البحث في فهارس المكتبة:

كتــابة التـاريخ الكاذب برئاسة معـــاويـــــــة

مجلة الوارث - العدد 104

*جواد كاظم آل نصر الله

قاد معاوية القاسطين في معركة صفين ضد الإمام عليٍّ عليه السلام، والتي انتهت بالتحكيم السلبي، فضلاً عن شن الغارات على المدن التي كانت تحت خلافة أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام؛ فما إنْ استشهد أمير المؤمنين عليه السلام حتّى انتقل معاوية من حربه العسكرية الباغية ضدَّ خليفة رسول الله صلَّى الله عليه وآله الإمام عليِّ بن أبي طالب عليه السلام إلى حربه الإعلامية.(وقعة صفين. كتاب الغارات).
فاتخذ معاوية سلسلة من الإجراءات من أجل السيطرة على نفوس الناس، منها ما يلي:

أولاً: البراءة من الإمام عليٍّ عليه السلام
كان معاوية قد أوجد سُنة سبِّ الإمام عليٍّ عليه السلام في حياة الإمام عليه السلام، حيث قنت عليه، ولعنه بالصلاة، وخطبة الجمعة، وأضاف إليه الحسن والحسين وابن عباس والأشتر النخعي. (شرح نهج البلاغة: 16 / 137 ).
ولذا كان من شروط الإمام الحسن عليه السلام في معاهدة وقف القتال على معاوية عدم سبِّ الإمام عليٍّ عليه السلام، إذ جاء: «ألا يتبع أحداً بما مضى، ولا ينال أحداً من شيعة عليٍّ بمكروه، ولا يذكر عليّاً إلاّ بخير ». (مقاتل الطالبين: 75 ).
إلاّ أنّ معاوية لمّا تولى الحكم تجاوز الحدّ ليس فقط بسبِّ الإمام عليٍّ عليه السلام بل جعل البراءة من الإمام من المسائل الّتي تزكي الفرد أو تتهمه. (شرح نهج البلاغة: 4/ 56 ).
وكان معاوية يقول في آخر خطبة الجمعة:
(اللهم إنّ أبا تراب ألحد في دينك، وصدّ عن سبيلك فالعنه لعناً وبيلاً، وعذبه عذاباً أليماً(؛ وإنّه كتب بذلك إلى الآفاق، فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر، إلى خلافة عمر بن عبد العزيز. (شرح نهج البلاغة: 4/ 57 ).
بل إنّ لعن الإمام عليٍّ عليه السام في موسم الحج أصبح من المستحبات. (شرح نهج البلاغة: 4/ 58).
وكان خالد بن عبد الله القسري والي العراق لهشام بن عبد الملك يقول في خطبته: (اللهم العن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، صهر رسول الله على ابنته، وأبا الحسن والحسين! ثمّ يقبل على الناس ويقول: هل كنيت!). (الكامل في اللغة والأدب: 414 ).
وكانت جماعة من بني أُمية قالت لمعاوية بعد سنين من حكمه: (إنّك قد بلغت ما أمَّلت، فلو كففت عن لعن هذا الرجل! فقال: لا والله حتّى يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكر فضلاً!). (شرح نهج البلاغة: 4/ 57 ).
وقال الجاحظ: (وما كان عبد الملك بن مروان … ممّن يخفى عليه فضل عليٍّ عليه السلام، وأنّ لعنه على رؤوس الأشهاد، وفي أعطاف الخطب، وعلى صهوات المنابر ممّا يعود عليه نقصه، ويرجع إليه وهنه، لأنَّهما جميعاً من بني عبد مناف، والأصل واحد، والجرثومة منبت لهما، وشرف عليٍّ عليه السلام وفضله عائد عليه، ومحسوب له، ولكنَّه أراد تشييد الملك وتأكيد ما فعله الأسلاف، وأن يقرر في أنفس الناس أنّ بني هاشم لاحظَّ لهم في هذا الأمر، وأنّ سيدهم الّذي به يصولون، وبفخره يفخرون، هذا حاله وهذا مقداره، فيكون من ينتمي إليه ويدلي به عن الأمر أبعد، وعن الوصول إليه أشحط وأنزح). (شرح نهج البلاغة: 4/ 58 ).
وكان هذا الأمر قد تنبأ به الإمام عليٌّ عليه السلام إذ قال لأصحابه: «أَمَّا إِنهَُّ سَيَظْهَرُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ الْبُلْعُومِ، مُندَْحِقُ الْبَطْنِ، يَأْكُلُ مَا يَجِدُ، وَيَطْلُبُ مَا لاَ يَجِدُ، فَاقْتُلُوهُ وَلَنْ تَقْتُلُوهُ أَلاَ وَإِنَّهُ سَيَأْمُرُكُمْ بسَِبّيِ وَالْبَرَاءَةِ مِنيِّ، فَأَمَّا السَّبُّ فَسُبُّونِي، فَإِنهَُّ لِي زَكَاةٌ وَلَكُمْ نجََاةٌ، وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ فَلا تتََبَرَّءُوا مِنيِّ، فَإِنِيّ وُلِدْتُ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَسَبَقْتُ إِلَى الإِيمَانِ وَالْهِجْرَة .»(نهج البلاغة: 92 ).
وبعدما تولّى معاوية الأمر كتب كتاباً إلى جميع الولايات جاء فيه: (أن برئت الذمة ممّن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته). (كتاب سليم بن قيس: 270 ).
يقول المدائني: (قامت الخطباء في كلِّ كورة، وعلى كلِّ منبر يلعنون عليّاً ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته)(شرح نهج البلاغة: 11 / 44 ).
قال أبو جعفر الإسكافي المعتزلي(ت 204 هـ): (إنّ بني أُمية منعوا من إظهار فضائل الإمام عليٍّ عليه السلام، وعاقبوا على ذلك الراوي له، حتىّ أنَّ الرجل إذا روى عنه حديثاً لا يتعلق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر على ذكر اسمه، فيقول: عن أبي زينب). (شرح نهج البلاغة: 4/ 73 ).
وروى عطاء، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، قال: (وددت أن أترك فأحدث بفضائل عليِّ بن أبي طالب عليه السلام يوماً إلى الليل، وأنَّ عنقي هذه ضربت بالسيف). (شرح نهج البلاغة: 4/ 74 ).
وروى أبو غسان البصري: (إنّ عبيد الله بن زياد بن أبيه بنى في البصرة أربعة مساجد تقوم على بغض الإمام عليٍّ عليه السلام والوقيعة به وهي مسجد بني عدي، ومسجد بني مجاشع، ومسجد كان في العلافين على فرضة البصرة، ومسجد في الأزد). (شرح نهج البلاغة: 4/ 94 ).

ولمّا تولى المغيرة بن شعبة الكوفة لمعاوية، أمر حجر بن عدي أنْ يقوم في الناس ويلعن الإمام عليّاً عليه السلام، فأبى ذلك فأخذ يهدده، فقام حجر وقال: (أيها الناس إنّ أميركم أمرني أنْ ألعن عليّاً فالعنوه، ويقصد المغيرة باللعن). (شرح نهج البلاغة: 4/ 58 ).
وقرّر زياد بن أبيه يوماً أنْ يستعرض أهل الكوفة أجمعين على البراءة من الإمام عليٍّ عليه السلام، وأنْ يقتل كلَّ من امتنع من ذلك، فضربه الله ذلك اليوم بالطاعون ومات. (شرح نهج البلاغة: 4/ 59 ).
ومن الذين عملوا بوصايا معاوية عمرو بن ثابت أخو زيد بن ثابت، وكلاهما معادٍ للإمام عليٍّ عليه السلام، حيث كان عمرو أيام معاوية يركب ويدور في قرى الشام، ويجمع أهلها ويقول: (أيّها الناس، إنّ عليّاً كان رجلاً منافقاً، أراد أن ينخس برسول الله صلى الله عليه وآله ليلة العقبة، فالعنوه، فيلعنه أهل تلك القرية)، ثمّ يسير إلى قرية أُخرى وهكذا.
(شرح نهج البلاغة: 4/ 103 ).


ثانياً: افتعال فضائل لعثمان بن عفان

مجلة الوارث - العدد 104

لقد أحسن خصوم الإمام أداء المهمة الّتي أوكلت إليهم، حتّى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه. (شرح نهج البلاغة: 11 / 44 ).
لمّا كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كلِّ مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمال معاوية، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلَّ كتب اسمه وقرّبه وشفّعه. (شرح نهج البلاغة: 11 / 45 ).
بل وصل الأمر بخلق أحاديث في فضائل أبي بكر وعمر، وذلك من أجل تنقيص مناقب وفضائل أميرالمؤمنين عليٍّ عليه السلام، باعتبار أنّ فضائله قد يشترك معه غيره، فلا تكون فضيلة له وحده.
ومن بين تلك المناقب فضيلة (ذو النورين) أي زواجه من ابنتين للنبيِّ صلَّى الله عليه وآله. حيث أورد الكتاّب والباحثون بهذا الخصوص الردود على أنّ عثمان لم يتزوج بنات النبيِّ صلَّى الله عليه وآله بل كانتا ربائبه صلَّى الله عليه وآله، أي قام النبيُّ صلَّى الله عليه وآله بتربيتهن.


ثالثاً: افتعال فضائل لأبي بكر وعمر ولسائر الصحابة مقابل فضائل الإمام عليٍّ عليه السلام

جاءت المرحلة الأخيرة حيث شكّل معاوية لجنة من مجموعة من الصحابة كعمرو بن العاص وأبي هريرة، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير. (شرح نهج البلاغة: 4/ 63 ).
فكانت مهمة هذه اللجنة ما يلي:

  1. افتعال فضائل للصحابة.
  2. وضع فضائل للصحابة مقابل فضائل الإمام عليٍّ عليه السلام.
  3. افتعال مثالب للإمام عليٍّ عليه السلام. ولذا كان لكلِّ واحد من هؤلاء دور في تنفيذ أمر معاوية!
    فعمرو بن العاص أحد الذين ولدوا من زواج الرهط، وهو اجتماع عدّة رجال على امرأة واحدة، فإذا ولدت ألحقت الوليد بأيهم شاءت.
    وكانت أُمُّ عمرو بن العاص تدعى النابغة بنت حرملة من تلك النساء، فلمّا ولدت عمرواً ألحقته بالعاص بن وائل، وقد سأله سائل عن أمُِّه فقال: سلمى بنت حرملة تلقب بالنابغة من بني عنزة، أصابتها رماح العرب فبيعت بعكاظ، واشتراها الفاكه بن المغيرة وباعها لعبد الله بن جدعان ثمّ صارت إلى العاص بن وائل فولدت له فأنجبت فإنْ كان جعل لك شيئاً فخذه.
    ويقال إنّ أمُّه من أصحاب الرايات وقد اختلف فيه عشرة من الرجال، فنسبته أُمُّه إلى العاص بن وائل بينما كان عمرو أشبه بأبي سفيان، ولمّا سُئلت قالت: لأنّ العاص كان ينفق علَيَّ، وأبو سفيان شحيح.
    وكان عمرو من أشد المشركين عداءً للرسول صلَّى الله عليه وآله، وفي أبيه نزلت: {إنَِّ شاَنئَِك هوُ الأَبتَْر}. [الكوثر: 3] .
    ولمّا هاجر المسلمون إلى الحبشة، أوفدته قريش مع عمارة بن الوليد للنجاشي لتسليمهم إلى قريش فرفض النجاشي، وقد غدر ابن العاص بعمارة لدى النجاشي. )رسائل الشريف المرتضى: 1/ 438 (.
    وبعد هجرة الرسول صلَّى الله عليه وآله إلى المدينة، لم يذكر له موقف في حروب المشركين ضدَّ الرسول صلَّى الله عليه وآله مع أنهّ ألدُّ أعداء الرسول صلَّى الله عليه وآله والظاهر أنّه لم يكن من الشجعان، وبعد اتساع الإسلام في الجزيرة جاء عمرو وأسلم قبل فتح مكة بستة أشهر، وهناك رواية تشير إلى أنَّ إسلامه بعد لقائه بالنجاشي وأنّ الأخير أقنعه بالإسلام فعندها جاء وأسلم، ولكنَّها رواية ضعيفة وشاذّة لأنّ الهجرة إلى الحبشة في السنة الخامسة للبعثة الشريفة أمّا هو فهاجر في سنة ( 8هـ) أي بعد ست عشرة سنة، وقد ولاه الرسول صلَّى الله عليه وآله في معركة ذات السلاسل على جيش فيه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة.
    وبعد رحيل النبيِّ صلَّى الله عليه وآله كان عمرو بن العاص من ضمن جماعة من متأخري الإسلام الذين شنوا حملة على الأنصار فاستنجد الأنصار بالإمام عليٍّ عليه السلام وأدّى ذلك لسلسلة من المحاورات الكلامية الشديدة اللهجة، ثم أصبح عمرو بن العاص أحد القادة الأحد عشر الذين أرسلهم أبو بكر للقضاء على المخالفين ثمّ أصبح من قادة الفتوحات زمن عمر بن الخطاب حيث فتح فلسطين ومصر، ثمّ تولى مصر أيام عمر وأربع سنين من حكم عثمان لكنه عزله وولى عبد الله بن أبي سرح، فاعتزل عمرو في فلسطين وأخذ يؤلب الناس ضدَّ عثمان حتّى مقتله، فقال: (أنا أبوعبد الله ما نكأت قرحة إلاّ أدميتها).
    ثمّ استجاب لدعوة معاوية فانضم إليه في حربه للإمام عليٍّ عليه السلام، وكان موقفه معروفاً يوم صفين حيث برز للإمام لكنَّه نجا بفعله الشنيع، حيث أظهر عورته لكي يتركه الإمام عليه السلام وينجو بنفسه من سيف عليِّ بن أبي طالب عليه السلام، ولجأ إلى حيلة رفع المصاحف، ممّا أدى لدخول الشبهة لدى أهل العراق، ثمّ أصبح ممثل أهل الشام في التحكيم حيث خدع أبا موسى الأشعري وبعدها قاد جيشاً من الشام نحو مصر حيث تمكن من القبض على واليه هناك محمّد بن أبي بكر رضوان الله تعالى عليه وإحراقه بجيفة حمار، وسيطر على مصر سنة ( 38 هـ)، واستمر حتّى سنة ( 43 هـ).
    وحينما حضرته الوفاة قال: (اللهم إنّك أمرتني فلم أأتمر وزجرتني فلم أنزجر).
    ووضع يده على موضع الغل وقال: (اللّهمّ لا قوي فانتصر ولا بريء فأعتذر).
    ويقال إنّه لمّا حضرته الوفاة بكى فقال له ولده: لم تبكِ؟ أجزعا من الموت؟ قال: لا والله، ولكن لما بعد الموت! فقال له: كنت على خير.
    وجعلوا يذكرون صحبته لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وفتوحه الشام ومصر.
    فقال عمرو: تركت أفضل من ذلك شهادة أن لا إله إلَّ الله!
    يرى أبو عبد الله البصري – أحد شيوخ المعتزلة أنّ أول من قال بالإرجاء المحض معاوية وعمرو بن العاص، كانا يزعمان أنّه لا يضر مع الإيمان معصية، ولذلك قال معاوية لمن قال له: حاربت من تعلم، وارتكبت ما تعلم؟! فقال: وثقت بقوله تعالى: {إنَِّ اللهَ يغَْفرِ الذُّنُوب جمَيِعاً}. [ الزمر: 53 ] .
    وإلى هذا المعنى أشار عمرو بن العاص لابنه بقوله: (تركت أفضل من ذلك، شهادة أنْ لا إله إلَّا الله). (الولاة والقضاة: 33 ).
    وحينما أورد ابن أبي الحديد ما ذكره الواقدي في غزوة بدر حول ما كان يرويه عمرو بن العاص بعد إسلامه حول رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب، في أنّ شخصاً أخذ صخرة من جبل أبي قبيس– وهو أحد جبال مكة – وأرسلها تهوى، فما بقي بيت في مكة إلَّ ودخلها منه فلقة. (معجم ما استعجم: 3/ 1040 ).
    فكان عمرو بن العاص يقول: لقد رأيت كلَّ هذا، ولقد رأيت في دارنا فلقة من الصخرة الّتي انفلقت من أبي قبيس، ولقد كان ذلك عبرة، ولكنَّ الله لم يرد أنْ نسلم يومئذٍ لكنَّه أخر إسلامنا إلى ما أراد. (مغازي الواقدي: 1/ 29 ).
    قال ابن أبي الحديد معلّقاً: (كان بعض أصحابنا يقول: لم يكف عمرو أن يقول: رأيت الصخرة في دور مكة، فيخرج ذلك مخرج الاستهزاء باطناً على وجه النفاق، واستخفافه بعقول المسلمين. زعم حتّى يضيف إلى القول بالجبر الصراح فيقول: إنّ الله تعالى لم يكن أراد منه الإسلام يومئذ). (شرح نهج البلاغة: 14 / 92 ).
    وهناك أحاديث مكذوبة نسبت للنبيِّ صلَّى الله عليه وآله في حق ابن العاص لا تتفق وتوجهاته كالقول المنسوب له صلَّى الله عليه وآله: (أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص)، والمعروف أنّ الإسلام باللسان والإيمان بالقلب والإيمان أرقى من الإسلام! (مروج الذهب: 2/ 351 ).
    أمّا عن دوره في هذه اللجنة فقد اختلق حديثاً عدّه البخاري ومسلم من الصحاح وهو: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله يقول: (إنّ آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنّما وليي الله وصالح المؤمنين). (صحيح البخاري: 7/ 73 ).
    وأمّا أبو هريرة فهو من أهل البحرين أسلم في السنة السابعة للهجرة وأمضى مع النبيِّ صلَّى الله عليه وآله عاماً ونصف العام، وبعد ذلك ذهب للبحرين – عاماً ونصف العام – ومع قصر المدة الّتي قضاها مع النبيِّ صلَّى الله عليه وآله فقد جاء في المرتبة الأوُلى في مقدار الأحاديث الّتي رواها عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله. (شرح نهج البلاغة: 4/ 64 ).
    وكان دوره كبيراً، فقد روى أنّ المقصود بقول النبيِّ صلَّى الله عليه وآله: (فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني)؛ روى أنّ الّذي آذى فاطمة عليها السلام وبالتالي آذى النبيَّ صلَّى الله عليه وآله إنّما هو الإمام عليٌّ عليه السلام حينما أراد أنْ يتزوج ابنة أبي جهل في حياة السيدة فاطمة عليها السلام). (شرح نهج البلاغة: 4/ 64 ).
    فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة. (كتاب السقيفة: 273).
    وقد استغل ذلك متصنعة القبلة (الدجالون) الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتّى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنهّا حق، ولو علموا أنهّا باطلة لما رووها ولا تدينوا بها. (كتاب السقيفة: 274 ).
    هذا الواقع كان ماثلا لدى الإمام محمّد الباقرعليه السلام إذ وصفه: «وَوَجَدَ الْكَاذِبُونَ الْجَاحِدُونَ لِكَذِبِهِمْ وَجُحُودِهِمْ مَوْضِعاً يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ وَقُضَاةِ السَّوْءِ وَعُمَّالِ السَّوْءِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ فَحَدَّثوُهُمْ باِلأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ الْمَكْذُوبَةِ وَرَوَوْا عَناَّ مَا لَمْ نقَُلْهُ وَلَمْ نفَْعَلْهُ لِيُبَغِّضُوناَ إِلَى الناَّسِ وَكَانَ عِظَمُ ذَلِكَ وَكِبَرُهُ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ بَعْدَ مَوْتِ الْحَسَنِ عليه السلام .» (بحار الأنوار: 44 / 69 ).
    واستمر الأمر إلى أيام ولاية الحجاج الثقفي للعراق، حيث تقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض عليٍّ وموالاة أعدائه، وموالاة من يدّعي من الناس أنهّم أيضا أعداؤه فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من البغض من عليٍّ عليه السلام والطعن فيه والشنآن له. (شرح نهج البلاغة: 11 / 46 ).
    إنّ من يستقرئ ذلك الواقع بإمعان ليستغرب كيف وصلت إلينا فضائل أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب عليه السلام! إذ إنّ ذلك لم يزده إلا رفعة و سمواً، وكأنّه كالمسك الّذي كلَّما سُتر انتشر، وكلَّما كُتم تضوع نشره، وكأنّه شمس لا تستر بالراح، وكضوء النهار الّذي إنْ حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة. (شرح نهج البلاغة: 1/ 16 ).
    ولذا عدّ الشيخ المفيد ذلك من باب المعجزات الخارقة للعادة. (الإرشاد: 116 ).
    وكيف لا يكون من باب المعجزات إذ إنَّ أولياء الإمام عليه السلام كتموا فضائله خوفاً، وإمّا أعداؤه فكتموها حسداً، ومع ذلك برز ما بين هذين ما ملأ الخافقين. (الرواشح السماوية: 203 ).
    وقال أبو جعفر الإسكافي: (فالأحاديث الواردة في فضله لو لم تكن في الشهرة والاستفاضة وكثرة النقل إلى غاية بعيدة، لانقطع نقلها للخوف والتقية من بني مروان مع طول المدّة، وشدّة العداوة، ولولا أنَّ لله تعالى في هذا الرجل سرّاً يعلمه من يعلمه لم يروَ في فضله حديث، ولا عرفت له منقبة). (شرح نهج البلاغة: 4/ 73).

شاهد أيضاً

صدر العدد الجديد من نشرة اضاءات فكرية

#نشرة_اضاءات_فكرية العدد الرابع لتحميل العدد اضغط على الرابط التالي: https://online.fliphtml5.com/fsffe/zzry/#p=1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *