لما وردت حرة بنت حليمة السعدية رضي الله عنها على الحجاج بن يوسف الثقفي ومثلت بين يديه، فقال لها: أنت حرة بنت حليمة السعدية؟ فقالت له: فراسة من غير مؤمن! فقال لها: الله جاء بك، فقد قيل عليك: إنك تفضلين عليا على أبي بكر وعمر وعثمان.
قالت: لقد كذب الذي قال: إني أفضله على هؤلاء خاصة. قال: وعلى من غير هؤلاء؟ قالت: أفضله على آدم ونوح ولوط وإبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى بن مريم!
فقال لها: أقول لك إنك تفضلينه على الصحابة فتزيدين عليهم سبعة من الأنبياء من أولي العزم! فإن لم تأتيني ببيان ما قلت وإلا ضربت عنقك.
فقالت: ما أنا فضلته على هؤلاء الأنبياء، بل الله عز وجل فضله في القرآن عليهم في قوله تعالى في حق آدم: ” فعصى آدم ربه فغوى ” وقال في حق علي: ” وكان سعيه مشكورا “.
فقال: فبم تفضلينه على نوح ولوط؟ قالت: الله تعالى فضله عليهما بقوله: ” ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما ” وعلي ابن أبي طالب كان ملائكة (ملاكه ظ) تحت سدرة المنتهى زوجته بنت محمد صلى الله عليه وآله فاطمة الزهراء التي يرضى الله لرضاها ويسخط لسخطها. فقال الحجاج: فبم تفضلينه على أبي الأنبياء إبراهيم خليل الله؟ فقالت: الله ورسوله فضله بقوله: ” وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ” وأمير المؤمنين قال قولا لم يختلف فيه أحد من المسلمين: ” لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا ” وهذه كلمة لم يقلها قبله ولا بعده أحد.
قال: فبم تفضلينه على موسى نجي الله؟ قالت: يقول الله عز وجل: ” فخرج منها خائفا يترقب ” وعلي بن أبي طالب بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله لم يخف حتى أنزل الله في حقه ” ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله”.
قال: فبم تفضلينه على داود؟
قالت: الله فضله عليه بقوله: ” يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى ” قال لها: في أي شيء كانت حكومته؟ قالت: في رجلين: أحدهما كان له كرم وللآخر غنم، فنفشت الغنم في الكرم فرعته، فاحتكما إلى داود، فقال: تباع الغنم وينفق ثمنها على الكرم حتى يعود إلى ما كان عليه، فقال له ولده: لا يا أبة، بل نأخذ من لبنها وصوفها، فقال الله عز وجل: ” ففهمناها سليمان ” وإن مولانا أمير المؤمنين رضي الله عنه قال: ” اسألوني عما فوق، اسألوني عما تحت، اسألوني قبل أن تفقدوني ” وأنه – رضي الله عنه – دخل على النبي صلى الله عليه وآله يوم فتح خيبر، فقال النبي صلى الله عليه وآله للحاضرين: ” أفضلكم وأعلمكم علي “.
فقال لها: فبم تفضلينه على سليمان؟ قالت: الله فضله عليه بقوله: ” رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ” ومولانا علي – رضي الله عنه – قال: ” يا دنيا قد طلقتك ثلاثا، لا رجعة لي فيك ” فعند ذلك أنزل الله عليه ” تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا “.
قال: فبم تفضّلينه على عيسى؟ قالت: الله فضله عليه بقوله: ” وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ” إلى آخر الآية، فأخر الحكومة، ومولانا علي ابن أبي طالب لما ادعى النصيرية فيه ما ادعوا وهم أهل النهروان قاتلهم، ولم يؤخر حكومتهم. فهذه كانت فضائله، لا تعدل بفضائل غيره. قال: خرجت من جوابك، ولو لا ذلك لكان ذلك، ثم أجازها وأعطاها وسرحها تسريحا (رحمة الله عليها).