البحث في فهارس المكتبة:

فاطمة عليها السلام في القرآن الكريم

فاطمة في القرآن
مجلة الوارث 72

في القرآن الكريم آيات عديدة نزلت في شأن أهل البيت عليهم السلام ومنهم فاطمة الزهراء عليها السلام وتحدثت عن عصمتهم وطهارتهم وعن ايثارهم وكرمهم، وعن مكانتهم وفضائلهم، وعن حقهم علينا والمسؤوليات.

وقد أورد المحدثون والمفسرون والمؤرخون عشرات الآيات فيهم عليهم السلام بل لقد ورد عن علي عليه السلام أنه قال: «نزل القرآن أرباعاً: فربع فينا، وربع في عدونا، وربع سير وأمثال، وربع فرائض وأحكام، ولنا كرائم القرآن».

ونحن نقتصر في هذه المقالة على ذكر أربع آيات مما نزل في حق فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام فضلاً عن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

الآية الأولى قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.(1)

فقد ورد عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت في خمسة: في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

ويروي الثعلبي عن أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في بيتها إذ أتته فاطمة عليها السلام بقطعة حرير، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أدعي لي زوجك وابنيك» فأتت بهم فاطعموا، ثم ألقى عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كساءً خيبريّاً وقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا»، فنزلت الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. فقالت أم سلمة: يا رسول الله وأنا معهم؟ فقال: «إنك إلى خير ولكنك لست منهم».

ويجب أن نعلم أن الذين رووا حديث الكساء هذا ونزول آية التطهير في حق فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام يعدون بالعشرات وهم من أصحاب السنن والكتب الحديثية والتاريخية المعتبرة لدى المسلمين.

والسؤال الذي يطرح في هذا المجال هو: لماذا جمعهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت الكساء؟ واحتواهم بعباءته؟

والجواب: لعل الهدف من ذلك هو أن النبي أراد أن يحدد أهل بيته بشكل واضح لا لبس فيه، ويعرفهم تماماً للمسلمين، ليقول لهم: إن الآية نزلت في حق هؤلاء خاصة لئلا يظن أحد أن المخاطب في هذه الآية كل من يرتبط بالنبي بعلاقة نسبية أو سببية من أقربائهم وزوجاتهم، ولذلك نجد في بعض النصوص أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد كرر جملة «اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا» ثلاث مرات بل ورد في روايات عديدة أخرى: إن النبي بقي ستة أشهر وقيل سبعة وقيل ثمانية بعد نزول هذه الآية يمر ببيت فاطمة عليها السلام وهو ذاهب إلى صلاة الفجر وينادي: «الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا»، فإن تكرار هذا الأمر ستة أشهر أو سبعة أو ثمانية أشهر بصورة مستمرة جنب بيت فاطمة عليها السلام إنما هو لبيان هذه المسألة بشكل واضح وكامل لئلا يبقى مجال للشك لدى أحد بأن هذه الآية قد نزلت في شأن هؤلاء خاصة، هذا على مستوى نزول الآية وبيان المقصود من كلمة (أهل البيت) فيها.

أما على مستوى دلالة الآية فإن آية التطهير هذه دلت على عصمة الزهراء وعلي والحسن والحسين من الذنوب والمعاصي كما دلت على احتلالهم القمة في سلم الكمال الإنساني، وذلك لأن كلمة الرجس تعني الشيء القذر، وهذا المفهوم عام وشامل لكل انواع الذنوب والمعاصي والحماقات بحكم الألف واللام الواردة في كلمة (الرجس) والتي تسمى بألف ولام الجنس، فإن كل المعاصي والذنوب والمحرمات رجس ولذلك فإن هذه الكلمة أطلقت في القرآن على الشرك والخمر والقمار والنفاق، واللحوم النجسة وأمثال ذلك كما يتضح في الآيات الواردة في سورة الحج/30، والمائدة/90، والتوبة/125، والأنعام/145.

الآية الثانية قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}.(2)

فقد ذكر علماء المسلمين أن هذه الآية والآيات التي قبلها، نزلت في فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام وذلك حينما تصدقت الزهراء عليها السلام وزوجها وولداها، بما يملكون من طعام على مدى ثلاثة أيام.

فقد ذكر الزمخشري في تفسير الكشاف، عن ابن عباس، أن الحسن والحسين عليهما السلام مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر علي وفاطمة، إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة ايام، فشفيا، وما معهم شيء فاستقرض علي من شمعون الخيبري ثلاثة أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء، وأصبحوا صياماً، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك، واقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال: ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصقت بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبرائيل عليه السلام وقال: خذها يا محمد هنّأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة أي سورة الدهر.

الآية الثالثة قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}.(3)

فقد صرّح المفسّرون أن آية المباهلة هذه قد نزلت بحق أهل البيت عليهم السلام، وإنّ الذين اصطحبهم النبي معه للمباهلة بهم هم: الحسن والحسين وفاطمة وعلي عليهم السلام، فقد قال محب الدين الطبري: لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هؤلاء الأربعة، وقال سعد بن أبي وقاص: لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال: «اللهم هؤلاء أهلي».

وعلى هذا الأساس، فإن كلمة (أبناءنا) الواردة في الآية ينحصر المراد منها في الحسن والحسين عليهما السلام ومفهوم (نساءنا) ينحصر في فاطمة عليها السلام، ومفهوم أنفسنا ينحصر في علي عليه السلام، فضلاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

الآية الرابعة قوله تعالى: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.(4)

فقد قال الزمخشري: لما نزلت هذه الآية قيل يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وأبناهما، وعليه: من أراد أن يوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجره وحقه وجهاده وتضحياته في سبيل الله والرسالة فإن عليه مودة ومحبة فاطمة وعلي والحسن والحسين وابنائه، ولذلك فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من مات على حب آل محمد مات شهيداً ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له.

هذه هي بعض الآيات التي نزلت في حق الزهراء عليها السلام وأهل البيت عموماً، من دون أن تذكر فيها أسماؤهم صراحة، ولعل سائلاً يسأل: لماذا لم تذكر أسماؤهم صراحة في هذه الآيات مادامت أنها نزلت في شأنهم وفضلهم؟

والجواب: إن عدم ذكر القرآن للأسماء صراحة في هذه الآيات وفي غيرها يعود إلى عدة أمور:

أولاً: إن القرآن الكريم لم يفصل كثيراً فيما طرحه من مبادئ ومفاهيم وأحكام، فإن طريقة القرآن في عرض الأفكار تقتصر في الغالب على بيان الخطوط العريضة والعامة من دون التعرض إلى التفاصيل، ولذلك فقد ورد عن أبي بصير وهو أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(5)، فقال: «نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام»، فقلت له: إن الناس يقولون: فما له لم يسمّ علياً وأهل بيته عليهم السلام في كتاب الله عزّ وجل؟ فقال عليه السلام: «قولوا لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزلت عليه الصلاة، ولم يسمّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسمّ لهم من كل أربعين درهماً درهماً، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزل الحج فلم يقل لهم: طوفوا أسبوعاً حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، ونزلت في علي والحسن والحسين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علي: من كنت مولاه فعلي مولاه وقال صلى الله عليه وآله وسلم: أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي فإني سألت الله عز وجل أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما عليّ الحوض، فأعطاني ذلك».

وثانياً: إن الأسماء قد تكون عرضة للتحريف والتزوير والتبديل وبخاصة من قبل الأعداء والموتورين والحاسدين، وبذلك إن عدم ذكر الأسماء صراحة قد يكون من أساليب حفظ وصيانة القرآن من التحريف على قاعدة: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون.

وثالثاً: إنه ربما يستفيد البعض من ذلك أن الله لا يريد أن يذكر الاسم صراحة لئلا يفرض على الناس الأشخاص بصورة مباشرة، وإنما أراد أن يكتشف الناس إمامهم وأهل البيت من خلال صفاتهم وخصائصهم والضوابط التي وضعها لشخصيتهم من العلم والعصمة والتقوى والشجاعة والطهارة والكرم وما إلى ذلك ليكون إيمانهم مرتكزاً على أساس القناعة.

نحن من باري السماوات سر ***** لو كرهنا وجودها ما براها
بل بآثارنا ولطف رضانا ***** سطح الأرض والسماء بناها
وبأضوائنا التي ليس تخبو ***** حَوَت الشمس ما حوت من سناها

ـــــــــــــ

(1) سورة الأحزاب، الآية: 33.

(2) سورة الإنسان، الآيتان: 8-9.

(3) سورة آل عمران، الآية: 61.

(4) سورة الشورى، الآية: 23.

(5) سورة النساء، الآية: 59.

* بقلم: الشيخ علي دعموش

شاهد أيضاً

The Warith Magazine Issue 6

– by: The Department of Islamic Studies and Research of The Holy Shrine of Imam …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *