البحث في فهارس المكتبة:

الحسين عليه السلام سيد الشهداء

مجلة الوارث 87
الحسين عليه السلام سيد الشهداء

*السيد صادق الشيرازي

نقل الشيخ ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات الذي يعد من المصادر الشيعية المهمّة والمعتبرة روايتين مفصلتين حول القضية الحسينية المقدسة.

وقد وردت الروايتان في المصادر الشيعية الأخرى ومنها كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله.

الرواية الأولى سندها مروي عن أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام المقربين وهو (ليث الرادي) المكنّى بأبي بصير والمعروف بالوثاقة لدى الفقهاء.

حضر أبو بصير يوما عند الإمام وتشرف بلقياه، فتحدث الإمام الصادق عن واقعة الطف الأليمة وما جرى على أهل البيت عليهم السلام من محن ومصائب، ولما بلغ بعض الوقائع انقلب حاله عليه السلام وقام من مكانه وأخذ يناجي ربه، وكان أبو بصير أيضاً قد تغير حاله لما رآه من حال الإمام عليه السلام ولذا لم يرو مناجاة الإمام عليه السلام، وقد تغير حال أبو بصير بحيث إنه لم يستطع النوم تلك الليلة لشدة ما رآه من تغير حال الإمام الصادق عليه السلام.

فعن أبي بصير، قال: كنت عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام أحدّثه فدخل عليه ابنه، فقال له: مرحباً، وضمه وقبله، وقال: «حقر الله من حقركم، وانتقم ممن وتركم، وخذل الله من خذلكم، ولعن الله من قتلكم، وكان الله لكم ولياً وحافظاً وناصراً، فقد طال بكاء النساء وبكاء الأنبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء»، ثم بكى، وقال: «يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم وإليهم، يا أبا بصير إن فاطمة عليها السلام لتبكيه وتشهق فتزفر جهنم زفرة لولا أن الخزنة يسمعون بكاءها وقد استعدوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل الأرض فيحفظونها [فيكبحونها] ما دامت باكية، ويزجرونها ويوثقون من أبوابها مخافة على أهل الأرض فلا تسكن حتى يسكن صوت فاطمة عليها السلام.

وإنّ البحار تكاد أن تنفتق فيدخل بعضها على بعض وما منها قطرة إلّا بها ملك موكل، فإذا سمع الملك صوتها أطفأ نارها بأجنحته وحبس بعضها على بعض مخافة على الدنيا وما فيها على الأرض، فلا تزال الملائكة مشفقين يبكون لبكائها ويدعون الله ويتضرعون إليه ويتضرع أهل العرش ومن حوله وترتفع أصوات من الملائكة بالتقديس لله مخافة على أهل الأرض.

ولو أن صوتاً من أصواتهم يصل إلى الأرض لصعق أهل الأرض وتقطعت الجبال وزلزلت الأرض بأهلها».

قلت: جعلت فداك إن هذا الأمر عظيم؟ قال: «غيره أعظم منه ما لم تسمعه»، ثم قال لي: «يا أبا بصير أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة عليها السلام؟».

فبكيت حين قالها فما قدرت على المنطق وما قدر على كلامي من البكاء، ثم قام إلى المصلى يدعو فخرجت من عنده على تلك الحال فما انتفعت بطعام وما جاءني النوم وأصبحت صائماً وجلاً حتى أتيته، فلما رأيته قد سكن سكنت وحمدت الله.(كامل الزيارات:83. بحار الأنوار:45/209)

    أسباب تغير حال الإمام عليه السلام

لا يخفى أن حالات المعصوم عليه السلام وطباعه تختلف تماماً عن الناس العاديين، إذ إنّ الإنسان يتأثر بالمسائل العاطفية ويشعر بشعور يقلبه رأساً على عقب، أما المعصوم عليه السلام فهو في أوج العاطفة والرحمة لا يتأثر بالمشاعر والأحاسيس العاطفية، وتغير حاله يكشف عن أن الموضوع في غاية العظمة والأهمية.

لأن الإمام عليه السلام حجة الله في أرضه وسمائه، وهو معلم الأكوان والملائكة والأنبياء، وهو أشرف الأولين والآخرين بما فيهم الأنبياء والمرسلون من بعد خاتم الأنبياء محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

نعم، إنّ الأئمة المعصومين عليهم السلام لا يختلفون عن جدّهم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم إلا بمقام النبوة، ولذا لا يمكن بحال من الأحوال أن يتأثر الإمام عليه السلام بقضية عاطفية أو تظهر عليه الأحاسيس والمشاعر الجياشة، والأنموذج البارز لذلك هي واقعة عاشوراء الفجيعة حيث كان وجه الإمام الحسين عليه السلام يتلألأ نوراً كلما فقد عزيزاً من أهل بيته وصحبه الأبرار.

والحال أن المصائب التي نزلت به من أعظم المصائب وأشدها، ومن الصعب بمكان تحملها.

والسؤال هنا هو: لماذا تغير حال الإمام الصادق عليه السلام لدى سماعه بعض وقائع عاشوراء فقام من مكانه وتفرغ للدعاء والعبادة؟ ولماذا تشهق الصديقة الزهراء عليها السلام؟

الجواب: إنّ من يعرف عظمة الصديقة الزهراء عليها السلام ووجاهتها عند الله سبحانه يدرك مليّاً أنّ تغيّر حال الإمام الصادق عليه السلام لم يكن ناجماً عن الإحساس العاطفي.

يقول أبو بصير: قال الإمام الصادق عليه السلام: «إن فاطمة عليها السلام لتبكيه وتشهق».

وقد استخدم كلمة الشهقة في اللغة العربية في من يصاب بلوعة فتنحبس أنفاسه في أعماقه مع عدم القدرة على التنفس، ومن ثم وبشكل مفاجئ يتنفس من عمق وجوده بتألم ولوعة، مثل هذه الحالة في اللغة تسمى الشهق والشهقة، بالطبع كل نفس لا يقال له شهقة، وإنما النفس الذي يحبس جرّاء مصيبة عظمى ومن ثم يطلقه الإنسان من أعماقه يسمى شهيقاً، ففي اللغة: الشهيق: الأنين الشديد المرتفع جداً، وأما خروج النفس فيسمى زفيراً، وقد ورد في القرآن الكريم أن لجهنم شهيقاً وزفيراً.

ولا يخفى على أهل العلم أنّ استعمال الجملة الفعلية في الجمل يدل على الدوام والاستمرار خاصة إذا كان فعلها مضارعاً، وفي الرواية الشريفة بدأ الإمام الصادق عليه السلام بالجملة الفعلية، فقال: «تشهق»، ما يعني أنها عليها السلام تشهق وتتألّم دوماً لمصائب عاشوراء، لذا تأثر الإمام عليه السلام لما روى الرواية ما أثّر على أبي بصير تبعاً له.

    تأثر عوالم الخلقة

لم يصرح الإمام الصادق عليه السلام عن المدة التي تبقى مولاتنا الزهراء عليها السلام تشهق فيها، فقد تكون في كل ليلة من ليالي عاشوراء أو في يوم عاشوراء من كل سنة، ومن الممكن أنها تشهق طوال السنة، أو يكون حالها كذلك في يوم شهادة الإمام عليه السلام إلى يوم القيامة.

وعلى أيّ حال فإن القدر المتيقّن من الرواية أنّها عليها السلام تشهق في ليلة عاشوراء ويومه، وشهيقها هذا لا يؤثر على الكرة الأرضية فحسب، بل يشمل جميع العوالم ويترك بصماته على كل شيء ما عدا الذات الإلهية، وكل ما في الوجود يختل نظامه وعمله.

وقد أشار الإمام الصادق عليه السلام إلى أن الإنسانية لا تتحمل هذه الشهقة، ولو بلغنا ذرات منها لهلكنا؛ لأنّ الإنسان ليس له القدرة على تحمّل سماعها.

وهذه الشهقة لسيدة النساء عليها السلام والمصيبة العظيمة التي حدثت للإمام الحسين عليه السلام لا يمكن أن تنتهي في يوم من الأيام، بل هي سرمدية وخالدة، وهذا ما أكده نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال: «فَلَا يَزْدَادُ أَثَرُهُ إِلَّا ظُهُوراً وَأَمْرُهُ إِلَّا عُلُوّا».(كامل الزيارات:262)

ومن المؤكد أن الشهقة التي تشهقها السيدة الزهراء عليها السلام أثرها على كل الخلائق، وطبقاً للرواية فإنّ لون جهنم أسودّ من شدّة الحرارة، وقد نقل الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب الاختصاص رواية مفصّلة حول جهنم.

