البحث في فهارس المكتبة:

المدارس الدينية في الصحن الحسيني الشريف عبر التاريخ

تراثيات
المدارس الدينية في الصحن الحسيني الشريف عبر التاريخ

لا يستبعد ان يكون تأريخ قيام المدارس في الصحن الحسيني الشريف وملحقات الحائر وتوابعه، يبتدئ‏ مع تأريخ الدراسة وان لم تكن لهذه المدارس بناية خاصة تسمى باسمها، ويكفي في ذلك أن يكون اجتماع بقصد تلقي الدرس والوعظ والمناقشة والانشاد، وهذا ما كان يحدث في مسجد النبي صلى الله عليه وآله في المدينة المنورة ومسجد الكوفة، وقد اشتهر مسجد الكوفة بما تداوله العلماء والمحدثون من آراء وافكار وخطب ومواعظ ودرس، وما أخرج من الفحول في مختلف العلوم والفنون، فالحلقات الدينية في صحن وزوايا الروضتين الحسينية والعباسية والتي كان يقوم بالتدريس فيها بعض اساطين العلم، على غرار مسجد النبي أو مسجد الكوفة وغيرها من المساجد الاسلامية الشهيرة . يقول الأستاذ الدكتور حسين علي محفوظ : ” وكانت المساجد والجوامع والحلقات والمجالس، والكتاتيب والمكاتب، وخزائن الحكمة ودور العلم، وبيوت الحكمة والمدارس، والزوايا والتكايا، والربط والخوانق، والبيوت والمساكن، والدور والقصور، والبلاطات والدواوين، والمشاهد والمراقد والترب والمقابر، والدكاكين والأسواق أهم مواطن التعليم، وأظهر مواضع التعلم، وأشهر أمكنة التدريس والدراسة والتلقين والتلقي والمدارسة والتدارس.”(١).
وعلى هذا من الممكن القول ان قيام أول مدرسة كان مع اول بناء على القبر المطهر من بعد واقعة الطف في القرن الاول الهجري، فقد بني عليه في هذا الوقت سقيفة ومسجد(٢) ولم يزل هذا البناء والمسجد الى قيام الدولة العباسية، والقبر المطهر بعيد في هذه الفترة عن كل انتهاك لانشغال العباسيين من جهة بتوطيد دعائم الملك، ومن جهة اخرى لظهور دعاة هذه الدولة بادئ الامر بمظهر القائم بإرجاع السلطة الى اصحابها الشرعيين من آل البيت الطاهر عليهم السلام.
ومن هذه المدارس الموجودة في صحن الامام الحسين عليه السلام مايلي:
المدرسة العضدية الاولى
أما متى بنيت هذه المدارس الآتية الذكر بهياكلها المشتملة على الغرف وملحقاتها، فتشير الوثائق التاريخية الى ان اول مدرسة هي التي بناها عضد الدولة البويهي، مع تجديده لبناء المرقد الطاهر الذي تم على يده في عام 369هـ (980م) حيث أمر ببناء مدرسة “العضدية الاولى”، كما بنى بجنبها مسجد رأس الحسين عليه السلام، والمدرسة والمسجد كان موقعهما في أول شارع السدرة من جهة الغرب، بالقرب من باب السدرة أحد أبواب العتبة الحسينية المقدسة، وقد بقيت هذه المدرسة إلى فترة العهد الصفوي. وكانت تحت رعايتهم وعنايتهم. وبعد زوال الدولة الصفوية آلت إلى الخراب. وفي سنة 1354هـ (1935م) أزيلت المدرسة لغرض فتح شارع يحيط بالروضة الحسينية(٣)، ولا يوجد أثر للمدرسة الآن اما المسجد فقد كان معروفاً الى زمن قريب بمسجد رأس الحسين عليه السلام والذي يقال إن عمر بن سعد وضع الرأس الشريف للإمام على صخرة هناك قبل حمله إلى الكوفة(٤).
المدرسة العضدية الثانية
وفي سنة 371 هـ (982م) واصل عضد الدولة زيارته التقليدية السنوية لكربلاء وامر ببناء الصحن الصغير(٥) وهو موضع مقبرة السلاطين من آل بويه، وبناء مدرسة ثانية ” العضدية الثانية ” الى جوار الصحن الشريف وملاصقة له، وكانت المدرسة قد بنيت في الجهة الشمالية من المرقد المطهر(٦).
وقد ازدهرت كربلاء في عهده وعهد البويهيين، وتقدمت معالمها الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فاتسعت تجارتها، واخضلت زراعتها، واينعت علومها وآدابها، فدبّت في جسمها روح الحياة والنشاط، فتخرّج منها علماء فطاحل وشعراء مجيدون، وتفوقت في مركزها الديني المرموق(٧).
وقد أزيلت هذه المدرسة والصحن الصغير بتاريخ 24/ 11/ 1948م، في عهد عبد الرسول الخالصي الذي عيّن متصرفاً لكربلاء قبل المحرم من سنة 1368هـ ببضعة ايام وفوراً باشر بالهدم، حيث سلط المعاول على الصحن الصغير تسليط القنابل الذرية فدمرها وآثارها الفنية الثمينة تدميرا خلال اقل من يومين او ثلاث كأنه يهدم اكواما من تراب لا أبنية تاريخية وآثارا فنية ثمينة(٨).
المدرسة الكبيرة التي ذكرها ابن بطوطة في رحلته
ازدهرت الحركة العلمية في كربلاء بالمئات من روادها من طلبة العلم والفضلاء والفقهاء الذين جاؤوا إليها من مختلف الأقاليم الإسلامية كإيران والهند ودول آسيا الوسطى (داغستان،آذربايجان، طاشقند) وغيرها من المناطق الإسلامية. وقد أشار الرحالة (ابن بطوطة) الطنجي في رحلته حين زارَ كربلاء سنة 726هـ /1326م إلى وجود مدرسة علمية كبيرة إلى جانب الضريح المقدس للإمام الحسين عليه السلام، فوصف المدينة وعمرانها بقوله: (وهي مدينة صغيرة تحفها حدائق النخل ويسقيها ماء الفرات والروضة المقدسة داخلها وعليها مدرسة عظيمة وزاوية كريمة فيها الطعام للوارد والصادر وعلى باب الروضة الحجّاب والقوَمة)(٩).
مدرسة السردار حسن خان
تعتبر هذه المدرسة أحد ابرز المعاهد الدينية التاريخية في كربلاء. شيدت من قبل السردار حسن خان القزويني سنة 1180هـ (1767م), وكانت تقع في الزاوية الشمالية الشرقية من صحن الحسين، وقد اخرجت هذه المدرسة عددا من فحول أهل العلم والادب. ومن طلبتها الشيخ شريف العلماء المازندراني ( ت 1246 هـ )، وهو أحد اساطين العلم في الحوزات العلمية، والمصلح الإسلامي الكبير جمال الدين الأفغاني ( ت 1315 هـ ) الذي كان له الأثر البالغ في نهضة العلوم والآداب في مصر.
وكانت هذه المدرسة تحتوي على 70 غرفة، وقد كُسيت جدرانها بالزخارف الهندسية البديعة تعلوها كتابات من الآيات القرآنية الكريمة، بالإضافة الى النقوش والزخارف الفنية الرائعة، فقد أنفق السردار حسن خان المبالغ الطائلة في إنشاء هذه المدرسة وتأسيس الاوقاف لها(١٠). وبوشر بهدم بنائها بتاريخ 18/ 11/ 1948م، وقد بقيت آثارها إلى آذار من سنة 1991م وبعد التهديم الذي حصل بعد احداث الانتفاضة الشعبانية عام 1411هـ هدم ما تبقى من آثارها واصبحت اثرا بعد عين.
مدرسة الصدر الأعظم النورّي
كانت هذه المدرسة مزدحمة بطلاب العلوم الدينية وفضلاء المحصلين، حيث تعد من أهم المعاهد العلمية الدينية في كربلاء. وكانت تقع غرب صحن الروضة الحسينية، شيدها العلامة الشيخ عبد الحسين الطهراني من ثلث الأمير الميرزا تقي خان الصدر الأعظم المتوفى سنة 1268هـ (1852م ) . وقد أزيلت أيضاً سنة 1948م نتيجة فتح شارع الحائر المحيط بالروضة الحسينية. و قد اخرجت هذه المدرسة اعلاما في الفقه والشعر والادب وكانت لهم شهرة كبيرة ، منهم الشيخ أبو القاسم الخوئي (ت1364هـ ) والشاعر السيد عبد الوهاب الوهاب ( ت 1322هـ ) والشاعر الشيخ كاظم الهر ( ت 1333 ه )(١١) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١)الأستاذ الدكتورحسين علي محفوظ : البحث الموسوم بـ”دور المدارس القديمة في بناء الجامعات الجديدة وأهمية التراث العربي في وضع تقاليد التعليم العالي ومناهج البحث العلمي وأصول الدراسة والتدريس”.
(٢)الدكتور عبد الجواد الكليدار، تاريخ كربلاء وحائر الحسين (ع ) : 151.
(٣) الدكتور رؤوف الأنصاري، عمارة كربلاء؛ دراسة عمرانية وتخطيطية : 194
(٤) الدكتور الشيخ محمد صادق الكرباسي : دائرة المعارف الحسينية تاريخ المراقد 1: 298.
(٥) سيأتي الكلام عن هذا الصحن الصغير وانه كان آية من آيات الفن المعماري، وعن دور دولة آل بويه في اعمار المراقد المقدسة في اعداد قادمة ان شاء الله .
(٦) الدكتور الشيخ محمد صادق الكرباسي : دائرة المعارف الحسينية تاريخ المراقد 1: 299.
(٧) الدكتور عبد الجواد الكليدار، تاريخ كربلاء وحائر الحسين (ع): 162.
(٨) المصدر السابق : 169.
(٩) ابن بطوطة الطنجي، تح : د. محمد مصطفى زيادة، رحلة ابن بطوطة، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار 1 / 139.
(١٠) السيد سلمان هادي آل طعمه، تراث كربلاء : 368.
(١١) نفس المصدر السابق : 369.

شاهد أيضاً

The Warith Magazine Issue 6

– by: The Department of Islamic Studies and Research of The Holy Shrine of Imam …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *