بيان الحادثة
أجمع المؤرخون أنّ ما حصل في اليوم الثاني من وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أنّ مجموعة من الصحابة جاؤوا إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام، لا لكي يعزّوهم بوفاة النبي، بل كانوا يحملون السيوف وأكداساً من الحطب ليضعوها على باب علي وفاطمة عليهما السلام، وأنذروا المجتمعين فيه أن يخرجوا ويبايعوا أبا بكر، وإلاّ أحرقوا الدار بمن فيه! وكان في الدار فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيدة نساء أهل الجنة، وعلي عليه السلام عضد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن عمه وصهره، والحسنُ والحسينُ عليهما السلام سبطا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسيدا شباب أهل الجنّة، وبنو هاشم، وعدد من كبار الصحابة، من المهاجرين والأنصار!
وكان جرمهم أنّهم كانوا منشغلين بمراسم تجهيز النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودفنه، فتفاجأوا بأنّ عدداً من الصحابة الذين تركوا مراسم جنازة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذهبوا خلسة عنهم واجتمعوا في السقيفة، وتحاجّوا فيمن هو الأحق بوراثة سلطان محمّد، فبادر عمر وبايع صاحبه أبا بكر وبايعه بضعة أشخاص، وتجمّع معهم مجموعة من حزب الطلقاء، حزب العتقاء، حزب المؤلفة قلوبهم، سفلة الأعراب وبقايا الأحزاب وحزب أرباب الحقد الدفين الموتورين من سيف علي عليه السلام يتقدّمهم عمر ابن الخطاب، وأسيد بن الخضير رئيس الأوس وبشير بن سعد أحد وجوه الخزرج، وسلمة بن سلامة بن وقش الأشهي، وخالد بن الوليد، وقنفذ، وعبد الرحمن بن عوف، ومسلم بن أسلم؛ شاهرين سيوفهم ويحملون قبساً من الناس مهددين بحرق البيت على من فيه إن لم يبايعوا أبا بكر.
وفيما يلي حشد من الروايات التي صدرت عن علماء الفريقين.
أولاً: قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري:
إنّ أبا بكر تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي عليه السلام، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنها على من فيها. فقيل له يا أبا حفص: إنّ فيها فاطمة، فقال: وإن، ثمّ وقفت فاطمة عليها السلام على بابها، فقالت: «لا عهد لي بقوم حضروا اسوأ محضر منكم تركتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقّاً فانصرفوا».
ثمّ قام عمر فمشى معه جماعة حتّى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب، فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبه يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة.
ثانياً: قال ابن أبي الحديد المعتزلي: (قال أبو بكر: يا عمر، أين خالد بن الوليد؟ قال: هو هذا، فقال: انطلقا إليهما – يعني علياً والزبير – فأتياني بهما، فانطلقا، فدخل عمر ووقف خالد على الباب من خارج، فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ قال: أعددته لأبايع علياً، قال: وكان في البيت ناس كثير، منهم المقداد بن الأسود وجمهور الهاشميين، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره، ثم أخذ بيد الزبير، فأقامه ثم دفعه فأخرجه وقال: يا خالد، دونك هذا، فأمسكه خالد – وكان خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس، أرسلهم أبو بكر ردءاً لهما، ثم دخل عمر فقال لعلي، قم فبايع، فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده، وقال: قم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير، ثم أمسكهما خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقاً عنيفاً، واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال، ورأت فاطمة ما صنع عمر، فصرخت وولولت، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهنّ، فخرجت إلى باب حجرتها ونادت: يا أبا بكر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله! والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله.
روايات إسقاط المحسن عليه السلام
من الفجائع التي تبكي لها عيون الإسلام والدين، التي أحرقت قلوب المؤمنين والموقنين ما ارتكبه عمر بن الخطاب من الظلم العظيم الذي طال سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام، هذه الواقعة الهائلة قد بلغت حد التواتر واليقين عند أهل الحق، ولكن من عجائب براهين علو كلمة الحق، وسموّ مرتبة الصدق، إن إبراهيم بن سيار بن هاني البصري المعروف بالنظام، الذي هو من كبار علماء المعتزلة وأجلّة كبراء المخالفين قد اعترف بوقوع هذه الواقعة الهائلة بكمال الإبانة والصراحة ولم يقدر على كتمانه أو إنكاره كما فعله بعض أرباب الصفاقة والوقاحة.
وروى مقاتل بن عطية: أنّ أبا بكر بعد ما أخذ البيعة لنفسه من الناس بالإرهاب والسيف والقوّة أرسل عمر وقنفذ وجماعة آخرين إلى دار علي وفاطمة عليهما السلام، وجمع عمر الحطب على دار فاطمة وأحرق الباب! ولما جاءت فاطمة خلف الباب لترد عمر وأصحابه عصر عمر فاطمة خلف الباب حتى أسقط جنينها ونبت مسمار الباب في صدرها، وسقطت مريضة حتى ماتت.
وقال الذهبي في الميزان، في ترجمة ابن أبي دارم: وقال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ بعد أن أرخ موته: كان مستقيم الأمر عامّة دهره، ثم في آخر أيامه كان يكثر ما يقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأ عليه: إن عمر رفس فاطمة حتى أسقط محسن.
أقول: لأجل روايته لهذا الحديث فقد خُدش في استقامته وصار سبباً للطعن عليه وجرحه ومن ثم إسقاطه عن الاعتبار.
وقال ابن أبي الحديد في شرحه: فقال (النقيب أبو جعفر): إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أباح دم هبّار بن الأسود لأنّه روع زينب فألقت ذا بطنها، فظهر الحال أنّه لو كان حياً لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها.
وقال أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتاب الملل والنحل، في ذكر مقالات النظام ما لفظه: (إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح أحرقوها بمن فيها، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام).
قال ابن الدمشقي: (الأحاديث مستفيضة على أنه كان لعلي وفاطمة صلوات الله عليهما ابن ثالث كان يسمّى محسناً، كما أورد الحافظ ابن عساكر عدّه أحاديث بهذا المعنى. وأيضاً أورد أحاديث أخر بهذا اللسان في الحديث: وما بعده من ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من تاريخ دمشق، والمذكور في تلك الأحاديث أنّه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم توفي في زمانه، وفي عنوان: ولد علي.
وفي أنساب الأشراف لابن البلاذري: ولد علي بن أبي طالب الحسن والحسين ومحسن عليهم السلام، درج صغيراً، ومثله معنى ذكره اليعقوبي في ختام ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخه.
تهالك الصحابة على ضرب السيدة الزهراء عليها السلام
إنّ الشيعة قد اتفقوا على أن عمر ضرب بطن فاطمة عليها السلام حتى أسقطت، ولكنّهم لم ينفوا إقدام قنفذ على هذا الأمر أيضاً، كما أن المغيرة بن شعبة قد كان له يد في ضرب فاطمة عليها السلام حتى أدماها، فلا مانع من أن يشارك الجميع في أمر كهذا، ويتسببون في الإسقاط، فيصح نسبته إليهم جميعاً، وإلى كل واحد منهم أيضاً، لتسببهم به، فهذه النسبة لا تعني أنّ كل واحد منهم كان علة تامة في الإسقاط.
تكرار الهجوم بمرآى ومسمع أبي بكر
لقد أوضحت النصوص: أنّ الهجوم قد تكرّر على بيت فاطمة عليها السلام، كما أنّ مبايعات أبي بكر قد تكرّرت أيضاً وقد حصلت إحدى هذه المرات وهي محاولة الإحراق، فيما كان أبو بكر جالساً على المنبر يبايع له، ويرى ما يجري ولم ينكر ذلك، ولم يغيره، كما ورد في أمالي المفيد، وحصول هجومات عديدة نجده في العديد من الروايات بصورة صريحة حيناً، وهو مقتضى الجمع بين الروايات، حيث تلاحظ خصوصيات الأشخاص والتصرّفات التي ميزت كل هجوم حيناً آخر. بل بعض الروايات تؤكد: أنّ أبا بكر نفسه كان يصدر الأوامر بالهجوم، وقد سبق الهجوم تهديدات بالإحراق وجمع للحطب.
ثم أضرمت النار بصورة جزئية، ثم كسر الباب، وضربت الصدّيقة الطاهرة، من أكثر من شخص من المهاجمين، وسقطت إلى الأرض، ورفسها ذلك الرجل برجله أيضا. وهذه اعترافات واضحة من كبار علماء أهل السنة بوقوع هذه الواقعة العظمى وتلك الطامة الكبرى.
روايات كشف بيت الزهراء عليها السلام
كشف القوم بيت فاطمة الزهراء عليها السلام وهجموا على دارها، وهذا من الأمور المسلّمة التي لا يشك ولا يشكك فيها أحد حتّى ابن تيمية، والشواهد عليها كثيرة منها:
1. محمد بن يزيد بن عبد الأكبر البغدادي والذي نقد في كتابه (الكامل) ما روي عن عبد الرحمن بن عوف عند ما زار أبا بكر في مرضه الذي مات فيه، وقال: دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي مات فيه فسلمت وسألته: كيف به؟ فاستوى جالساً، إلى أن قال: قال أبو بكر: أمّا إنّي لا آسي إلاّ على ثلاث فعلتهنّ ووددت أنّي لم أفعلهنّ، وثلاث لم أفعلهنّ وودت أنّي فعلتهن، وثلاث وددت أنّي سألت رسول الله عنهم.
فأمّا الثلاث التي فعلتها وودت أني لم أفعلهنّ ووددت أنّي لم أكن كشفت عن بيت فاطمة عليها السلام وتركته ولو أغلّق على حرب، وودت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين: عمر أو أبي عبيدة، فكان أميراً وكنت وزيراً، ووددت أنّي إذا أتيت بالفجاءة لم أكن أحرقته وكنت قتلته بالحديد أو أطلقته، وأمّا الثلاثة التي تركتها ووددت أنّي فعلتها…).
3. الطبراني في المعجم الكبير، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني صاحب (المعجم الكبير) يعرّفه الذهبي في ميزانه، ويقول: حافظ، ثبت، فقد نقل في فصل اسماه (ممّا اسند أبو بكر عن رسول الله) فجاء في ذلك الفصل حديث عبد الرحمن بن عوف حينما زار أبا بكر في مرضه الذي توفّي فيه، فقال أبو بكر له: أما أنّي لا آسي على شيء إلاّ على ثلاث فعلتهن ووَدِدْتُ أنّي لم أفعلهن، وثلاث لم أفعلهن وودت أنّي فعلتهن، وثلاث وددت أنّي سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنّها، فأمّا الثلاث اللاتي وددت أنّي لم أفعلهن، فوددت أنّي لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته وإن أغلق على الحرب، ووددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين أبي عبيدة أو عمر، فكان أميراً وكنت وزيراً….. الخ.
* بقلم: السيد خليل الشوكي بتصرف