البحث في فهارس المكتبة:

القلب الروحاني والسمع والبصر الباطنيان في القرآن الكريم

القلب الروحانی والسمع
القلب الروحاني والسمع والبصر الباطنيان في القرآن الكريم

للإنسان قلبان: قلب جسماني صنوبري الشكل، وهو أحد أعضاء الجسد، وقلب روحاني ومعنوي.
وفي جميع الآيات التي يتحدّث القرآن الكريم فيها عن القلب (المختوم) و(المطبوع)، أو يطرح فيها (الرين) والصدأ الذي يغلّف القلب ويحجب وجهه الصافي الشبيه بالمرآة، فإنّ المراد من القلب هو القلب الروحاني وليس الجسماني، وإن العلاقة بين مرض القلب الجسماني والروحاني وسلامتهما هي علاقة (العموم والخصوص من وجهه)، إذ إنه من الممكن أن يكون قلب المرء الجسماني سليماً بالكامل، بينما تنعدم السلامة في قلبه الروحاني جرّاء كفره وانحرافه.
كما أنّه من الممكن أن يشكو القلب الجسماني للإنسان المؤمن العلّة والمرض في الوقت الذي يكون فيه قلبه الروحاني سالماً: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}. (الصافات/ 84)
كما قد يكون كلا القلبين مريضاً؛ كالكافر المبتلى بمرض القلب، أو يكون كلاهما سالماً؛ نظير المؤمن ذي القلب الجسماني المعافى.
ومثلما أنّ فعالية ونشاط القوى والحواسّ الماديّة للإنسان مرتبطة بسلامة قلبه الجسماني، فإنّ فعالية ونشاط قواه وحواسه المعنوية مرتبطة أيضاً بسلامة قلبه المعنوي.
وما دام باب القلب قد أوصد، فلا عقائده الباطلة ولا صفاته الرذيلة ستخرج منه، ولا العقائد الحقة والخصال الفاضلة ستدخل إليه؛ نظير الوعاء المغلقة فوهته بإحكام، فليس بالمستطاع إخراج ما ترسّب فيه من وحل وطين، ولا بالإمكان سكب الماء الزلال فيه.

الكفّار محفوفون بحجابين
وقد ينسبُ الله سبحانه وتعالى الختم على قلوب وسمع الكفار إلى نفسه: {خَتَمَ اللهُ}، إلاّ أنّه تعالى لا ينسب إلقاء الغشاوة على أبصارهم إليه: {وَعَلَى أبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}. (البقرة/ 7)
وهذه الآية تشيرُ إلى أنّ الكفّار محفوفون بحجابين، حجاب أسدلوه هم على وجوههم بسبب عدم اكتراثهم بالحقّ وإعراضهم عنه، وحجابٌ ألقاه الله عليهم عقاباً على إعراضهم عن الحقائق، وهو الطبعُ والختمُ على قلوبهم وآذانهم، لذا فإنّ أعمال الكافرين واقعة بين هذين الحجابين والظلمتين. وعلى أيّ تقدير، فإنّ تكرار كلمة (على) يبيّن، وجود حجاب وغطاء لكلّ من القلب والسمع والبصر فتكرّرت كلمة (على) لتفيد التأكيد.

القلب الروحانی والسمع1

السرّ في كون قلوب الكفار مختومة
الإنسان عند الولادة يكون محروماً من العلم الحصولي: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}. والله سبحانه وتعالى يزوّده بالوسائل لاكتساب العلم الحصولي من جانب: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، ويلهم فطرته لينتفع من العلم الحضوري من جانب آخر: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}. (الشمس/7-8)
وحيث إنّ الإنسان – وبمعونة ما يتمتع به من ثروة إلهام الفطرة والشعور الباطني – له قدرة التمييز بين الخبيث والطيب، والقبيح والجميل، والفجور والتقوى من ناحية، وهو من ناحية أخرى يمتلك الوسائل المناسبة لاكتساب العلم الحصولي، فهو إذا ما نمّى هاتين الثروتين اللتين هما موهبتان إلهيتان، فسوف يفيد بشكل صحيح من مجاريه الادراكية، فيصل في ضوء تنميتها، إلى الفلاح: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} وهذا هو عين شكر النعمة الذي أشير إليه في آخر الآية من سورة النحل {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
لكنه لو دفن روحه في طامورة شهواته وغرائزه النفسانية، وأصبحت مجاريه الادراكية، أي السمع والبصر والقلب – التي ينبغي أن يوظفّها لتعلّم المعارف الإلهية وأسرار العالم – أسيرة لشهوات نفسه وهواها، وتدنّست بالذنوب والآثام، فلا يبقى فيها مجال لسطوع نور الهداية عليه.
بناءً على ما مرّ، فإنّ لختم القلب عاملين أساسيين:
الأولّ: اتّباع الهوى، حيث إنّ المرء بعد اتّضاح الحق وعوضا عن أن يكون إلهي المحور، تراه يتبع هواه فيدور حيث دار، فيصبح حينئذ مشمولاً بالإضلال الجزائي لله تعالى فيختم الله على سمعه وقلبه ويسدل حجاباً غليظاً على بصره، فلا يسمع الحق بعد ذلك ولا يبصره ولا يفهمه؛ ذلك لأنّ اتّباعه لهواه كان على علم منه: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}. (الجاثية/ 23)
والعامل الآخر لختم القلب هو: المعصية، فقد كان الكفار يقولون للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إن قلوبنا في غلاف وفي كنان، وآذاننا ثقيلة فلا نسمع ما تقول، وإن بيننا وبينك حجاباً فلا نراك بسببه: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ}. (فصلت/ 5)
إن الحجاب الذي ورد في الآية أعلاه هو الذنب، وهو الحجاب المستور، وليس المشهود والمرئي: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا}، {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}.
وفي بعض الآيات عبّر عنه بالرّين (صدأ القلب): {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}.
فالعقيدة الباطلة، والأخلاق الرذيلة، والعمل الباطل القبيح تصير على شكل حجاب من الغبار والصدأ يغطي وجه مرآة روح الإنسان، فلا يسطع فيها نور الهداية.
جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني قد حرمت من أداء نافلة الليل، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: «أنت رجل قد قيّدتك ذنوبك».
إنّ قلب العاصي والمجرم يقلّب: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ} ويصرّف عن فهم الحق: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} فيؤول نتيجة ذلك إلى التكذيب بالحق: {وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ}وبهذه الصورة تُختمُ صحيفة نفس الإنسان بالغضب الإلهي، وإلا فإنّ الله لا يضلّ ابتداءً فيجعل قلب الإنسان منكوسا منذ البدء ويختمه.
يشير القرآن الكريم إلى نماذج من الذنوب التي تكون مدعاة لانصراف قلب الإنسان؛ مثل التكبر الذي يكون عاملاً لحرمان المتكبر من فهم الآيات الإلهية: {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا…}. (الأعراف/ 146)
فعندما كان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يتلو آيات الدفاع والحرب كان بعض مخاطبيه يرقبون ما حولهم حتى إذا اطمأنوا بأنه لا أحد ينظر إليهم تسلّلوا من المكان لائذين بأحد الأشخاص. وقد قال عزّ من قائل في آية أخرى بحقّ هؤلاء: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا}، فالله سبحانه وتعالى يصرف قلوب هؤلاء بسبب تصرفاتهم القبيحة هذه فلا يدركون الآيات الإلهية بعد ذلك.

شاهد أيضاً

The Warith Magazine Issue 6

– by: The Department of Islamic Studies and Research of The Holy Shrine of Imam …

2 تعليقات

  1. السلآم عليكم ورحمة الله ياشيخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *