*تأليف: يحيى غال ياسين
تقديم وإهداء واعتذار
لم تزل كربلاء شاهدة على وجود الظلم في هذه الأرض من جانب واستمراره بل وتماديه من الجانب الآخر، لم تكن واقعة الطف غلطة أو هفوة أو تصرفاً على غير الطبيعة أو السجية البشرية، لا بل هي تمثل الوجه الحقيقي لوجهي الإنسان اللذين نصّت عليهما الآية المباركة من سورة الإنسان:
{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}.
تمثل القضية الحسينية نموذجاً للصراع الطويل بين الحق والباطل والذي بدأ بين الأخوين قابيل وهابيل واستمر بين كوكبة الحق من الأنبياء والأوصياء والصلحاء وكوكبة الباطل من الطواغيت والفراعنة ومن شاكلهم، وعليه صح أن نفهم الوراثة الحسينية الواردة في الزيارة المقدسة (وارث) هذا النوع من الوراثة المتمثل بقيادة معسكر الحق واستخلاف تلك الكوكبة المباركة…
إلا أنّنا نعتقد أنّ هذه المعركة (الطويلة) وإن بدت للعيان انهزام الحق وتراجعه في بعض من فصولها، بأنّها ستكون سبباً لزهوق الباطل وتفرد الحق على هذه الأرض.
حازت القضية الحسينية من الأهمية وتعظيم الشأن الشيء الكبير ومن الأرض والسماء على حد سواء، فتواترت النصوص الشارحة لها والمبينة أهميتها وعظيم إحيائها ما يذهل العقول، تنوعت الأقلام الكاتبة ــ لها وبها ــ تنوعاً مذهبياً أُفقياً، فكتب وتطرق لها المسلم والمسيحي، البوذي والصابئي…، وكذلك عمودياً، حيث اهتم بها المثقف والمراهق ثقافياً والمختص أكاديمياً… .
ومن هذه المنطلقات وغيرها من التي لا يمكن ترجمتها من الوجدان إلى ما يستطيع أن يخطه البنان، سعينا إلى كتابة رؤى وأفكار تجول في خاطرنا حول بعض جوانب هذه الثورة المباركة مدركين أنّنا نغترف من شاطئ بحر عميق لا يصل إلى سبيل مكامن صدفاته إلاّ من جاهد في الله {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا…}، ولكننا مؤمنون في الوقت نفسه بأنّ سفينة الحسين عليه السلام وكما ورد أوسع وتسع أن تقل أمثالي.
عرضنا هذه الرؤى والأفكار ضمن فصلين، الأول عرضي سردي لوقائع حركة الإمام الحسين عليه السلام من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة وحتى كربلاء الشهادة ثم بدء مرحلة السبي مروراً بالكوفة والشام ثم الرجوع إلى المدينة وليس بأُسلوب تقليدي وإنّما حاولنا الاختصار والاهتمام ببعض النقاط المهمة وعلى شكل نقاط متسلسلة بما يضمن رسم سيناريو كامل لحركة الثورة من الوجهة التاريخية، والثاني تحليلي يتناول بعض جوانب تلك الثورة المقدسة والخروج ببعض النتائج والثمرات.
الأول كما قلنا عبارة عن نقاط ورؤوس أقلام متسلسلة وحسب ما ذكرته أهم المصادر، والثاني وقع تحت مجموعة من الأبحاث تحمل كلٌّ منها فكرة أو إشارة أو ضوءاً يسطع علينا من داخل مكامن هذه القضية التي لا تزال بكراً رغم محاولات العشاق الشرعيين وغير الشرعيين لها.
أُهدي ثواب عملي هذا إلى مقام مولاي الحسين عليه السلام، وأعتذر إلى الله ربي وله عليه السلام ومن مولاي صاحب العصر عن كل قصور وتقصير وأطلب منهم أن يردوا عليّ بجزيل إحسانهم في حياتي وأثناء مماتي ما ينفعني في آخرتي ومعادي.
يحيى غالي ياسين