والبشارات التي وردت بحق الرسول صلى الله عليه وآله وبالأئمة عليهم السلام كثيرة، وسأقتصر على القسم الذي قـمت بـتحقيقه خلال ترجمة الأصلين العبري والسرياني من الكتاب المقدس الى العربية، وعدم الاعتماد عـلى التـرجمة العـربية الموجودة، لعدم الدقة في ما يتعلق بالقضايا موضع بحثنا.
بشارات التوراة
جاء في سـفر التـكوين (قول (الرب) لإبراهيم عليه السلام ما نصه بالعبرية:
(في ليشّماعيل بيرختي أتوا وفي هفريتي أوتوفـي هـربيتي بـمئود مئوداوشنيم عسار نسيئيم يوليد في نتتيف لكوي كدول)).
وتعني حرفيا: (واسماعيل أباركه، وأثمّره، وأكـثّره جـدا جدا، إثنا عشر إماما يلد، وأجعله أمة كبيرة) ويتضح مـن هذه الفقرة أنّ التكثير والمـباركة إنـما هما فـي صـلب اسـماعيل عليه السلام، مما يجعل القصد واضحا في الرسـول مـحمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام بوصفهم امتدادا لنسل اسماعيل عليه السلام، ذلك لأن اللّه (تعالى) أمر ابراهيم بالخروج مـن بـلاد (نمرود) الى الشام، فخرج ومعه امرأته (سـارة) و (لوط)، مهاجرين الى حيث أمـرهم اللّه (تعالى)، فنزلوا أرض فلسطين. ووسّع اللّه (تعالى) على ابراهيم عليه السلام في كثرة المال، فقال: (ربّ ما أصنع بالمال ولا ولد لي)، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليـه (اني مكثّر ولدك حتى يـكونوا عـدد النـجوم). وكانت (هاجر) جـارية لسـارة، فوهبتها لإبراهيم عليه السلام، فحملت مـنه، وولدت له اسـماعيل عليه السلام، وابراهيم عليه السلام يومئذ ابن (ست وثمانين سنة). (تاريخ اليعقوبي:1/24 – 25)
والقرآن الكريم يشير الى هذه الحقيقة من خلال تـوجّه ابـراهيم عليه السلام بالدعاء الى اللّه تعالى: {ربّنا إنّي أسـكنت مـن ذريتي بـواد غـير ذي زرع عـند بيتك المحرّم ربّنا ليـقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون}.(إبراهيم/37)
فالآية الكريمة تـؤكد أن ابـراهيم عليه السلام قد أسكن بعضا من ذريته وهـو اسـماعيل عليه السلام ومـن ولد مـنه فـي مكة ودعا اللّه تعالى أن يـجعل في ذريته الرحمة والهداية للبشرية ما بقي الدهر، فاستجاب اللّه لدعوته بأن جعل في ذريته محمدا صلى الله عليه وآله واثـني عـشر إمـاما من بعده. وقد قال الامام الباقر عليه السلام: «نـحن بـقية تـلك العـترة وكـانت دعـوة ابراهيم لنا». (تـفسير القرآن الكريم، السيد عبد اللّه:26)
بشارة (العهد الجديد) بنبوة محمد صلى الله عليه وآله
وردت البشارة في (العهد الجديد) على لسان السيد المسيح عليه السلام، بمجيء (صاحب الصفات المحمودة) من بعده، فقد جاء في الأصل السرياني لسـفر يوحنا: (وأنّي أقعا من أقي وأحريا فرقليطا يتّل لا كون ورحفوا عمكون لعولام). (العهد الجديد، الأصل السرياني يوحنا:14/ 142)
وتعني: (وأنا أطلب من الأب، فيعطيكم صاحب الصفات المحمودة، ليمكث معكم الى الأبد). فالمسيح عليه السلام يشير في هذا النص الى أنّ الذي يـأتي من بعده هو (صاحب الصفات المحمودة) وهو النبي محمد صلى الله عليه وآله كما يؤكد القرآن الكريم: {واذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إنّي رسول اللّه إليكم مصدّقا بين يدي من التوراة ومـبشرا بـرسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين}. (الصف/6)
وهذه الاشارة نلاحظها من قبل السيد المسيح عليه السلام في العهد الجديد (الأصـل العـبري): (في أني أشألا مي أقـي وقـي هويتين لاخم فرقليط أحيروأشير يشكون اتخم لا نيتسّح). (العهد الجديد، الأصل السرياني يوحنا:14/ 142)
وتعني: (وأنا أطلب من الأب، فيعطيكم معزّيا آخر، ليمكث معكم الى الأبد). فمترجم (العهد الجديد) من أصـل العـبري، حرف معنى كلمة (فـرقليط) مـن (صاحب الصفات المحمود) الى (المعزّي)، محاولا بذلك عدم الاهتمام بالذي يأتي من بعد المسيح عليه السلام، وأنّه مجرد (معزّ) آخر لا غير.
بيد أن ملاحظة تحليلية لغوية للنصين السرياني والعبري تؤكد بما لا يقبل اللبس بـأن الذي يـأتي من بعد المسيح عليه السلام، يبقى الى الأبد، وهذا يؤكد ختم النبوّة بنبينا محمد صلى الله عليه وآله.
فبنو إسرائيل يعرفون الرسول صلى الله عليه وآله بـصفاته وسـيرته، ولكـنهم يحيدون عن الحق ويحرّفون الكلم، وهذا هو خلقهم وسجيتهم حتى مع نبيهم موسى عليه السلام، فقد ظهرت لهم مـنه مـعاجز العصا، واليد البيضاء، والعجائب في مصر، وانشقاق البحر لهم وعبورهم، والمن والسلوي، وآثـار عـظمة اللّه وقـدرته علي جبل سيناء. ولكنهم برغم هذا كله لم تمض سنة عليه حتى ارتدّوا عن عبادة اللّه تعالى.
بشارات (الكتاب المقدس) بالإمام المهدي عليه السلام
ان الانهيار والانحطاط اللذين يعيش فيهما العالم اليـوم، ليدلان على الحاجة المـلحّة لحـل صحيح يضع حدا لمعاناة الانسان على يد منقذ للبشرية، وهو الامام المهدي عليه السلام.
والايمان بوجود مصلح ومنقذ للبشرية لا ينفرد به أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، بل إن جميع المذاهب والأديان تؤمن بمجيء المـنقذ بما فيها اليهودية التي تؤمن بظهور منقذ ومخلّص يظهر في آخر الزمان.
فنجد في (رؤيا يوحنا) بشارة تشير الى أن مناديا ينادي ظهور حكم في الآفاق البشرية، فـفي (اصـحاح 14:6-7) قـال يوحنا: قا إيريه ملاّخ ميعوفيف بحتسي هشّاميم أوبـفيق بـسورت عولام لبسّيرإت يوشقيه هآرتس في إت كل كوي أومشبحا في لاشؤن قاعام. قبقرا بقول كدول يرأواإتها إيلوهيم قاهابو-لوكابود كـي بـاءي عـيت مشباطوفي هشتحقوا لاعوسيه شا مايم قا آرتس إت هيام أومـعينوت همايم). (رؤيا يوحنا 14:6-7 ص 474)
أي: (ثم رأيت ملاكا طائرا في وسط السماء، معه بشارة أبدية ليبشّر الساكنين على الأرض، وكل أمة وقبيلة ولسـان وشـعب، مـناديا بصوت عظيم خافوا اللّه، وأعطوه مجدا لأنه قد جاءت ساعة حكمه، واسـجدوا لصـانع السماء والأرض والبحر وينابيع المياه).
ومن خلال التحليل اللغوي لمعاني الكلمات التي جاءت في النص العبري لكـلتا الفـقرتين فـي (رؤيا يوحنا)، نجد تأكيد كون المنقذ سيكون لجميع سكان الأرض، اضافة الى ان النص العبري لم يكتف بالقول بمجيء المنقذ الى جميع سكان الأرض، بـل نـجد فـي النص تفصيلا آخر، وهو أن هذا المنقذ سيكون منقذا لكل أمة. ثم نجد في هذا النـص أيـضا اشارة الى مسألة مهمة، وهي البشارة (بقرب ساعة حكمه).
والأخبار والروايات الواردة عن أئمة أهـل البـيت عليهم السلام تشير الى هذه المفاهيم والمعاني وتؤكدها، وبالخصوص ما جاء في النص العبري لرؤيـا يـوحنا، فعن الامام الرضا عليه السلام انه قال: (ينادي مـناد مـن السـماء-يسمعه جميع أهل الأرض-بالدعاء الى القـائم فـيقول:ألا إنّ حجّة اللّه قد ظهر عند بيت اللّه فاتبعوه فإن الحق معه وفيه). (بحار الأنوار:13/322)
(أشعيا) يـبشّر بـالقائم عليه السلام أيضا
في جانب آخر مـن (سـفر أشـعيا) نجد اشارات صـريحة بـظهور (المنقذ)، وكيفية حكمه، وارتـباطه بـاللّه تعالى، لها دلالات لما ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام بخصوص الامام الحجة المنتظر عليه السلام.
وفيما يلي نـموذج لهـذه الاشارات: (في ناحا روح يهق في روحـ حـخما قي قـينا روح عـيتسا قـي كقورا روح دعت وقي يـرأت يهقا). (أشعيا:11/645)
وتعني هذه الفقرة: (ويحل عليه روح الربّ، وروح الحكمة والفهم، وروح المشورة والقوة، روح المعرفة ومـخافة الربـ).
