*حيدر الوائلي
نورية الحديث في النقل والتحديث
العالم كله يترقب شروق الشمس بينما الحقيقة أنّ الشمس هي التي تترقب دوراننا حولها فإنّها ليست متحرّكة بل نحن المتحرّكون ولهذا فإذا أردنا الصباح فعلينا نحن أنْ نذهب نحو نور الشمس وليس العكس وبالفعل هذا ما يحصل كما هو واضح.
والغريب أنّنا دائماً نبحث عن النّور وفي كلّ جزء من حياتنا وفي كلّ محور من محاورها وفي كلّ مكان وفي كلّ زمان تجد أنّ البشر يبحثون عن النّور سواء في معناه المادّي أو ما يسمى الضوء أو في معناه المعنوي أو ما تسمى البصيرة فإنّ البشر في كلّ حالاتهم يبحثون عنّ النّور من أجل أن يكملوا المسير.
وهذا السبب هو الذي قادني اليوم من أجل الحديث مع زعيم النّور الذي يسكن قرية الحقائق!
وبعد طول انتظار ذهب الليل وجاء النهار وأتى معه زعيم النّور فرحّبت به بحرارة وقلت له أخيراً التقيت بك أيّها الكنز المشرق.
فقال لي: الكنز المشرق هو علي وآل علي وما أنا إلاّ شعلة صغيرة في أذيال خدمهم المخلصين في عالم الوجود الفسيح.
ثم قال لي: تكلّم يا عزيزي ما الذي جاء بك لي في هذا اليوم الحارق؟
فقلت له: أتيت أبحث عن النّور وعن الحقيقة!
فقال لي: الحقيقة والنّور لهما مراتب ومعانٍ وكلّ مخلوق يحيط بهما بحسب مكانته وبحسب درجته وبالنسبة للمخلوقات الأرضية فبحسب عقله وقلبه!
فقلت له: حدثني بقدر عقلي وأنت تعرفني جيدا!
فقال لي: أنت مخلوق بشري محاط ومغلف بالمادّة لذا إذا أردت أن أشرح لك النّور فلابد أنْ استخدم الأمثلة المادية التي يمكنك تصورها حتى تفهم الموضوع ولو بشكل إجمالي.
فقلت له: شكراً جزيلاً لك سيدي.
فقال لي: في البداية لابدّ أنْ تعرف أنّ الحق والنّور له مدار وفلك واحد يدوران فيه وهو فلك الكتاب والعترة وهذا واضح من وصف كلّ منهما لنفسه بأنّه نور.
فقلت له: نعم بالتأكيد، وأنا أتيت إليك بالضبط من أجل هذا المطلب فما معنى أنّ كلام السماء نور؟
فقال لي مبتسماً: نعم أعرف قصدك والآن افهم منّي كلامي، أضرب لك الأمثلة لذلك كما اتفقنا عليك أن تفهم القصد وراء كل مثال! ولا تنسى فإنّ حديثي لن يكون إلاّ بيان لبعض الأوجه التي يمكن أنْ تبيّن طرق تفاعلنا مع نورية حديث السماء.
المثال الأول
أ: لو قمنا بعملية تفكيك وتشريح للضوء الأبيض بواسطة الموشور! لوجدنا أنّ الضوء الأبيض يحتوي في داخله على كلّ الألوان الأساسية التي تسمى بألوان الطيف الشمسي!
ب: ولو قمنا بإسقاط الضوء الأبيض على أجسام متعددة الألوان فإنّ كلّ جسم سوف يمتص كلّ الألوان الموجودة في الضوء الأبيض ويعكس منها فقط اللّون الضوئي المماثل للونه! فالجسم الأخضر يمتص كلّ ألوان الضوء الأبيض ويعكس فقط الضوء الأخضر، والجسم الأزرق يمتص كلّ الألوان الموجودة في الضوء الأبيض ويعكس الضوء الأزرق وهكذا مع باقي الألوان! فإنّ كلّ جسم ملوّن يقوم بامتصاص كلّ ألوان الضوء الأبيض الساقط عليه وسيعكس اللون الضوئي المماثل له فقط ولهذا السبب نحن نرى الألوان المختلفة للأشياء.
الهدف من هذا المثال هو لبيان أنّ نور حديث السماء هو النور الجامع لكل ألوان أنوار الحقائق بشكل نسبي وعلى كل المستويات! فحديث السماء هو النور الزاهر الظاهر الذي تركه المعصوم لنا تبياناً لكلّ شيء! وكلّ شخص يتفاعل مع حديثهم سلباً وإيجاباً بحسب لون قلبه ودرجة وساخة ثوب عقله والمسألة نسبية دوماً وكل بحسبه.
وهذه أوّل نتيجة نفهمها من كلمة نورية حديث السماء.
المثال الثاني
لو سألت أيّ شخص عن الوسيلة التي نرى بها الأشياء فإنّه سيقول لك إنّ الوسيلة هما (العينان) وهذا صحيح! ولو سألنا هذا الشخص عن كيفية رؤية العين لهذه الأشياء لقال لك: إنّ العين السليمة ترى الأشياء نتيجة انعكاس وارتداد الضوء الساقط على الأشياء باتجاه العين!
فإذا انعدم وجود الضوء والنّور في أيّ مكان وفي أيّ زمان فسوف تنعدم رؤيتنا للأشياء تماماً!
والسؤال هنا يكون: إذا كان غياب النّور المادي عنّا قد سبّب لنا انعداماً تاماً في الرّؤية وجعلنا نتخبّط في الظلام والحيرة! فكيف إذا انعدم النّور الإلهي عن قلوبنا وعقولنا؟
ومن هنا نفهم حديث آل محمد هو النّور الذي جعله الله لنا! وهو النّور الذي به ومن خلاله نرى الأشياء على حقيقتها فإذا غاب حديث الله والمعصوم عن عقولنا وقلوبنا فإنّنا لن نرى شيئاً سوى ظلمات النّفس وأسوار الوهم وسراب الشياطين والمسألة نسبية دوماً وكل بحسبه!
ومن هذا المنطلق يمكن أن نفهم شيئاً من الحديث الشريف الذي يقول: «لَوْلاَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله وَالأَوْصِيَاءُ مِنْ وُلْدِهِ كُنْتُمْ حَيَارَى كَالْبَهَائِم».(علل الشرائع:١/٢٤٩)
المثال الثالث
لو قمنا بتسليط ضوء مصباح أبيض اللّون على جسم أبيض اللّون فإنّ هذا الجسم سوف يعمل بطبيعته الفيزيائية على عكس كل ألوان الضوء الأبيض بتمامها!
ولكن لو سلطنا ضوء المصباح على قطعة سوداء فإنّ هذه القطعة ستمتص كلّ ألوان الضوء الأبيض الساقط عليها ولن تعكس من النور الساقط عليها أي شيء!
ومن هذا المثال يمكن أن نقول بأنّ العلاقة المعنوية بين العقول والقلوب وبين نورية حديث السماء، تشبه تماماً العلاقة المادية بين الأجسام البيضاء والسوداء حين تتفاعل مع الضوء الأبيض!
فلما أنّ حديث السماء يحمل صفة النّورية الذاتية كما وصفه آل محمد الأطيبون الأطهرون عليهم السلام، فانّ هذا يعني أنّ القلوب إذا كانت سوداء اللون فإنّها لن تعكس من نور حديث آل محمد عليهم السلام أيّ شيء على عقل صاحبها! وعندها سيعيش الإنسان الظلام العقلي بكلّ ما للكلمة من معنى! وسيكون الإنسان بهذا مصداقاً واضحاً لمن وصفهم البارئ بأنّهم كالأنعام بل هم أضل من الأنعام سبيلاً!
وهو يتحد في هذا الجانب مع المضمون الذي ذكره المثال السابق والذي يشير إليه مضمون الحديث الشريف «لولا آل محمد لكنتم حيارى كالبهائم».
فالإنسان من دون نور الولاية في عقله سيكون محدّداً بحدود نزواته الشيطانية، ومقيّداً بقيود نفسه الظلمانية! فتكون النتيجة أنّه سيصبح أقل رتبة من باقي الحيوانات وأدنى منها في المنزلة والمسألة نسبية دوماً وكل بحسبه.
وفي الجانب الآخر فإنّ القلوب البيضاء اللّون ستعكس على عقل العبد كلّ أنوار حديث آل محمد عليهم أفضل الصلاة والسلام التي استوعبتها! فيكون الإنسان نتيجة لهذا مصداقاً حقيقياً لما في مضمون الأحاديث الشريفة.
فعَنْ سُلَيْمَانَ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام فقَالَ: «يَا سُلَيْمَانُ اتَّقِ فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ الله».(بصائر الدرجات:١/٨٠)
فنور الله هو نور آل محمد عليهم السلام! وهذا النّور ظهر في كلامهم وحديثهم صلوات الله وسلامه عليهم بلا شكّ! وكلّ شخص يستفيد من نور حديث السماء بحسبه والمسألة نسبية كما هو واضح.
المثال الرابع
لو وضع أحدنا ضوء المصباح على حائط أو أي جسم مانع لنفاذية الضوء فإنّ النور الذي يخرج من المصباح لن يمرّ من خلال هذا الحائط وسيبقى واقفاً على حدوده.
أمّا لو قمنا بتوجيه ضوء المصباح نحو قطعة زجاج أو أي جسم آخر يسمح بنفاذ الضوء من خلاله فإنّ الضوء كما هو واضح سوف يمر من خلاله بشكل نسبي دائماً! ومدار النسبية فيها هو مقدار قابلية هذه الأجسام على السماح بنفوذية الضوء من خلالها فالبعض يسمح بنفاذ ٢٠٪ والبعض ٣٠٪ والبعض ٧٠٪ والبعض ١٠٠٪ وهكذا تختلف الأجسام في قابليتها على نفاذ الضوء من خلالها.
ومن هذا المثال يمكن أن أقول لك بأنّ نورية حديث آل محمد عليهم السلام هي بديهية نسبية نفاذية نور الحديث إلى هذه القلوب!
فالكتاب الكريم حين يقول ما مضمونه {رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُون}[المطففين:١٤]؛ فإنّ هذا يعني أنّ القلوب التي لا رين فيها تسمح بمرور نور حديث آل محمد عليهم السلام الذي هو عين كلام الله تعالى من خلالها بشكل تام بلا قيد أو شرط لأنّها قلوب لم تغلف بمصدّات من الصدأ تمنع من نفاذية نورية حديث محمد وآل محمد عليهم السلام إلى القلوب!
أمّا القلوب التي غلفها الرين فإنّ قابليتها على نفاذية نور حديث آل محمد ستكون نسبيّة وكل قلب يسمح بنفاذية النّور خلاله بمقدار يتناسب مع درجة رينه وتلوثه! إلى أن يصل الإنسان إلى مرحلة يصبح القلب مغلفاً بالكامل وبشكل تام برين الأنا وطاعة الهوى والشيطان، وعندها سيكون هذا القلب عبارة عن جدار كونكريتي لا يسمح أبداً بمرور نورية حديث السماء من خلاله!
وعندها يكون مصداقاً للآية الكريمة التي تقول في مضمونها {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها}.[الأعراف:١٧٩]
فقلت له: لك منّي كل الشكر على هذا الكلام الجميل!
ولكنك لم تخبرني عن معنى النور! وإنّما كلمتني عن الطرق التي أتفاعل من خلالها من النور!
فقال لي: لو كان يمكن أن أشرح لك النّور لما أصبح اسمه نوراً فالنّور كما أخبرتك يكشف عن نفسه بنفسه ويكشف عن غيره بنفسه أيضاً ولا يوجد شيء يبين ويكشف عن النّور لأنّه لا يوجد شيء أبين من النور.
فقلت له: واضح جداً عزيزي ولكن عندي سؤال أخير! ما هو الفرق بين نور الحديث ونور الله فإنّ الله وصف نفسه بأنّه نور والحديث أيضاً تم وصفه بأنّه نور.
فقال لي: يبدو أنّك لم تنتبه لكلامي فإنّ نورية الله هي نفسها نورية أوليائه التي ظهرت في أوضح مصاديقها في الحسين عليه السلام الذي وصف بأنّه مصباح الهدى! وهذه النورية الإلهية متجلية في نور حديثه وحديث أوليائه.
ثم هبط الليل وذهب زعيم النور من دون أن أستطع توديعه.