثامن الأئمة عالم آل محمد؟ قال: إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذل عزيزنا.
حتّى وصل الأمر؟ لا يمكن قول ذلك.
ستبقى حقيقة هذه المصيبة إلى أن نصل إلى يوم القيامة.
علينا أن نفكّر في هذه الجمل حول الدم.. الدم الذي قيل عنه: اشهد.. ما هو المشهود به؟!
– أشهد أنّ دمك سكن في الخلد واقشعرت له أظلة العرش وبكى له جميع الخلائق.
والقشعريرة في اللغة رجفة خاصة
– وبكت له السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن.. وما يرى وما لا يرى!
علينا أن نفكّر جميعاً.. المصيبة التي وقعت على أهل السماوات والأرضين تركت هذا الأثر فيهم!
فماذا فعلت يا ترى في قلب فاطمة الزهراء؟!
تقول الرواية المعتبرة إنّها ترى واقعة عاشوراء كل يوم عدّة مرات.. ثم يغشى عليها.. هذا ما يجري على الصديقة الكبرى.
فوظيفتنا في هذه الأيام أن نبيّن عظمة هذه المصيبة للعالم.
وما تقوم به الهيئات من لطمٍ وضرب بالزناجير كله قليل.. المصيبة وصلت إلى حدّ أن سبط النبي الأكبر صلى الله عليه وآله قال: لا يوم كيومك يا أبا عبد الله.