وجاء من سفر اشـعيا ذاتـه: (قـي هـريحوبـيرأت يهقا قي لمـرئيه عـيناق قي لا لمشمع أوزناق يشقوط).
وتعني: (ولدته في مخافة الربّ، ولا يقضي بحسب مرأى عينيه، ولا بحسب مسمع أذنـيه).
وجـاء أيضاً: (قي هوخيح بميشور لعنافي آرتس قـي هـكا آرتـس بـشيفظ بـيق فـي بروّح سافاتاق ياميت راشاع).
وتعني: (ويحكم بالانصاف لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه).
وجاء كذلك: (في كار زئيب عم كيقس قي نـامار عم كدي برباتس قي عيكل قي كفير قي مري ياحدوقي نعر قاطان نوهيك بام).
وتعني: (ويسكن الذئب والخروف، ويربض النمر مع الجدي، والعجل والشبل معا، وصبي صغير يسوقها).
وأيضا: وردت الاشارة إلى السلام والعدل اللذين يكونان بعد ظهور المنقذ: (لويا ربعوا قي لويشحيتوا بخل هارقد شي كي مالئي هآرتس ديعا إت يهقا كـميم ليـم مخسيم).
وتعني: (لا يسيئون ولا يفسدون فـي كـل جبل قدسي، لأن الأرض تمتلىء من معرفة الربّ كما تغطّي المياه البحر).
ووردت أيضا الاشارة الى أحد أشهر ألقاب الامام المنتظر عليه السلام وهو (القائم): (قي هـايا بـيوم ههويسّي أشير عـوميد لنـيس عميم إيلاق كوييم يدرشوا قي هايتا منوحاتوكاقود).
وتعني: (وفي ذلك اليوم سيرفع القائم راية للشعوب والامم التي تطلبه وتنتظره، ويكون محله مجدا).
وفي هذا الصـدد جـاء فـي كتاب (بحار الأنوار) أنّه إذا قام القائم حكم بالعدل وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بـركاتها، وردّ كـل حق الى أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الاسلام، ويعترفوا بالايمان، أما سـمعت اللّه يـقول: (وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون) وحكم بين الناس بـحكم داود، وحكم محمد صلى الله عليه وآله، فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم يومئذ مـوضعا لصدقته ولا لبره لشمول الغـنى جـميع المؤمنين. ثم قال: إن دولتنا آخر الدول، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلاّ ملكوا قبلنا لئلا يقولوا، إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء، وهو قول اللّه تعالى: (والعاقبة للمتّقين). (بـحار الأنـوار:13/338-339)
وهذه الرواية من روايات مستفيضة في كتب مـعتبرة لعلماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام. بل نجد ذلك في كثير من كتب علماء أهل السنّة، فكل كتاب يتعرّض لسيرة آباء الحجة المنتظر عليهم السلام لابدّ وأن يذكره، وكل معجم للحديث فيه بعض ما ورد عن الرسـول الأعـظم صلى الله عليه وآله بشأنه عليه السلام، وجلّ كتب التفسير قد نصّت على الآيات الكريمة المؤوّلة بظهوره (ع)، وهو الامام الثاني عشر من أئمة الهدى الإمام محمد ابن الحسن مهدي هذه الامة عجل الله فرجه الشريف، والمنقذ القائد الذي يـقوم بـعملية البناء الشامل لحضارة الانسان.
ـــــــــــــــ
المصادر:
1- (الكتاب المقدس) (الأصل العبري) دار الكتاب المقدس، نورمانهنري سنيت.
2- (الكتاب المقدس) (الأصل السـرياني)، 1979.
3- (المـعجم الحديث) عبري-عربي، د. ربحي كمال، ط 1، دار العلم للملايين (بيروت).
4- (قواعد اللغة العبرية) د. زين العابدين محمود، دار الثقافة للنشر (القاهرة، 1985).
5-اذاعة اسرائيل العبرية، انصات (1979-1980).
6- (الهدى الى دين المصطفى) الشيخ محمد جواد البلاغي.
7- (تـفسير القـرآن الكـريم)، السيد عبداللّه شبّر، ط 3.
8- (تاريخ اليـعقوبي) المـجلد الأول، مـؤسسة نشر ثقافة أهل البيت عليه السلام (قم).
9- (التبشير والاستعمار في البلاد العربية) د. الخالدي، فروخ، طه، 1973.
10- (بحار الأنوار) ج 13، العلامة المجلسي، ط 3.
11- (الامام المهدي عليه السلام ) علي مـحمد عـلي دخـيل، ط 2، دار المرتضي (بيروت).
* بقلم: أحمد الواسطي
اللهم انر عقولنا بنور الحسين واحفظ العتبة وخدامها واجمعهم يوم القيامة وهم على احسن حال
حفظكم الله من كل سوء وزادكم نورا من نور الزهراء صلوات الله عليها.. نشكر لكم تعليقكم ونسئل الله قبول اعمالكم ودعائكم