البحث في فهارس المكتبة:

مناظرة الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه في مجلس ركن الدولة

مناظرة الشيخ الصدوق
مناظرة الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه في مجلس ركن الدولة

وهي مناظرة طويلة فيها مسائل اعتقادية دقيقة، وتكشف عن عمق إحاطة الشيخ الصدوق رحمه الله بآيات الكتاب والأحاديث والتاريخ وسائر العلوم الإسلامية، وحسن أسلوبه في الاحتجاج.
وفيما يلي ننقل هذه المناظرت التي وردت موجزة في كتاب مواقف الشيعة : ” وصف للملك ركن الدولة ابن بويه الديلمي الشيخ الأجل محمد بن بابويه ومجالسه وأحاديثه، فأرسل إليه على وجه الكرامة، فلما حضر قال له : أيها الشيخ قد اختلف الحاضرون في القوم الذين يطعن عليهم الشيعة، فقال بعضهم : يجب الطعن، وقال بعضهم : لا يجوز، فما عندك في هذا؟
فقال الشيخ : أيها الملك، إن الله لم يقبل من عباده الاقرار بتوحيده حتى ينفوا كل إله وكل صنم عبد من دونه، ألا ترى أنه أمرهم أن يقولوا : لا إله إلا الله ف‍ ” لا إله ” غيره وهو نفي كل إله عبد دون الله، و ” إلا الله ” إثبات الله عز وجل، وهكذا لم يقبل الاقرار من عباده بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى نفوا كل من كان مثل مسيلمة وسجاح والأسود العنسي وأشباههم.
وهكذا لا يقبل القول بإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلا بعد نفي كل ضد انتصب للأمة دونه.
فقال الملك : هذا هو الحق، ثم سأله الملك في الإمامة سؤالات كثيرة أجابه عنها ( إلى أن قال : ) وكان رجل قائما على رأس الملك يقال له : أبو القاسم، فاستأذن في الكلام فأذن له.
فقال : أيها الشيخ، كيف يجوز أن تجتمع هذه الأمة على ضلالة مع قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ” أمتي لا تجتمع على ضلالة “؟
قال الشيخ : إن صح هذا الحديث يجب أن يعرف فيه ما معنى الأمة، لأن الأمة في اللغة هي الجماعة، وقال قوم : أقل الجماعة ثلاثة، وقال قوم : بل أقل الجماعة رجل وامرأة، وقال الله تعالى : ( إن إبراهيم كان أمة ) فسمى واحدا أمة، فما ينكر أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا الحديث وقصد به عليا عليه السلام ومن تبعه.
فقال : بل عني سواه من هو أكثر عددا.
فقال الشيخ : وجدنا الكثير مذموما في كتاب الله، والقلة محمودة وهو قوله تعالى : ( لا خير في كثير من نجواهم ) ثم ساق الآيات.
فقال الملك : لا يجوز الارتداد على العدد الكثير مع قرب العهد بموت صاحب الشريعة.
فقال الشيخ : وكيف لا يجوز الارتداد عليهم مع قوله تعالى : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) وليس ارتدادهم في ذلك بأعجب من ارتداد بني إسرائيل حين أراد موسى عليه السلام أن يذهب إلى ميقات ربه، فاستخلف أخاه هارون، ووعد قومه بأن يعود بعد ثلاثين ليلة فأتمها الله بعشر فلم يصبر قومه إلى أن خرج فيهم السامري وصنع لهم عجلا، وقال : ( هذا إلهكم وإله موسى ) واستضعفوا هارون خليفته وأطاعوا السامري في عبادة العجل، فرجع موسى إليهم وقال: ( بئسما خلفتموني ).
وإذا جاز على بني إسرائيل وهم أمة نبي من أولي العزم أن يرتدوا بغيبة موسى عليه السلام بزيادة أيام حتى خالفوا وصيه، وفعل سامري هذه الأمة مما هو دون عبادة العجل، وكيف لا يكون علي معذورا في تركه قتال سامري هذه الأمة؟
وإنما علي عليه السلام من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعده، فاستحسن الملك كلامه.
فقال الشيخ : أيها الملك زعم القائلون بإمامة سامري هذه الأمة : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يستخلف، واستخلفوا رجلا وأقاموه، فإن كان ما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم على زعمهم من ترك الاستخلاف حقا، فالذي أتته الأمة من الاستخلاف باطل، وإن كان الذي أتته الأمة صوابا، فالذي فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطأ بمن يلصق الخطأ بهم أم به؟
فقال الملك : بل بهم.
فقال الرجل وكيف يجوز أن يخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدنيا ولا يوصي بأمر الأمة؟ ونحن لا نرضى من أكار في قرية إذا مات وخلف مسحاة وفأسا لا يوصي بهما إلى من بعده؟ فاستحسنه الملك.
فقال الشيخ : وهنا كلمة أخرى : زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلف فخالفوه باستخلافهم، لأن الأول استخلف الثاني، ثم لم يقتد الثاني به ولا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى جعل الأمر شورى في قوم معدودين، وأي بيان أوضح من هذا؟… “.
قال صاحب مجالس المؤمنين : لما انتهت هذه المناظرة أثنى الملك ركن الدولة على الشيخ الصدوق وأكرمه، وأقر هو ومن كان حاضرا في المجلس بصواب ما قاله الشيخ، وقال : الحق ما تقوله هذه الفرقة، وغيرهم أهل الباطل، والتمس من الشيخ الإكثار من حضور مجالسه.

شاهد أيضاً

The Warith Magazine Issue 6

– by: The Department of Islamic Studies and Research of The Holy Shrine of Imam …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *