البحث في فهارس المكتبة:

آية التطهير

مجلة الوارث 87
آية التطهير

*السيد علي الميلاني

لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والإفهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الأمّة وقيمها الحقّة، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.

قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.(الأحزاب:33)

هذه الآية في القرآن الكريم ضمن آيات تتعلّق بزوجات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، واقرأ الآيات: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}.(الأحزاب:32-34)

هذه الآية المباركة أيضاً من جملة ما يستدلّ به من القرآن الكريم على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام.

وهناك خطوط لابد أن ترسم وأن تجري الأمور على أساسها، وأنّ القرآن الكريم لم يأت فيه اسم أحد، وكل آية يستدل بها على إمامة أمير المؤمنين أو غير أمير المؤمنين، لابد وأن يرجع في دلالتها وفي شأن نزولها إلى السنّة المفسّرة لتلك الآية، أي سنة أهل البيت عليهم السلام، والسنّة المفسّرة للآية أيضاً يجب أن تكون مقبولة عند الطرفين المتنازعين المتخاصمين في مثل هذه المسألة المهمّة.

    المراد من أهل البيت عليهم السلام في آية التطهير

فلابد من بيان المراد من أهل البيت عليهم السلام في هذه الآية المباركة، لأنّ الله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.

محلّ الاستدلال في هذه الآية المباركة نقطتان:

النقطة الأولى: المراد من أهل البيت.

والنقطة الثانية: المراد من إذهاب الرجس.

فإذا تمّ المدّعى على ضوء القواعد المقررة في مثل هذه الآية في تلك النقطتين، ثمّ الاستدلال بالآية المباركة على إمامة علي أمير المؤمنين، وإلّا فلا يتم الاستدلال.

    النقطة الأولى

المراد من أهل البيت في هذه الآية المباركة مَن؟

لابد هنا من الرجوع أيضاً إلى كتب الحديث والتفسير، وإلى كلمات العلماء من محدّثين ومفسرين ومؤرخين، لنعرف المراد من قوله تعالى في هذه الآية، أي: المخاطب بأهل البيت من هم؟

فإذا رجعنا إلى المسانيد والسنن والتفاسير المعتبرة عن أهل السنة، وإذا ما رجعنا إلى صحيح مسلم، وإلى صحيح الترمذي، وإلى صحيح النسائي، وإلى مسند أحمد بن حنبل، وإلى مسند البزّار، وإلى مسند عبد بن حميد، وإلى مستدرك الحاكم، وإلى تلخيص المستدرك للذهبي، وإلى تفسير الطبري، وإلى تفسير ابن كثير، وهكذا إلى الدر المنثور، وغير هذه الكتب من تفاسير ومن كتب الحديث:

نجد أنهم يروون عن ابن عباس، وعن أبي سعيد، وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، وعن سعد بن أبي وقاص، وعن زيد بن أرقم، وعن أم سلمة، وعن عائشة، وعن بعض الصحابة الآخرين:

أنّه لما نزلت هذه الآية المباركة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، جمع أهله – أي جمع عليّاً وفاطمة والحسن والحسين – وألقى عليهم كساءً وقال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي».

وفي بعض الروايات: ألقى الكساء على هؤلاء، فنزلت الآية المباركة.

والروايات بعضها تفيد أنّ الآية نزلت ففعل رسول الله هكذا.

وبعضها تفيد أنّه فعل رسول الله هكذا، أي جمعهم تحت كساء فنزلت الآية المباركة.

قد تكون القضيّة وقعت مرّتين أو تكرّرت أكثر من مرّتين أيضاً، والآية تكرّر نزولها، ولو راجعتهم على كتاب الإتقان في علوم القرآن لجلال الدين السيوطي لرأيتم فصلاً فيه قسمٌ من الآية النازلة أكثر من مرّة، فيمكن أن تكون الآية نازلة أكثر من مرّة والقضيّة متكرّرة.

وقد ثبت عندنا أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»، أكثر من مرّة، وإنْ اشتهرت قضيّة غدير خم.

وحديث المنزلة «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى»، وارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مصادر أهل السنّة في أكثر من خمسة عشر موطناً.

فلا نستبعد أن تكون آية التطهير نزلت مرّتين أو أكثر، لأنّا نبحث على ضوء الأحاديث الواردة، فكما ذكرت لكم، بعض الأحاديث تقول إنّ النبي جمعهم تحت الكساء ثمّ نزلت الآية، وبعض الأحاديث تقول إنّ الآية نزلت فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً وفاطمة والحسنين وألقى عليهم الكساء وقال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي».

فقد ورد الحديث في صحيح مسلم، وفي مسند أحمد في أكثر من موضع، ومستدرك الحاكم مع إقرار الذهبي وتأييده لتصحيح الحاكم لهذا الحديث، وصحيح الترمذي مع تصريحه بصحته، وسنن النسائي الذي اشترط في سننه شرطاً هو أشدّ من شرط الشيخين في صحيحيهما، كما ذكره الذهبي بترجمة النسائي في كتاب تذكرة الحفاظ.

ولا يخفى على القارئ والمتتبع أنّ كتاب الخصائص الموجود بين أيدينا الذي هو من تأليف النسائي، هذا جزء من صحيحه، إلاّ أنّه نشر أو انتشر بهذه الصورة بالاستقلال، وإلاّ فهو جزء من صحيحه الذي اشترط فيه، وكان شرطه في هذا الكتاب أشدّ من شرط الشيخين في صحيحيهما.

وقد ورد في تفسير الطبري، حيث روى هذا الحديث من أربعة عشر طريقاً، وورد في كتاب الدر المنثور للسيوطي، يرويه عن كثير من كبار الأئمّة الحفّاظ من أهل السنة.

وقد اشتمل لفظ الحديث في أكثر طرقه على أنّ أم سلمة أرادت الدخول معهم تحت الكساء، فمنعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يأذن لها بالدخول، وقال لها: «وإنّك على خير» أو «إلى خير».(مسند أحمد:6/292)

وحديث أيضاً وارد عن عائشة كذلك.(صحيح مسلم:7/130)

واشتمل بعض ألفاظ الحديث على جملة أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إلى فاطمة، وأمرها بأن تدعو عليّاً والحسنين، وتأتي بهم إلى النبي، فلمّا اجتمعوا ألقى عليهم الكساء وقال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي»، ممّا يدل على أنّ النبي كانت له عناية خاصة بهذه القضيّة، ولمّا أمر رسول الله فاطمة بأن تأتي هي وزوجها وولداها، لم يأمرها بأن تدعو أحداً غير هؤلاء، وكان له أقرباء كثيرون، وأزواجه في البيت عنده، وحتّى أنّه لم يأذن لأمّ سلمة أن تدخل معهم تحت الكساء.

إذن هذه القضيّة تدلّ على أمر وشأن ومقام لا يعمّ مثل أمّ سلمة، تلك المرأة المحترمة المعظّمة المكرّمة عند جميع المسلمين.

وهذا الاستدلال فيه جهة إثبات وجهة نفي، أما جهة الإثبات فإنّ الذين كانوا تحت الكساء ونزلت الآية في حقّهم هم: علي وفاطمة والحسن والحسين فقط؛ وأمّا جهة النفي، فإنّه لم يأذن النبي لأن يكون مع هؤلاء أحد.

في جهة الإثبات وفي جهة النفي أيضاً، تكفينا نصوص الأحاديث الواردة في الصحاح والمسانيد وغيرها من الأحاديث التي نصّوا على صحّتها سنداً، فكانت تلك الأحاديث صحيحةً، وكانت مورد قبول عند الطرفين.

 معنى إذهاب الرجس والارادة

ننتقل الان إلى النقطة الثانية في الاية المباركة ، وهي معنى إذهاب الرجس {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيْراً} ، فتعيّن المراد من أهل البيت بقول رسول الله وبفعل رسول الله ، فأصبحت السنّة المتفق عليها مفسّرة للاية المباركة .

فما معنى إذهاب الرجس عن أهل البيت ؟

لابدّ من التأمّل في مفردات الاية المباركة :

كلمة { إنّما} تدلّ على الحصر ، وهذا ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف من أحد .

{يريد الله} الارادة هنا إمّا إرادة تكوينيّة كقوله تعالى : {إِذَا أرَادَ شَيْئَاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{( سورة يس : 82)، وإمّا هي تشريعيّة كقوله تعالى : {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيْدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}( سورة البقرة : 185) .

فالارادة ، تارةً تكوينيّة ، وأُخرى تشريعيّة ، وكلا القسمين واردان في القرآن الكريم ، ولله سبحانه وتعالى إرادة تكوينيّة وإرادة تشريعيّة ، ولا خلاف في هذه الناحية أيضاً .

فالارادة ، تارةً تكوينيّة ، وأُخرى تشريعيّة ، وكلا القسمين واردان في القرآن الكريم ، ولله سبحانه وتعالى إرادة تكوينيّة وإرادة تشريعيّة ، ولا خلاف في هذه الناحية أيضاً .

لكن المراد من « الإرادة » في الاية لا يمكن أن يكون إلاّ الإرادة التكوينيّة، لان الإرادة التشريعيّة لا تختص بأهل البيت، سواء كان المراد من أهل البيت هم الأربعة الأطهار، أو غيرهم أيضاً، الإرادة التشريعيّة لا تختصّ بأحد دون أحد، الإرادة التشريعيّة يعني ما يريد الله سبحانه وتعالى أن يفعله المكلَّف، أو يريد أن لا يفعله المكلّف، هذه الإرادة التشريعيّة ، أي الأحكام، الأحكام عامّة تعم جميع المكلّفين، لا معنى لان تكون الإرادة هنا تشريعيّة ومختصّة بأهل البيت أو غير أهل البيت كائناً من كان المراد من أهل البيت في هذه الاية المباركة، إذ ليس هناك تشريعان ، تشريع يختصّ بأهل البيت في هذه الآية وتشريع يكون لسائر المسلمين المكلّفين، فالإرادة هنا تكون تكوينيّة لا محالة .

{إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس} و ( الرجس ) إذا رجعنا إلى اللغة، فيعمّ الرجس ما يستقذر منه ويستقبح منه ، ويكون المراد في هذه الآية الذنوب، {إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس}، أي إنّما يريد الله بالإرادة التكوينيّة أن يذهب عنكم الذنوب أهل البيت ، ويطهّركم من الذنوب تطهيراً ، فهذا يكون محصّل معنى الآية المباركة .

إنّ إرادة الله التكوينيّة لا تتخلّف، وبعبارة أُخرى : المراد لا يتخلّف عن الإرادة الإلهية ، {إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون}( سورة يس : 82).

فإذا كانت الإرادة تكوينيّة، والمراد إذهاب الرجس عن أهل البيت ، فهذا معناه طهارة أهل البيت عن مطلق الذنوب ، وهذا واقع العصمة، فتكون الآية دالّة على العصمة .

 

شاهد أيضاً

The Warith Magazine Issue 6

– by: The Department of Islamic Studies and Research of The Holy Shrine of Imam …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *