صدر حديثاً!
معالم سيرة الزهراء عليها السلام
تأليف: رحيم حسين مبارك
مقدمة المؤلف:
بسم الله الرحمن الرحيم
فاطمة الزهراء عليها السلام امرأة من الدوحة الهاشمية والسلالة الإبراهيمية، أنجبها خاتمُ الأنبياء والرسل وأفضلُهم محتداً وأقربهم إلى الله تعالى منزلة؛ وترعرعت في مهد البيت النبوي تتنسّم عطر النبوة وتسمع هَينمة الملائكة، وكبرت في أحضان أوّل امرأة آمنت برسول الله صلى الله عليه وآله وعاضدته وآزرته، ورضعت من ثدي الإيمان والتقوى، فبلغت شأواً لم تبلغه امرأةٌ قطّ من الأوّلين ولا تطمع في إدراكه امرأة من الآخرين؛ فهي امرأة كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله ابنةً لا كالبنات، فقد كانت بعطفها ورعايتها إلى الأُمّ الرؤوم أقربَ منها إلى البنت. وكانت لوصيّ رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليهم السلام زوجةً وفية صابرة مضحية، آزرته في مراحل حياته الشريفة ودافعتْ عن ولايته وإمامته، حتى انتهى بها الأمر إلى تقديم حياتها الغالية النفيسة في مِتراس الدفاع عن الولاية، وحرصاً على إنقاذ الأمَّة من الهوة التي كادت تتردّى فيها بعد حادثة السقيفة المشؤومة.
فاطمة عليها السلام مجمع الكمالات، مثال الإنسان الكامل وتجلّي اسم الله الأعظم في عالم الوجود. فاطمة مثال الكمال والجمال الذي خلع عليه الربُّ الودود رداءً بشرياً، فلمّا تجلى للبشرية قال تعالى عن خلقه ﴿تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾.
فاطمة عليها السلام فوق حدود وصفنا القاصر وأذهاننا المكدودة، لا يصفها حقّ وصفها إلاّ الذي أنجبها وربّاها، حيث يقول في وصفها: «لو كان الحُسن شخصاً، لكان فاطمة! بل هي أعظم!! إنَّ فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً».
تُرى أيّ امرأة – سواها – حظيتْ بمنزلة أن تكون محوراً لرضا الله تعالى وغضبه، بحيث يرضى تبارك وتعالى لرضاها ويغضب لغضبها؟! أيّ امرأة في الوجود افتخر بها أبوها خاتمُ الرسل صلى الله عليه وآله وسمّاها «أمّ أبيها» وقال عنها «فِداها أبوها»؟
وأيّ زوجة افتخر بها زوجُها خاتم الأوصياء عليه السلام في مناشداته وأشعاره المعروفة، بحيث عدّ زواجَه منها في مصاف أعظم مناقبه؟! وأيّ أمٍّ افتخر بها أولادُها الأئمة الهداة المعصومون، حتى قالوا في علوّ شأنها «نحن حجّة الله على الخلق، وجدّتُنا فاطمة حجّة الله علينا»؟!
إنَّ العالم كله يترقّب ظهور منجي البشرية المهدي المنتظر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، والمؤمنون في لهفة لإطلالته المباركة، وفي تطلّع للعيش في دولته الكريمة، وفي التأسّي بسيرته الشريفة، لكنّ خاتم الأولياء والأئمة عليه السلام يقول: «لي في ابنة رسول الله أسوةٌ حسنة»!
ولقد أوضح لنا أئمة أهل البيت عليهم السلام بأجلى بيان بــ«إنَّ الناس لو عَلِموا محاسنَ كلامنا لاتّبعونا»؛ لأنّ المتابعة فرع المعرفة. وما لم نتعرّف تفصيليّاً – في حدود الوسع – على حياة المعصومين، فأنّى لنا متابعتهم واقتفاء آثارهم الشريفة؟! وما دام (نهج الحياة الإسلامية) يمثل اليوم أحد محاور الاهتمام الكبير لأصحاب الفكر والمعرفة، فإنَّ سيرة ونهج المعصومين عليهم السلام المبنيّتين على أساس التعاليم الإسلاميّة الأصيلة ستكون مفتاح الطريق في بيان النهج الأفضل اللائق لحياة المسلمين. ومن هنا جاءت فكرة تأليف هذا الكتاب، من أجل بيان معالم من سيرة الزهراء عليها السلام وملامح من نهجها وسلوكها، لأجل أن يتأسّى المؤمنون عموماً والمؤمنات خصوصاً بسيرة الزهراء عليها السلام، واضعين نصبَ أعيننا أنّها محور الحق وميزان رضا الله تعالى، وأنّها بضعة من رسول الله تعالى التي عدّها جزءاً لا يتجزأ منه، بحيث عدّ فِعلَها فعلَ نفسه الشريفة في قصّة أبي لبابة الشهيرة – وقد أوردناها في طيات الكتاب – فتكون سيرتُها عليها السلام سيرة رسول الله تعالى نفسها، ويكون لِزاماً على المؤمنين الاستنان بسنّتها والسير على هديها تبعاً للأمر الإلهي ﴿مَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾.
لقد شاءت الإرادة الإلهية أن تحوز ذرية نبينا الكريم صلى الله عليه وآله قصب السبق على ذراري الأنبياء والمرسلين، بل فاقت في الفضل والمنزلة الأنبياء والأوصياء والأولياء، وأضحت هادية للخواص والعوام من الأولين والآخرين. وكان لسيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام منزلة خاصة في هذا الشأن، بحيث نالت عن جدارة واستحقاق لقبَ (سيّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين)، وأضحت زوجة سيد الأوصياء وأمَّاً لأئمة أهل البيت عليهم السلام.
لقد سطعت شخصية الزهراء فاطمة عليها السلام في برهة زمنية قصيرة – لم يقدّر لها أن تطول – على نفوس البشر الغارقة في الظلام، لكن آثارها لا تزال باقية راسخة لا تزول إلاّ بزوال هذا الوجود، ومن هنا صار لزاماً أن نتعرّف على العظمة الوجودية لفاطمة الزهراء عليها السلام وأبعاد حياتها.
ومع شديد الأسف، فقد أغفل التاريخ – أو تغافل عن – تدوين تفاصيل حياة هذه البضعة الطاهرة لأسباب مختلفة، فتعسر بيان أبعادها الوجودية وسيرتها وملامح شخصيّتها على المستويين الفردي والاجتماعي. ومع ذلك، يمكن التدقيق في الروايات المحدودة الموجودة بعناية مضاعفة لاستكشاف تلك الأبعاد والملامح.
وقد أفدنا في هذا المجال من المصادر الأصيلة في التاريخ والسيرة والفقه الإسلاميّ، وقد راجعنا وأفدنا من عدد كبير من المؤلفات التي دوّنت في حياة هذه السيّدة الجليلة سلام الله عليها وسيرتها العطرة باللغتين العربية والفارسيّة.
وأودّ في هذا المجال أن أتقدم بوافر الشكر والتقدير لسماحة الشيخ علي الفتلاوي لمراجعته الكتاب وإبدائه ملاحظاته القيّمة التي أثرت الكتاب وأغنته، جزاه الله تعالى خيراً، وحشره مع مولاته الزهراء عليها السلام.
نسأله تعالى – وهو خير مسؤول – أن يمنّ علينا باقتفاء أثرها المبارك والسير على نهجها النيّر، وأن يرزقنا شفاعتها وشفاعة أبيها وبعلها وبنيها يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، إنَّه أرحم الرحمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
رحيم حسين مبارك
النجف الأشرف
الخامس عشر من شهر رمضان المبارك
لسنة 1436 هجرية