*تأليف: عدي صابر عطيوي
المقدمة
الحمد لله الهادي المعين الذي به أستهدي وبه أستعين والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين إمام المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين اللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة وبعد:
مما لاشك فيه أنّ موضوع هذه الرسالة الذي كان تحت عنوان «أثر الثورة الحسينية في الدولة الأُموية» موضوع ذو أهمية كبيرة لما تركته الثورة الحسينية ومأساة كربلاء من آثار في قلوب المسلمين حتى الوقت الحاضر، وإنّ أكثر ما آثار اهتمام الناس من ثورة الإمام الحسين عليه السلام هو ما تشتمل عليه من مظاهر التضحية بكل عزيز على النفس من الولد والمال في سبيل المبدأ والصالح العام مع القلة في العدد واليأس من النصر العسكري حيث شكلت ثورة الإمام الحسين عليه السلام تحدياً بارزاً رئيسياً للدولة الأُموية لما لهذه الثورة من مبادئ إنسانية هدفها القضاء على الظلم وتحقيق العدل والمساواة على وفق المنهج الإسلامي الذي أقرّ العدل والإنصاف هذا من جهة، ومن جهة أُخرى أنّها ملك للبشرية جمعاء وليس لجهة دون أُخرى فبقي الإمام الحسين عليه السلام في القلوب والضمائر فهو الأُنموذج الأعلى والشعلة التي أضاءت بنورها زوايا الظلام كلها في المعمورة في كل عصر وزمان لتنزع كوامن الظلم المغروسة في المجتمع من قبل الطغاة. إنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام تركت بصماتها على دار الخلافة ذاتها وبعد ذلك عصفت بها ومعها نعرف قيمة وعمق هذه الثورة التي وصل تأثيرها إلى رأس السلطة الأُموية، وإنْ كان من الطبيعي أنْ نسلم بأنّ استشهاد الإمام الحسين عليه السلام قد ترك أثره الفعال سريعاً في نفوس المضطهدين من عامة الناس على اختلاف آرائهم ومشاربهم ودفعهم إلى الانتفاض على حكامهم المستبدين والانخراط في حركات هدفها الإطاحة بنظام بني أُمية، وهو الأثر الذي تركته هذه الثورة بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام في الأُمة الإسلامية والدولة الأُموية على وجه الخصوص، حيث كانت هذه الثورة جديرة بأنْ تغير النظام السياسي على الرغم من مقتل الإمام الحسين عليه السلام.
ولأهمية هذا الموضوع تم اختياره كدراسة أكاديمية، ومن الجدير بالذكر أنّ هذه الدراسة اقتصرت على أثر الثورة في المشرق دون المغرب والأندلس، وهو في نظرنا يحتاج إلى دراسة مستقلة.
وقد ارتأينا تقسيم هذه الدراسة، إلى مقدمة ومدخل وأربعة فصول وخاتمة ثم قائمة المصادر الأولية والمراجع الحديثة. تضمن المدخل يزيد والثورة الحسينية، وخصص الفصل الأول لدراسة أثر الثورة الحسينية في مقر السلطة الأُموية، واشتمل على خمسة مباحث، تناولنا في المبحث الأول أثرها في بيت يزيد بن معاوية (60- 64هـ/679-683م)، وأما المبحث الثاني عن أثرها على معاوية بن يزيد (64-64 هـ /683-683)، وتطرقنا في المبحث الثالث إلى أثر الثورة على عبد الملك بن مروان (65-86هـ /684-705م)، وجعلنا المبحث الرابع يخص عمر بن عبد العزيز (99-101هـ /717 -720م)، وتضمن المبحث الخامس يزيد بن الوليد (126-126هـ/477-477م).
وبحثنا في الفصل الثاني دراسة أثر الثورة الحسينية في الثورات ضد السلطة الأُموية، وقسم الفصل إلى ستة مباحث, الأول واقعة الحرة (61هـ – 683م)، وتضمن المبحث الثاني حركة التوابين (61-65هـ/680-684م)، أما المبحث الثالث تناولنا فيه ثورة المختار الثقفي (65-67هـ/684-686م)، ويشتمل المبحث الرابع حركة عبدالله ابن الزبير (61-73هـ/680-692م)، وخصص المبحث الخامس لثورة زيد بن علي عليه السلام (122هـ/736م)، وأما المبحث السادس الثورة العباسية (97-132هـ/715-746م).
أما الفصل الثالث فقد اشتمل على أثر الثورة الحسينية في الحياة الفكرية في العصر الأُموي وقد قسم على أربعة مباحث، تضمن المبحث الأول الأُمويين وشرعية الحكم, وخصص المبحث الثاني لموقف العلماء والفقهاء من الحكم الأُموي, وتطرقنا في المبحث الثالث إلى رأي المؤرخين في الحكم الأُموي، وذكرنا في المبحث الرابع دور الأُدباء والشعراء اتجاه الحكم الأُموي.
وتناولنا في الفصل الرابع أثر الثورة الحسينية على المجتمع واشتمل على مبحثين, الأول يتضمن الأثر الديني، والثاني الأثر الاجتماعي، وأخيراً فقد خصصنا الخاتمة لبيان أهم النتائج التي توصل إليها الباحث.
وقد اقتضت ضرورة البحث الاعتماد على مجموعة كبيرة من المصادر المتنوعة، منها الكتب المقدسة، وكتب التاريخ العام، وكتب التراجم، وكتب المقاتل، والمعاجم الجغرافية، والمراجع الحديثة…
وأخيراً أرجو من الله أن أكون قد وفقت في إعطاء الشيء اليسير عن هذه الثورة العظيمة وما كان لها من تأثير واضح في أحداث التاريخ اللاحقة وأود أن أذكر أنّي لم أستطع الإحاطة لأنّ الله بكل شيء محيط ولم أستطع إكمال أيِّ شيء لأنّ الكمال لله وحده وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أُنيب.