تزوجا قبل بضعة اشهر… زوجها يعمل في محل بقالة.. أحبها بشغف فأحبت الحياة معه.. في صبيحة أحد الايام.. خرج الى العمل.. ودعته.. ووعدها.. سألها كعادته عن نوع الخضروات والفواكه التي سيرسلها اليها لتحضر الغداء.. وكالعادة ايضا اجابته / اللي تحبه حبيبي…
مضى الى عمله.. فانشغلت بهموم المطبخ… والبيت.. انجزت واجباتها.. واشعلت الراديو تستمع الى برامجها المفضلة وهي تحلم بطفل يأتي فيملأ البيت ضجيجا وسعادة..
وبينما كانت تغوص في غمرة الحلم دوى انفجار… مروع كبير.. ما الذي حدث يا ترى في هذه المدينة… لا شيء بالتأكيد.. ربما تكون قنبلة من مخلفات الحرب.. او… لا شيء مهم في عالمها الصغير الملون البسيط.. واستمرت تستمع الى الراديو.. وتنتظر حاجيات السوق التي تأخرت هذا اليوم كثيرا..
عندما طرق الباب.. استعدت لتعاتبه على تأخير الغذاء.. ولكن الطارق ليس هو بل الجيران..
– انتِ جالسة هنا.. والسوق تحول الى محرقة بشر.. عشرات الضحايا… الناس تحولت الى قطع من اللحم المتناثر… هل اتصل بك زوجك؟
فقدت وعيها.. أعصابها.. وصار الحلم انيابا قاتلة غرست في دماغها وامتدت لتقتحم كل حواسها.. فانفجر الدم من الانف وترنحت لكنها لم تسقط بل هرعت معهم الى السوق.. الى هيروشيما مصغرة مئات الناس الذين يشبهونها.. الصبية الذين يبحثون عن آبائهم.. النساء… البنات.. الرجال.. وكان الحريق كبيرا… والدمار اكبر.. اختلطت اشلاء الناس بالفواكه والخضر واللحم والسمك…كل شيء بدا عالما من الفوضى والدمار.. اين زوجها.. بل اين بقايا زوجها.. لا تدري.. وعندها سقطت مغشيا عليها…
عندما عادت الى رشدها.. لتعرف ان الناس جمعوا ما تبقى منه في كيس.. كان يمر بجانب السيارة التي انفجرت وهو يحمل بيده كيسا من الفواكه والخضر… ولهذا لم يعثروا عليه.. ومرت ايام العزاء.. ثلاثة ايام.. لم تكن قد عادت الى رشدها كما يزعمون.. بل كانت في عالم آخر.. معه في السوق.. تتجول.. تصف الفاكهة وترشها بالماء.. تغسل واجهة المحل بالماء كل صباح وتعد له الطعام..
كانت تضحك وتبكي.. تضحك عندما يغازلها ويقول.. أي نوع من الفاكهة تفضلين.. فتقول / أنا أحب ما تحب… فيجيبها بحب.. انتِ فاكهتي المفضلة… وتبكي عندما يناديها.. انا بعيد عنك.. ارجوك اريد ان تكوني قريبة مني… ولم ترفض طلبه.. في اليوم الثالث انتهى العزاء.. وفي اليوم الرابع… رحلت اليه.. رحلت وعلى خدها دمعة فراق… وعلى شفتيها ابتسامة لقاء…