وأن من يطالع أحوال جهنم بإمعان لن يتمكن من النوم والسكينة إلى الصباح من شدة الخوف والفزع!

فمثل الشمس التي هي كرة عظيمة من النار رغم شدة حرارتها إلا أن لونها لم يتغير ولم تصبح سوداء، مع أن درجة حرارة الشمس هي 11000 درجة، وأن الحرارة لو بلغت 800 إلى 850 تذيب الفولاذ، ولذا فإنّ حركة الفولاذ في الشمس كحركة الغاز، وهذا دليل على شدة حرارة الشمس، وبالرغم من ذلك فإنّ لونها لم يتغيّر ويصبح أسوداً.

الجدير بالذكر أنّ الإمام عليه السلام يصرّح: أنّ شهقة الزهراء عليها السلام تؤثر على جهنم فتضج ويزداد لهيبها، ولولا أنّ الملائكة الموكلين بها يغلقون أبوابها لأحرقت الكون بأسره وأهلكت جميع الموجودات، وهنا يطرح السؤال التالي: ما هي حقيقة تلك الشهقة الأليمة التي تشهقها الصديقة الزهراء عليها السلام؟

ولماذا لم تشهق سيدة نساء العالمين يوم شهادة أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشهادة أمير المؤمنين والإمام الحسن عليه السلام والحال أنهم أفضل من الإمام الحسين عليهم السلام؟ أليس أنّ شهقتها عليها السلام ينبأ عن فداحة مصيبة الإمام الحسين عليه السلام؟

إنّ شهقة السيدة الزهراء عليها السلام تترك بصماتها على كل قطرة ماء في هذا العالم الواسع فيوعز الله عز وجل إلى الملائكة الموكلين بالبحار والمحيطات أن يسيطروا عليها إثر شهقتها عليها السلام، وإلا لتلاطمت الأمواج العاتية وآل الأمر إلى غرق الكرة الأرضية وفنائها عن بكرة أبيها.

ومن الأمور التي تتأثر بشهقة السيدة الزهراء عليها السلام هي الأرض حيث تترك تلك الشهقة زلزالاً مهيباً وشديداً في الأرض، ولولا تسبيح وتقديس الملائكة لساخت الأرض ومن عليها من عظمة تلك الشهقة؛ لأنّ الملائكة عندما تسمع شهقة السيدة الزهراء عليها السلام تبدأ بالتهليل والتقديس بصوت عالٍ ومناجاة الباري عز وجل خشية أن تباد الأرض، مما يوجب عطف ورأفة الخالق المتعال وبقاء الأرض في أمان.

وكما عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ الشهقة شديدة ومهيبة بحيث أنه لو لم يسيطر عليها لحدث زلزال عظيم يمحو الأرض وصارت أثراً من بعد عين.

ولو سمع الناس قليلاً من تسبيح وتقديس الملائكة وهم يقولون: سبوح قدوس لانقلبت مقاييس الأرض وصار عاليها سافلها وماتت بقية المخلوقات.

وعندما انقلب حال الإمام الصادق عليه السلام وتغيّرت أوضاعه قام وذكر الله عز وجل وسبّحه كثيراً، ومن الممكن أنه عليه السلام دعا الله سبحانه وتعالى أن يرفع البلاء عن المؤمنين والمؤمنات وأن يزيد في توفيقاتهم لإقامة مراسيم العزاء والمراثي على الإمام الحسين عليه السلام.

ولو أمعنا النظر في مراسيم عاشوراء في كل سنة ودققنا في العظمة التي تكتنفها من التفاف الناس حولها وما شابه لجلت لنا ومضة بسيطة من دواعي شهقة بضعة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

    عاشوراء في زمن الظهور

لا شك أن عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام لا يطفأ نورها بعد ظهور بقية الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف بل هي مستمرة إلى يوم القيامة، والروايات الواردة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام تدلّ بشكل جلي على أنّ قضايا عاشوراء تأخذ أبعاداً أخرى في ذلك اليوم، حيث تدرك الخلائق ما جرى ويتضح للجميع حقيقة ثورة الإمام الحسين عليه السلام والأهداف التي كان يبتغيها، والمظلومية العظيمة التي حلت به، والعاقبة والعذاب الشديد لمن قتله وظلمه ووقف في طريق نصرته ونصرة شعائره المقدسة.

كما أن دم الإمام الحسين عليه السلام لا يمكن جبره بأي حال من الأحوال، والله سبحانه وتعالى أعلم وحده بالقيمة الواقعية لقطرة الدم التي أريقت من سيد الشهداء عليه السلام وعظمتها، ولن يعوضها شيء في هذا الكون الواسع في أي زمان.

وكلما فعلنا في عزاء الإمام الحسين عليه السلام يعود نفعه لنا أولاً وآخراً، فببركته عليه السلام ننال القرب الإلهي وعلو الدرجات ودعاء الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والسيدة الزهراء عليها السلام والأئمة الأطهار عليهم السلام.

وإلا فأي عمل مهما عظم وكبر فهو لا يسدّ معشار قطرة من قطرات دم الإمام الحسين عليه السلام.

ومن هذا المنطلق تبقى عاشوراء سرمدية أبدية معطاءة لا تتوقف ثمارها إلى يوم القيامة، بل تستمر حتى يوم القيامة.

    محاربة الشعائر الحسينية

نقل السيد محمد الشيرازي رحمه الله قائلاً: قبل ثمانين عاماً تقريباً ورد كل من رضا خان في إيران وياسين الهاشمي في العراق وأتاتورد في تركيا عالم السياسة، وكانوا يحملون مهمة واحدة وغاية مشتركة ألا وهي القضاء على الدين وتقويض الشعائر الحسينية المقدسة، ولكن باء الثلاثة رغم خشونتهم المفرطة والأعمال الاجرامية والأساليب القمعية التي قاموا بها بالفشل الذريع، وظلت أفعالهم وصمة عار تلاحقهم إلى يوم يبعثون، وسوف تبقى الأجيال تلعنهم إلى الأبد.

فقد حكم البهلوي في إيران ما يناهز العشرين سنة وعمل في السنين الخمس الأخيرة من حكمه بكل حزم وشدة على محاربة الشعائر الحسينية والنيل منها، فحبس الخطباء وضربهم وغرمهم غرامات مالية كبيرة، كما سجن وعذب كل من يقيم العزاء وعاقبهم بعقوبات شديدة وقاسية، وقد طال ذلك حتى الذين كانوا يقيمون العزاء في بيوتهم الخاصة.

وأما في العراق فقد حارب ياسين الهاشمي طوال توليه منصب رئاسة الوزراء الدين بقوة فضلاً عن الشعائر الحسينية وتجاوز كل حدود الأخلاق والأعراف الدينية حتى فاق نظيره البهلوي في إيران إذ إن البهلوي كان يسجن مقيمي الشعائر والمجالس، أما الهاشمي فبالإضافة إلى ذلك فقد أصدر في زمن السيد أبو الحسن الاصفهاني والميرزا النائيني وبقية العلماء الأعلام رحمهم الله قراراً في وسائل الإعلام بإهانة وتحقير العلماء ورجال الدين، ولم يستمر هذا الوضع طويلاً إذ إن السيد أبا الحسن الأصفهاني رحمه الله قلب الموازين لصالح الطائفة الحقة، وكانت النتيجة أن خابت آمال الهاشمي في القضاء على الشعائر والمذهب ولم يحقق أهدافه المشؤومة على أرض الواقع.

وبطبيعة الحال هناك علماء أعلام وشخصيات كبار أمثال الشيخ عبد الكريم الحائري والسيد حسين القمي رحمهما الله وقفوا مواقف حازمة لحماية الدين الإسلامي المبين من الانحراف والحفاظ على الشعائر والمجالس الحسينية حيث تحدوا جبروت البهلوي وضحوا بالغالي والنفيس في طريق ذات الشوكة، وسقط في سبيل إعلاء كلمة الدين وبقاء صرخة الإمام الحسين عليه السلام مدوية العديد من المؤمنين شهداء ليلتحقوا بقوافل الشهداء الذين سقطوا طوال التاريخ على مقصلة العقيدة.

وقد تكرر السيناريو في تركيا على يد أتاتورك الذي أراد القضاء على الدين كلياً وعمل بشتى الوسائل والطرق لهذا الهدف وكان مدعوماً بقوة من القوى والحركات المعادية للإسلام.

فالشواهد والدلائل كلها تشير إلى أن الظلم والجور لم يمنع الأمة ولو بقدر أنملة أن تقيم الشعائر الحسينية وتحيي مراسيم العزاء على سيد الشهداء عليه السلام، وباءت كل المحاولات بالفشل وخيبة الأمل، وكما نرى اليوم فإن المراسيم تقام في كل مكان من أصقاع العالم وترتفع رايات الإمام المظلوم عليه السلام في دول وبلدان لم يكن يتصورها العقل يوم من الأيام.

ولم يشهد التاريخ حيوية وحماساً كما في الشعائر والمآتم الحسينية الراهنة حيث استمدت الشعائر عنفوانها وديموميتها من عظمة أهدافها التي انطلقت من أجلها على يد الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه.

بل صارت الشعائر الحسينية محوراً تشد المجتمع وتزيد من أواصر التماسك الاجتماعي والعمل على حب الخير والصلاح، وهذا كله ببركة الدماء الزاكيات التي أريقت في أرض الطفوف، بالطبع آلت عواقب هؤلاء الحكام الثلاثة إلى ما لا يحمد عقباه، وصار التاريخ يلعنهم جيلاً بعد جيل، ولو كانوا يتمكنون الخروج اليوم من قبورهم ويرون ما وصلت إليه الشعائر الحسينية من عظمة وانتشار لشعروا بفشلهم الذريع والحسرة على كل خطوة خطوها في هذا الطريق.

    سرمدية الشعائر الحسينية

من الواضح أنّ الحكام الذين أسرفوا في الظلم والجور ومن سار في ركابهم يتصورون بذهنيتهم الخاوية أنهم قادرون على مواجهة الشعائر الحسينية والعمل على التقليل من بريقها ونورها الوهاج، ولكن أين الحكام الظلمة اليوم؟

فقد أصيبوا في الدنيا بالعار والخزي وفي الآخرة ساءوا مستقراً ومكاناً، وأين ياسين الهاشمي؟ ليخرج من قبره المظلم وليرى ما يجري في العراق والدول الشيعية، وأين بلغت قوة الشعائر في المعمورة والذين يشاهدون القنوات الفضائية الدينية يدركون إلى حد ما عظمة الشعائر الحسينية، ورأوا بأمّ أعينهم مشاهد يعجز العقل عن إدراكها وتصورها.

وقد نرى ما تشهده أصقاع العالم المختلفة من عظمة وهيجان في مراسيم الإمام الحسين عليه السلام فاليوم أضحت النهضة الحسينية تمثّل مشروعاً متكاملاً في كافة الجوانب الحياتية للإنسان وعلى جميع الأصعدة العقائدية والفكرية والأخلاقية، وصارت مفرداتها تتجدّد في كل زمان ومكان ولا تقتصر على بقعة معينة أو زمن محدد أو شعب ما أو طائفة بعينها، فتجاوزت كل الأطر والحدود.

بالطبع ما نراه في أنحاء العالم لا يتناسب مع منزلة الإمام الحسين عليه السلام وإذا ما قورنت مع القابليات الموجودة على الكرة الأرضية فهي مقابلها كالعدم، ومع ذلك تبقى آيات الشكر موصولة لكل من أحيى تلك المراسيم وقدم لها الدعم المادي والمعنوي (شكر الله مساعيهم جميعاً) هذا من جهة.

ومن جهة أخرى إننا نتأسّف كثيراً على الثلة الذين يتصورون أنّهم قادرون من خلال تربعهم على كرسي الحكم وتسلطهم على رقاب الناس لمدة قصيرة في هذه الدنيا الفانية، أن بإمكانهم التحكم بشعائر الإمام الحسين عليه السلام والتقليل من شأنها وعظمتها وتسليط سوط عذابهم على كل من يتمسك بها! فقد خسر كل من كان يفكر بهذا النحو، أليس أن الحكام الظلمة السابقين هم الخاسرون الأكبر؟

وأليس الحكام كانوا يعتقدون أن من خلال الضرب والسجن والاعتقال والتبعيد يستطيعون الوقوف أمام الشعائر والحيلولة دون إقامتها؟ ولكن شاهد الجميع عاقبتهم ومصيرهم الأسود.

لذا ينبغي أن يتعظ كل من يريد الاقتفاء بأثرهم ولير عاقبتهم السيئة ومصيرهم الأسود الذي لاقوه.

شاهد أيضاً

The Warith Magazine Issue 6

– by: The Department of Islamic Studies and Research of The Holy Shrine of Imam …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *