البحث في فهارس المكتبة:

منهج التربية الثورية عند الامام الحسين عليه السلام

الثورة الحسينية
منهج التربية الثورية عند الإمام الحسين عليه السلام

(التربية الثورية إنما ينهض بها القادة التاريخيون الذين يهدفون الى تحرير الإنسان من أسار وضع اجتماعي فاسد ولبناء مجتمع صالح على أنقاضه وعندما يصبح مثل هذا الهدف هو الهاجس الوحيد للقائد التاريخي عندها يبدأ عملية التعبئة الفكرية والروحية بهذا الاتجاه وتلتحق به النخبة المختارة التي ترتضي هذا الهدف محوراً لحركتها وهمومها ومواقفها).

الاسلام العظيم بصفته الدين السماوي الخالد الذي اختاره الله تعالى للبشرية جمعاء يهدف الى إخراج الناس من عبودية العباد والطواغيت الى عبودية الله وحده ومن هنا فعندما ينحرف الحكام عن الاسلام العظيم ويبغونها عوجاً ويتحولون الى طواغيت يهلكون الحرث والنسل ويعشون في البلاد والعباد فساداً.

فلابد حينئذ للقائد التاريخي أن يتصدى بكل جرأة وشجاعة لهذا الإنحراف والعمل لارجاع الأمور الى نصابها وإلا فإن أمر الامة المسلمة سينتهي الى الإنهيار والإنحلال وضياع القيم التي أرساها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك اتجه الامام القائد عليه السلام الى اعداد النخبة المؤمنة وتهيئتها وتربيتها للقيام بالدور التاريخي المطلوب دون الاقلال من أهمية وضرورة احداث وعي متزايد لدى جماهير الامة المسلمة لتتحمل مسؤوليتها الشرعية أيضاً.

وهنا قد يثار سؤال:

ما هو منهج الإمام الحسين عليه السلام في التربية الجهادية الثورية وكيف جعل الأنصار والأصحاب ينهضون لأداء دورهم بكل اخلاص وحماس؟!

وللإجابة عن هذا السؤال لابد أن نحدد أولاً أهم عناصر المنهج الثوري عند الامام الحسين عليه السلام لنرى بعد ذلك كيف نهض الامام القائد به وكيف ربى أنصاره وسيرهم عليه يمكننا أن نحدد أهم العناصر الأساسية لهذا المنهج بالآتي:

1- الوعي والتبصير ووضوح الهدف

2- الإيمان المطلق بالقيادة والوفاء لها

3- الاستعداد العالي للتضحية

4-الانضباط التام

هذه من وجهة نظرنا أهم عناصر المنهج الثوري عند الامام الحسين عليه السلام فلنتبين كيف كان عليه السلام يعد أصحابه ويربيهم وفق هذا البرنامج (المنهج)

أولاً: الوعي والتبصير ووضوح الهدف

إن الوعي والبصيرة التي يجب أن يتحلى بها الانسان أمر ضروري جداً لأي عمل أو دور يريد أن يؤديه فلا يمكن للإنسان السير في الطريق الى الهدف بدون تلكؤ أو تعثر مالم يكن على بينة من أمره ووضوح في هدفه واستناداً اليه فقد وجدنا الإمام الحسين عليه السلام يحدد الهدف بوضوح ويرسم للمجاهدين الطريق ويتبين معالمه قال الامام عليه السلام: ‘أيها الناس إني سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله’ ثم قال مشيراً الى السلطة الأموية الغاشمة: ‘الا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان واستحلوا حرام الله واستأثروا بالفيء’.

وهكذا حدد الإمام القائد الهدف الذي يتمثل بضرورة إزالة مثل هذا الحكم المتسلط الجائر واجتثاث الفساد فيزيد ــ الحاكم الأموي ــ فاسق فاجر شارب للخمر ومعلن بالفسق وفي ضوء هذا نرى انه لم يكن أمام الأصحاب والأنصار إلا الإطاحة به وتخليص البلاد والعباد منه.

ثم إن الإمام القائد عليه السلام مع تحديده لهذا الهدف المباشر من حركته يبصر أنصاره بأن هذا الهدف مع أهميته إلا أنه ليس هو الهدف الاساس بل يجب أن تكون الاطاحة بالنظام المتسلط تمهيداً لإقامة حكم الله بتحكيم شريعته أي الاسلام العظيم ولذلك صرح الامام الحسين عليه السلام قائلاً:’إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله وسلم أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي ‘، فالمطلوب تحديداً ــ هو الاصلاح الجذري وتحويل مسار الامة الى الاتجاه الصحيح أي الى اتباع سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ثانياً: الايمان المطلق بالقيادة والوفاء لها

لا يمكن للإنسان الذي يثور في وجه الواقع الفاسد ويسعى الى تغييره ان يصل الى الهدف المعلن مالم يؤمن بقيادة مؤهلة ويكون وفياً، كما أن من غير المتصور بلوغ الهدف من دون وجود العلاقة المذكورة بين الأتباع والقائد ومن هنا وجدنا الامام الحسين عليه السلام يربي أتباعه ويعبئهم روحياً وفكريا ليكونوا على هذا المستوى من الايمان والوفاء ونحن إنما نستطيع أن نطلق القول بذلك إذا نظرنا الى الأنصار والأتباع في ساحة المواجهة وفي ساحة اصطكاك الأسنة وحتى مع عدم الرجوع الى مواقفهم واسلوب منازلتهم الأعداء فإن لنا في الوسام الذي قلده الامام الحسين عليه السلام إياهم خير دليل فقد قال عليه السلام في حقهم: ‘إني لا أعلم أصحاباً أوفى من أصحابي ‘وكفى بذلك دليلاً وبرهاناً على ما قلناه ولو لا تلك التربية وذلك الاعداد الروحي والنفسي والفكري لما وصلوا الى مثل هذه المرتبة من الاستعداد لنيل الشرف والكرامة ولما استحقوا مثل هذا الوسام الرفيع من سيد الشهداء الامام القائد الحسين بن علي عليه السلام.

المنهجية التربوية عند الإمام الحسين عليه السلام
المنهجية التربوية عند الإمام الحسين عليه السلام

ثالثاً: الاستعداد العالي للتضحية والانضباط التام

إن الانسان الذي يضع نصب عينيه هدفاً كبيراً وعظيماً لابد ان يحسب حسابه للتضحية والاستعداد العالي للتحمل في سبيل الوصول الى مثل هذا الهدف ومن هنا كان لابد للقائد التاريخي الذي يتحمل مسؤولية تاريخية عظمى ويريد النهوض بأعباء الثورة العارمة لابد ان يثير اصحابه ويستفز فيهم كل دواعي الاستعداد للتضحية وأعلى درجات القدرة على التحمل والصبر أي الصبر على حر السلاح وملاقاة الحتوف وهذا ما فعله الإمام القائد عليه السلام تماماً وكما يظهر من خطاباته وتوصياته أنه كان يعد اصحابه ويربيهم على هذه المعاني فلنسمعه في قوله عليه السلام: ‘أيها الناس إنما جمعتكم على أن العراق لي وقد أتاني خبر فظيع عن ابن عمي مسلم يدل على أن شيعتنا قد خذلتنا فمن أحب أن ينصرف فلينصرف ليس عليه منا ذمام’.

هكذا اذن بكل وضوح وصراحة وبجرأة وشجاعة القائد التاريخي الذي لا تزيده كثرة الناس حوله شجاعة ولا قلتهم ضعفاً وتراخياً عن هدفه يقف الامام عليه السلام واضعاً حقيقة الموقف وأبعاده وملابساته وكل ما يكتنفه من ظروف ومستجدات يضع كل ذلك أمام الأتباع والأنصار إنها إذن المواجهة الحاسمة والمصيرية التي تطير فيها الرؤوس وتكون الأجساد عرضة للطعن وهدفاً للسيوف إنها المواجهة التي يقبل فيها الناصر ويتكاثر المتخاذلون ويقعد فيها الناس فلا يتصدى ولا ينهض حينئذ إلا من وطن نفسه على المنية ووضع روحه على راحته لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه.

رابعا: الانضباط التام

يعد الانضباط التام مسألة جوهرية في آية مواجهة مسلحة والانضباط بمفهومه هو الإلتزام الصارم بتوجيهات القيادة وأوامرها وبدونه فإن الارباك والفوضى والانفلات ستسود في الطرف الذي لا يلتزم بمثل ذلك الانضباط المطلوب وهو ما يؤدي الى الانكسار والفشل، وهنا نجد حالة الانضباط بالصورة التي ذكرناها قائمة أثناء المواجهة المسلحة في الجبهة التي يقودها الإمام الحسين عليه السلام مع تأثير فرص الانفلات في الجبهة المعادية فنحن نجد الأنصار ينقادون لتوجيهات الامام عليه السلام وأوامره ويخضعون لها بكل اخلاص ونكران ذات على الرغم من وجود حالة الغليان والحماس وعشق الشهادة وهذه تعد من العوامل التي ربما تقود الانسان الى التصرف والاندفاع بعيداً عن التوجيهات الصارمة للقيادة ولعل الأمثلة على ذلك في واقعة الطف كثيرة.

ولكن ربما يثور هنا سؤال هو: كيف يمكن أن نقوم موقف أحد الأنصار الأبطال ــ عابس الشاكري ــ عندما ينزل الى ساحة المعركة فيرمي سيفه وينزع درعه ثم يواجه القوم الأعداء على كثرة عددهم أعزل إلا من صلابة الايمان وقوة الأعصاب ورباطة الجأش؟!إن هذه الصورة في الوقت الذي تؤشر الى حالة العشق للشهادة وحالة الذوبان في الامام الحسين عليه السلام إن هذه الصورة هي تجسيد للإقدام البطولي والاستماتة في سبيل الحق والتي أظهرها هذا البطل إنها الصورة التي أرعبت العدو وأربكته وأظهرت مدى أحقية الامام عليه السلام في موقفه الذي اتخذه كما انها سجلت صفحة نادرة في سجل ملحمة كربلاء الخالدة يرسمها الأبطال والمجاهدون على مدى التاريخ إن مثل هذه الصور الرائعة لا نجدها في معسكر الأعداء في الجبهة المعادية للحق والاسلام بل نستطيع جبهات الباطل أن تقدم صورة واحدة من هذا القبيل وليس بإمكانها أن تفرز مثل هذه الصور الخالدة من البطولة النادرة والشجاعة الفذة بينما نستطيع العثور على عشرات بل مئات الصور من مثل جبهة صراع الاسلام مع قوى الكفر والضلال على طول التاريخ ولا ينبغي ان نستغرب ذلك لأن الانسان بطبعه لا تهون عليه حياته ودمه إلا عندما يدرك أن الغاية عظيمة والهدف هو لله والثواب والعوض أعظم وهذا لا يتوافر إلا في جبهة الحق والدين وإلا تحت حماة الدين.

* بقلم د. طه الديواني

شاهد أيضاً

The Warith Magazine Issue 6

– by: The Department of Islamic Studies and Research of The Holy Shrine of Imam …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *