*حسين الطفيلي
هناك مقولة مشهورة تقول: إنّ عدم الوجدان لا يعني عدم الوجود. ومعنى هذه المقولة أنّ ما لم تجده أنت لا يعني أنّه غير موجود. وهذه المقولة بهذا المعنى صحيحة في حق الناس محدودي العلم أو الذين علمهم كسبي.
أمّا في حق الله تعالى أو مَن علمه مِن الله، فهي غير صحيحة لأنّ عند الله عدم الوجدان يعني عدم الوجود. وكذلك في حق من علمهم مطلق لدني من الله.
قال تعالى في سورة الذاريات: {َفَأَخْرجَْنَا منَ كَان فيِهاَ منِ المْؤُمْنِيِن * فَماَ وجَدَنْاَ فيِهاَ غَيرْ بيَتْ مِّن المْسُلْمِيِن}.[الذاريات: 36 ]
فقوله تعالى {فما وجدنا} يعني أنَّه لا يوجد فعلاً. وفي جانب العلم فإنّ من لم يعلم شيئاً فهو جاهل به، وأمّا ما لم يعلمه الله فهو غير موجود.
ففي قوله تعالى: {ِلنِعَلَْم مَن يتََّبِع الرَّسُولَ ممَِّن ينَقَلبِ علََى عقَبِيَهْ}.[البقرة: 143] فإنّ معناها أنّ الله تعالى كان يعلم أنّ منهم من سينقلب في مستقبل الأيام، ولم يكن يعلم أنّهم انقلبوا بمعنى أنَّهم لم ينقلبوا بعد وليس أنَّ الله يجهل ذلك – والعياذ بالله – وهذا ما جاء في كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه الله.
قيل يا بن رسول الله فلِمَ أمر بالقبلة الأُولى؟
فقال: لما قال عزَّ وجلَّ: {ومَاَ جعَلَْناَ القْبِلَْةَ الَّتيِ كُنت علََيهْاَ} وهي بيت المقدس {ِإلَِّا لنِعَلَْم منَ يتََّبِع الرَّسوُلَ ممَِّن ينَقَلبِ علََىٰ عقَبِيَهْ} إلَّا لنعلم ذلك منه وجوداً بعد أنْ علمناه سيوجد. (تفسير نور الثقلين: 1/ 135 ).
وكذلك لما سأل يهودي أمير المؤمنين عمَّا لا يعلمه الله فقال له عليه السلام: «إنّ الله لا يعلم له ولداً »، ومعنى كلامه هذا أنَّه لا يوجد لله ولد وليس
أنَّ الله – والعياذ به – يجهل أنَّ له ولداً. ففي كتاب التوحيد قال الشيخ لصدوق: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل ببلخ، قال: حدثنا علي بن مهرويه القزويني قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: «إنّ يهودياً سأل عليَّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: أخبرني عمّا ليس لله وعمّا ليس عند الله وعمّا لا يعلمه الله، فقال عليه السلام: «أمَّا ما لا يعلمه الله عزَّ وجلَّ فذلك قولكم يا معشر اليهود: إنّ عزيراً ابن الله والله لا يعلم له ولداً، وأمَّا قولك ما ليس لله فليس لله شريك، وقولك: ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد »، فقال اليهودي: أنا أشهد أنْ لا إله إلَّا الله وأنّ محمّداً رسول الله.(التوحيد: 3)