*تأليف: رياض رحيم حسين الصفراني
المقدمة
إن الدراسة الموسومة ( الافتراءات على النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم)) هي دراسة نقدية للروايات الإسلامية جاءت للرد على منهج مخطط له قديماً وحديثاً وهو الإساءة لمقام النبي (ص) من بعض المغرضين الغربيين ومن سار على نهجهم عن طريق رسم سياسة للافتراء كان آخرها عرض أفلام تاريخية على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) ، والمتمعن في مصادر تلك الإساءات يلحظ إنها مُسنده إلى نوعين من المصادر بصورة أساسية الأولى هي اساءة تفسير بعض آيات القرآن الكريم محاولين قولبة نصوصه وتحريفها بما يخالف الحقيقة والواقع .
اما المصدر الثاني فهي المصادر الإسلامية ، سيما مصادر السيرة النبوية وكتب الحديث عموماً وما اصطلح على تسميتها بالصحاح تحديداً ، فقد استخدمت تلك الروايات والأحاديث الواردة فيها بغير تأويلٍ أو تحريفٍ لسبب بسيط جداً وهو أن بعضها كان يطعن بالنبي (ص) تارة بصورة مباشرة وأخرى بشكل معنوي غير مباشر ، فمن تعمد الإساءة للنبي (ص) من الغربيين لم يجهد نفسه ليحرف تلك النصوص بل كانت جاهزة ومقولبة بما يخدم غرض المفترين ، هذا من جهة ومن أخرى إذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي للمسلمين أن يوجهوا الطعن للمستشرقين أو الغربيين عموماً لسبب منطقي هو إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، فالافتراءات التي استخدمت للطعن بـ النبي (ص) هي موجهة بالأساس للإسلام ، وحري بنا أن نوجه النقد لما ورد في مصادرنا من روايات اختلط فيه الغث والسمين ، فمنها انطلق الافتراء قديماً لرواسب قبلية أو سياسية أو مذهبية ، ومنها أيضاً انطلق الافتراء حديثاً من قبل أعداء المسلمين من يهود أو نصارى فألزمونا بما ألزمنا به أنفسنا .
ان الدراسة دعوة للرد على بعض الروايات الزائفة والمحرفة سواء أكان الافتراء مقصوداً أم من جهلة القوم الذين لم تغربل رواياتهم ، فملأت الآفاق وأصبحت تلك الترهات حقائق مسلم بها ، ومن هنا جاءت فكرة البحث هذه لرد الافتراءات عن مقام النبي (ص) ، مع الإشارة إلى انه لم يتم دراسة آراء المستشرقين لأن هناك دراسة عنيت بهذا الموضوع ، وبغية عدم التكرار أولاً ولاختلاف نطاق هذه الدراسة عن مرمى الهدف المنشود آنفاً ثانياً والوصول إلى منابع تلك الافتراءات التي نهل من معينها أولئك المغرضين ثالثاً.
الجدير بالذكر إن موضوع الافتراء واسع جداً ولكن مالا يدرك كله لا يترك كله ، وعليه لم ينحصر في جانب معين بل أخذ جوانب متعددة ومختلفة منها الجانب القبلي وهو ما تمثل بصراع المشركين من قريش سيما الأمويين منهم ، والجانب السياسي وهو الصراع على مؤسسة الخلافة ، ذلك المنصب الدنيوي الذي جر معه الويلات على المسلمين وامتدت آثاره ورواسبه إلى الحاضر ، والجانب الديني أو المذهبي سواء تمثل ذلك بصراع اليهود مع المسلمين بعد البعثة النبوية وما تلاها أو الصراع المذهبي بين المسلمين أنفسهم بغية إثبات أحقية صحة كل مذهب فجاء ذلك كله على حساب نصوص التشريع من القرآن والسَّنة ليتم تأويلهما حسب فهم كل طائفة فكرست بذلك سلطة النص ، فضلاً عن نص السلطة ، وهذا ما انعكس سلباً على سيرة النبي (ص) والافتراء عليه لخلق مشروعية لتلك الأهداف .
وعليه تعددت الافتراءات وتشعبت مضامينها اذ كان من الصعوبة بمكان حصرها في جانب معين أو حسب ترتيب زمني أو موضوعي واحد ، فكان لزاماً على الباحث أن يجمع بين الاثنين لمراعاة التسلسل التأريخي للأحداث مع عدم إغفال الجانب الموضوعي في الدراسة خشية الخروج عن القصد ، فجاءت هذه الدراسة بأربعة فصول سبقتها مقدمة وتلتها خاتمة ، مع الإشارة إلى أنها لم تتطرق إلى الافتراء على النبي (ص) في الجانب الاجتماعي لوجود دراسة تطرقت الى ذلك وبحوث بهذا الصدد سيما أزواج النبي (ص) والروايات الموضوعة في ذلك ، وكذلك الشبهات التي أُختلقت في ولادته ومن الافتراءات ما هو فقهي ، اذ نسب للنبي (ص) صيامه يوم عاشوراء تيمناً باليهود ، فتصدى لها الباحث نفسه وأظهر بطلانها ، وافتراءات اخرى تتعلق بـ عدم عصمة النبي (ص) منها ما طعن في صلاته وإنه توضأ بالنبيذ ولبسه المزركش وانه غير عارف بـ الاحكام الشرعية ، وأمور تتعلق بمعاشرته احدى زوجاته وتقبيلها بصورة علنية وأمور اخرى يعجز اللسان عن ذكرها ، منها جماع احدى زوجاته وهي حائض وغيرها وكذلك رد الباحث نفسه شبهة ما أصطلح على تسميته صحيفة المدينة وكذلك الحديث المنسوب اليه مثالاً عن الزهراء (ع) لو انها سرقت لقطع يدها ، وتم رد هذا الافتراء.
كما تناول الباحث كثير من الشبهات في بحوث منشورة وغير منشوره .
تجدر الإشارة إلى إن دراسة سلسلة السند إنما وضعت لتقييم رواة الأحاديث النبوية ، إلا أن ذلك لا يمثل الوصول إلى أقرب الحقائق وإنما جزءاً نسبياً منها ، وذلك للاختلاف بين علماء الجرح والتعديل في تجريح شخصٍ أو تعديله من عالمٍ إلى آخر ، فضلاً عن ذلك قد يدخل في جوانبه بعض الميول الشخصية أو القبلية أو المذهبية ، عليه لم يكن معيار الجرح والتعديل (وإن اعتمدنا عليه بسبب متطلبات البحث ) المعيار الأساسي في تقييم الرواية ومن ثَمّ قبولها أو رفضها ، بل كان الاعتماد في ذلك فضلاً عما سبق ، على السَّنة المحمدية بعد عرض الرواية على القرآن الكريم فهو الفيصل في تقييم صحة الخبر أو عدمه ؛ فـ عن الإمام الصادق(ع) عن النبي (ص) قال : ( إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه) وقول الإمام علي (ع) : ( إعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل دراية لا عقل رواية فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل ) فدراسة متن الرواية أكثر النتائج إفصاحاً عن مدى سقمها أو صحتها ، وينبغي التنويه إن الباحث استخدم المنهج الاستقرائي النقدي في عرض الرواية ومن ثَمّ مناقشتها إلى جانب المنهج الوصفي ، فكان الأخير لابد منه للتقليل من سرد النصوص المقتبسة وبالقدر المستطاع ، لكن كان هناك حاجة ماسة للإستشهاد بالنصوص واثبات الأدلة التي تؤيد ما نذهب إليه من آراء ثم إن التأريخ عبارة عن وثيقة ولا تأريخ من غير وثيقة .