البحث في فهارس المكتبة:

يوم الغدير: الواقعة التاريخية والحقيقة الشرعية

صدر حديثاً عن شعبة الدراسات والبحوث الاسلامية في قسم الشؤون الفكرية والثقافة كتاب بعنوان (يوم الغدير: الواقعة التاريخية والحقيقة الشرعية)، للمؤلف الشيخ شوقي الحداد.

مقدمة المؤلف:
إن الكلام عن غدير خم وما جرى فيه من وقائع تاريخية ونزول آيات قرآنية وغير ذلك من الأفعال والأعمال التي اقترنت بهذه الحادثة الفريدة من نوعها في تاريخ السيرة النبوية أصبح كل ذلك معروفاً عند كُتّاب السِيَر ومُفسّري القرآن الكريم، ومن اشتغل في علم الكلام من خلال بحثه في مسألة الإمامة وتبيين أهميتها عند فريقٍ كبيرٍ من المسلمين، وكل ما كُتب حتى الآن حول الغدير ومدلولات أحداثه التاريخية لم يمنع من وجود جهل كبير بهذه الوقائع بين كثير من أبناء الأمة الذين لا زال كثيرٌ منهم يعتبر الحادثة تاريخية فقط، مرّت كغيرها من الحوادث التي أكل الدهر عليها وشرب، وماذا ينفع الكلام عنها بعد كل هذه السنين التي مضت؟ أليس الخوض فيها من جديد إحياء للفتن وإثارةٌ لها؟ وعندما نقول بأن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بُويع أميراً للمؤمنين يوم غدير خم أمام النبي صلى الله عليه واله وبأمر الله تعالى فَلِمَ لم يمتثل المسلمون لهذا الأمر الإلهي؟ وهل هم الآن أفضل حالاً من ذلك اليوم حتى نعيد الكلام معهم حول ما جرى يوم الغدير؟ أم أن هناك هدفاً آخر من إحياء ذكرى الغدير والتعرف عليها وتعريف الناس بها؟
في الواقع إن جهلنا بالتاريخ وسياسة تجهيل الأمة التي يعمل عليها بعض العاملين والمسؤولين المستفيدين في بعض المجتمعات الإسلامية لا يمنع من وقوع الفتن وسفك الدماء بل إن النار تبقى مشتعلة تحت الرماد حتى يأتي من يحرّكها فتعود للاشتعال قبل أن نشعر بها ودون أن نكون مستعدين لعواقبها، أما عندما نعمد إلى تنوير الأجيال وتثقيفها وتعريفها بتاريخها يستطيع كل واحد منا أن يعرف جذوره وأصوله الضاربة في التاريخ، وبالتالي نستطيع أن نشكل له هوية حضارية مبنية على ثقته بنفسه وبأمته ويعرف الإنسان تكليفه المترتب عليه امام الله وأمام مجتمعه والوطن الذي يحمله ويعيش على أرضه ويأكل من خيراته، ولذلك كنا نتساءل منذ الصغر عن عيد الغدير وماذا يختلف عن بقية الأعياد؟ وهل هو فعلاً عيدٌ امرنا الله عز وجل بإحيائه والقيام ببعض التكاليف الشرعية فيه؟ أم أنه ذكرى لحادثة تاريخية عادية مرَ عليها أكثر من ألف وأربعمائة من السنين، ونحن نحتفل بها مثل أي مناسبة أخرى في هذه الأمة، وإذا كان يوم الغدير عيد فمن الذي سمّاه وعيّنَه عيداً؟ وهل يستطيع أحدنا أن يخترع كل يوم عيد كما يفعل دعاة التغريب والعولمة الذين أدخلوا مئات الأعياد في حياتنا اليومية حتى طغت على كل الأعياد التي كنا نعيشها أو نسمع بها ونحن أطفال، وللإجابة على هذه الأسئلة حاولت جاهداً البحث عن كتاب عام حول الأعياد أو خاص حول عيد الغدير وأنفقت في التفتيش حول هذا الموضوع وقتاً طويلاً، فلم أحصل على ما يفي بالحاجة للإجابة على كل هذه الأسئلة ولكنني حصلت على ما يُمَكِّنُنِي من الاقتراب من شاطئ المعرفة قليلاً فكان أول كتاب حصلت عليه كتاب مجموع الأعياد من القرن الخامس الهجري الذي كُتب حول أعياد الدولة الفاطمية التي كانت تشارك جميع أبناء المجتمع بأعيادهم، فذكر المؤلف – أبو سعيد ميمون بن قاسم الطبراني في كتابه هذا – الأعياد الرومية والفارسية والإسلامية لأن الدولة الفاطمية في ذلك الحين كانت تسيطر على رقعة كبيرة من البلاد والشعوب التي تعيش في ظلها على مساحة مترامية من المحيط الأطلسي غرباً إلى شرق الفرات في سوريا شرقاً، وينتمي سكّانها إلى المسلمين والمسيحيين، وتنتشر في بلادها القوميات الكردية والشركسية والفارسية إلى جانب الغالبية العظمى من العرب والبربر.
أما الكتاب الثاني الذي عثرت عليه في هذا المجال فهو خاص بعيد الغدير في الدولة الفاطمية للدكتور محمد هادي الأميني، ولذلك لم أجد بُدّاً من الرجوع إلى موسوعة الغدير للعلامة الأميني رحمه الله الذي أمضى عمره منقّباً وباحثاً في كتب المؤرخين ومفسري القرآن الكريم لتدوين حادثة الغدير والتعريف بها، وما جرى فيها، ومن نقلها من الثقات، ومن هنا بدأت كتابي بتعريف العيد والأعياد في اللغة العربية والاصطلاح الشرعي وبيّنت من الذي يُعيّن العيد للأمة وهل يمكن أن يكون العيد قضية ارتجالية أو ذكرى منسية نجددها مثل بقية الذكريات، ثم قمت بتحديد موقع غدير خم من خلال معاجم البلدان، وبعد ذلك رجعت إلى كلام النبي صلى الله عليه واله والأئمة المعصومين عليهم السلام نثراً وشعراً لتفسير المدلولات العقائدية لحادثة الغدير بعد أن نقلتها مفصّلة من ألِفِهَا إلى يائها، وبيّنت للقارئ الكريم كيف احتجَّ المعصومون عليهم السلام بالغدير على منعهم حقهم، وبعد أن تبين لنا أن عيد الغدير توقيفي كعيد الفطر والأضحى بيّنت الأعمال التي نقوم بها في مثل هذا اليوم الشريف، ومن الذي نصَّ على هذه الأعمال، كما بيّنت كيف كان حال المسلمين في القرون الأولى مع الغدير وكيف كانوا يحتفلون به ويهللون ويكبّرون في المساجد حتى منعتهم السلطات الحاكمة عبر التاريخ من حرية العبادة وإشهار معتقداتهم، فتحول عيد الغدير مع الزمن إلى مجرد يوم يمر كبقية الأيام لا يُذكر ولا يُعرف إلا عند ثلةٍ قليلة من المؤمنين، ويتعامل بعض محبي الغدير مع التكاليف الشرعية في هذا اليوم بالتقية خوفاً من أعدائهم ومن يمنعهم من القيام بطقوسهم وعباداتهم، وقد حاول بعض المتغرّبين تهجين الأعياد الإسلامية – كما أسلفت – ومنها عيد الغدير مع الأفكار الوافدة والدخيلة على مجتمعاتنا فظهرت بعض الأعمال الجديدة بشكلٍ مغاير لما ورد عن النبي صلى الله عليه واله والمعصومين من بنيه، وخاصة أنه لا يوجد من سلط الضوء بهذه الطريقة على موضوع الغدير وربط بين الحادثة التاريخية والأعمال الشرعية المتعلقة بهذا اليوم، فكان هذا مما حرّض على إتمام المشروع لعلنا نوقد شمعة تضيء لأبناء الأمة بعض الطريق الذي نسلكه في حياتنا التي نعيشها، سائلين المولى عز وجل أن يتقبل أعمالنا ويسدد خطانا لما يحبه ويرضاه ويجعلنا عنده في مقام القرب والكمال إنه مجيب الدعاء.

شاهد أيضاً

صدر حديثاً: سلسلة آثار المؤتمر العلمي العالمي للعلامة المجدد الوحيد البهبهاني قدس سره

صدر حديثاً عن العتبة الحسينية المقدسة، قسم الشؤون الفكرية، شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية (سلسلة آثار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *